في الوقت الذي تعافت فيه الأسواق المالية العالمية وسجل مؤشر داو جونز ارتفاعا قياسيا، تسود حالة من القلق بين الديمقراطيين حول مصير سياسات الرئيس باراك أوباما الاقتصادية.
فمع تدني معدل البطالة إلى 4.9 في المائة وبعد فترة توسع اقتصادي مديدة، تبدو اليوم الأزمة المالية التي تسببت بحالة انكماش في البلاد في 2009 بعيدة جدا. وفي 2015، ارتفع متوسط دخل الأسر الأميركية بأكثر من 5 في المائة خلال سنة واحدة، مسجلا زيادة سنوية لا سابق لها في تاريخ البلاد.
الكثير من الرؤساء السابقين كانوا يأملون بتحقيق مثل هذه الحصيلة، ولكن هذه الأرقام تخبئ حقيقة محرجة استغلها ترامب خلال حملته الانتخابية مرارا وتكرارا. وقال خلال أحد النقاشات إن «بلدنا يتجه نحو الركود، خسرنا الكثير من الوظائف، خسرنا حيويتنا».
في الواقع، ازدادت الفروقات الاجتماعية في الولايات المتحدة ولا تزال الأجور متدنية، فيما لا يجد كثيرون أعمالا تلبي طموحاتهم أو يضطرون للعمل بدوام جزئي، وهناك مناطق بأكملها لا تزال تعاني من إزالة المصانع واضمحلال التصنيع.
ويشهد على ذلك ارتفاع الأصوات التي حصل عليها ترامب في منطقة «حزام الصدأ» (راست بلت) في شمال شرقي البلاد، التي كانت تنتشر فيها فيما مضى مصانع التعدين والفحم والسيارات. ومنذ عام 2000 خسرت الولايات المتحدة خمسة ملايين وظيفة في الصناعات التحويلية. وقال ترامب: «لم نعد نصنع شيئا. كل المنتجات تأتي بكميات كبيرة من الصين ومن فيتنام وسائر أنحاء العالم».
وخلال حملته، لم يكف قطب العقارات عن مهاجمة الأثر السيئ برأيه لاتفاقات التبادل الحر، مثل تلك الموقعة مع المكسيك وكندا في 1994، مبتعدا عن الموقف التقليدي للحزب الجمهوري.
لكنه ركز هجماته على الشراكة عبر المحيط الهادي التي وقعتها الولايات المتحدة في 2015 مع 11 بلدا في منطقة آسيا والمحيط الهادي، ولا تزال تنتظر التصديق عليها. هذه الاتفاقية، مثل تلك التي يجري التفاوض بشأنها مع الاتحاد الأوروبي، محكوم عليها بالموت الحتمي إذا وفى ترامب بوعوده الانتخابية.
هذه الهبة الحمائية جعلته يخسر كبرى جمعيات رجال الأعمال القوية، والتي تصوت عادة للمرشح الجمهوري، مثل غرفة التجارة الأميركية التي توقعت أن يصاب الاقتصاد بالضعف في حال فوز ترامب. ورفض ترامب هذه الاتهامات، ووعد باستحداث وظائف من خلال سلسلة من التدابير الحمائية، وتخفيف القيود التجارية والضرائب على الشركات.
يريد ترامب خفض الضرائب على الأرباح من 35 إلى 15 في المائة، آملا في تحفيز النمو واستحداث وظائف، مثيرا مع ذلك شكوك الخبراء. ورغم الأرباح الهائلة، لم ترفع الشركات الأميركية وتيرة استثماراتها، ومن «غير المؤكد» أن يدفعها خفض الضرائب إلى تغيير سياستها، وفق ما ذكرت وكالة «فيتش» المالية الأربعاء.
وقالت منظمة «مركز السياسة الضريبية» (تاكس بوليسي سنتر) غير الحزبية إن هذه الإجراءات من شأنها بالطبع تنشيط الاستثمارات على المدى المتوسط، لكنها ستضعف المالية العامة بشكل كبير عبر خفض مداخيل الدولة. وقدّرت المنظمة أن يرتفع الدين الأميركي بأكثر من 36 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. وذهب اقتصاديو «موديز أناليتيكس» أبعد من ذلك، إذ توقعوا في الآونة الأخيرة حدوث انكماش في الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب الانعزالية.
من جانبه، قال كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي سابقا سايمون جونسون، إن الانغلاق الذي يدعو إليه ترامب سيكون له وقع مدمر. وأضاف أن «التهديد بتوتير العلاقات التجارية مع شركائنا (...) سينتهي إلى أضعافنا».
ولا تزال أسئلة كثيرة بلا إجابات تنؤ بثقلها على مستقبل الاقتصاد، في ظل رئاسة ترامب ولا سيما السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. فالأسواق التي لم يعترها الخوف بعد صدمة نتيجة الانتخابات الأميركية يمكن أن تتأثر سلبا في حال نشؤ نزاع مفتوح بين البنك المركزي وترامب.
فترامب تهجم مرارا على رئيسة البنك المركزي الديمقراطية جانيت يلن، واتهمها بتغذية «فقاعة مالية هائلة ومرعبة» عبر الإبقاء على أسعار الفائدة قريبة من الصفر بصورة اصطناعية. رفع الاحتياطي الفيدرالي بصورة طفيفة الفائدة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2015 لأول مرة منذ عشر سنوات، لكنه أبقى الوضع على حاله منذ ذلك الحين. وتترقب الأسواق اجتماعه المقبل منتصف ديسمبر (كانون الأول) بقلق، في حين يتابعه ترامب عن كثب.
على صعيد متصل، سجل مؤشر «داو جونز» للأسهم الصناعية ارتفاعا قياسيا جديدا عند افتتاح سوق نيويورك المالية صباح أمس، في حين لا يزال فوز الجمهوري دونالد ترامب المفاجئ بالرئاسة الأميركية يزيد من عمليات شراء أسهم الشركات الممتازة في السوق.
وتواصل تدفق الأموال على القطاعات التي يرجح أن تستفيد من فوز الجمهوريين الثلاثاء، الذين يتوقع أن يوقفوا جهود الديمقراطيين في تشديد القوانين بشأن البنوك وتحديد أسعار الأدوية. وارتفع سعر سهم «جاي بي مورغان تشيس» بنسبة 4.7 في المائة، وسهم فايزر 3 في المائة، بينما ارتفع سعر شركة «كاتربلر» التي يتوقع أن تزدهر من الإنفاق على الأشغال العامة، بنسبة 2.7 في المائة.
وبعد نحو 25 دقيقة من بدء التعامل، وصل مؤشر «داو» إلى 18757.78 نقطة بارتفاع 0.9 في المائة و120 نقطة، متجاوزا أعلى سعر إغلاق. أما مؤشر «ستاندرد اند بورز» لأسهم 500 شركة، فقد ارتفع بنسبة0.7 في المائة ليصل إلى 2177.75 نقطة، فيما ارتفع مؤشر «ناسداك» لأسهم شركات التكنولوجيا بنسبة 0.7 في المائة ليصل إلى 5287.53 نقطة. وسجلت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية ارتفاعا لأربعة أيام على التوالي بعد انخفاض استمر تسعة أيام.
إرث أوباما الاقتصادي أمام عقبة ترامب
وعد بتخفيف القيود التجارية والضرائب على الشركات
إرث أوباما الاقتصادي أمام عقبة ترامب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة