كانت لكريستوفر بايلي مصمم دار «بيربري» نظرة عقلانية بعيدة المدى عندما قال إنه سيُقدم من الآن فصاعدا تصاميم مناسبة لكل المواسم، أي لا تعترف بتغير الفصول. تصريحه هذا جاء غداة قراره دمج عروض الأزياء النسائية والرجالية مع بعض، وبدئه ما أصبح يُعرف بـ«العرض اليوم في المحلات غدا»، أي شراء كل ما نراه على منصات العروض مباشرة بعد العرض عوض الانتظار أربعة أو ستة أشهر كما جرت العادة سابقًا.
ولا شك أن مصمم الدار، التي باعت لنا معطف كل المواسم، وهو المعطف الواقي من المطر أو ما يُعرف بـ«الترانش» ولا يزال، يعرف جيدا أهمية هذه النقطة في زمن تغير فيه المناخ بشكل كبير في كل أنحاء العالم.
فأحيانًا تشعر وأنت تنتقل من بلد إلى آخر وكأنك تنتقل من موسم إلى آخر. تركب طائرة وأنت تتصبب عرقًا مع أنك لا تلبس سوى «تي - شيرت» أو قميص، وبعد أربع ساعات من الطيران، أو أقل، تحط بك الطائرة في بلد تتساقط فيه الأمطار، وتنخفض فيه الحرارة بدرجة تشعر معها بقشعريرة تتطلب كنزة صوفية ومعطفًا ثقيلاً.
ناهيك بأنك في بعض البلدان الغربية، مثل بريطانيا، فإنك لا تحتاج إلى الانتقال جغرافيًا إلى أي مكان بعيد لتلمس هذه التغيرات. فطقسها معروف بتقلباته، بحيث يمكن أن يبدأ اليوم ربيعيًا مشمسًا وينتهي شتويًا ممطرًا.
وإذا كان التحكم في تغيرات المناخ وأحوال الطقس من المستحيلات، فمن السهل التحكم فيها بتوظيف الأزياء، ومعانقة ما يطلق عليه الخبراء أسلوب «الطبقات المتعددة». أي أن ترتدي عدة قطع، تتدرج من الخفيف إلى السميك، فوق بعضها البعض تقيك لسع البرد، ويمكنك أن تتخفف منها بسهولة ودون أن يتأثر مظهرك، كلما ارتفعت درجات الحرارة.
فأجمل ما تمخضت عنه استراتيجية «العرض اليوم والبيع غدا» التي تبناها كثير من المصممين مثل توم فورد وثاكون وبيوت الأزياء مثل «رالف لوران»، «تومي هيلفيغر» و«بيربري» طبعًا، حرصهم فيها على تحقيق هذه المعادلة بالتوجه إلى زبائن من كل أنحاء العالم، أو زبائن يسافرون كثيرا لدافع العمل أو الترفيه، ويحتاجون إلى أزياء تناسب كل البيئات.
من هذا المنطلق، جاءت كل قطعة قدموها في عروضهم الأخيرة تتحدى تغير الفصول.
كريستوفر بايلي، مثلا ترجم رؤيته في تشكيلة غنية موجهة لربيع وصيف 2017 لعب فيها على أسلوب الطبقات المتعددة، للجنسين، بحيث يمكن لصاحبها أن يرتدي أكثر من أربع قطع في الإطلالة الواحدة. مزج مثلا قطعة خفيفة من الموسلين مع أخرى من الصوف، مقترحًا تصاميم متنوعة من البنطلونات الضيقة نسقها مع جاكيتات بتصاميم متنوعة وخامات تباينت بين الصوف والجلد والبروكار. فالجاكيت أثبت أنه القطعة الأسهل تنسيقا وتناغما مع قطع منفصلة أخرى، الأمر الذي يفسر أنها أيضًا الأكثر مبيعًا بالنسبة للرجل، سواء كانت مفصلة من الصوف أو «سبور» من الجلد.
«شانيل» أيضًا أتقنت هذا الأسلوب إلى جانب ألبرتا فيريتي وغيرهما بالنسبة للمرأة، حيث امتزجت الأقمشة المتنوعة مع بعض في أطوال مختلفة وألوان متدرجة بين الفاتح والصارخ.
فالفكرة التقليدية بأن الموضة تعيش في بُرج عاجي لا يصل إليه إلا قلة من الناس، لم يعد جاريًا بها العمل، بعد دمقرطتها وعولمتها، الأمر الذي بات يُحتم استحداث لغة جديدة قادرة على الوصول إلى كل الأسواق وتحدي كل المواسم، وهو ما نجحوا فيه إلى حد كبير بفضل هذا الأسلوب.
ومع ذلك، قد يشعر البعض بالحيرة لأنه أسلوب يفتح المجال لتعدد الألوان والنقشات في الإطلالة الواحدة، وهو ما لم يتعود عليه الكل. دار «كوتشينيللي»، مثلاً اقترحت استعمال درجات من اللون نفسه للتغلب على هذه المخاوف، والتأكيد أن كل شيء جائز ومقبول في عالم الموضة. أما إذا كان لا بد من استعمال ألوان متعددة، فإن العملية ليست بالتعقيد الذي تتصوره، لأنها لا تتطلب سوى بعض الخطوات.
الأولى أن تُدرك بأنه المُفترض فيها أن تناسب الربيع والخريف على حد سواء بمزج قطع خفيفة مع أخرى من الصوف أو الكشمير، حتى تستطيع التحكم في نسبة الانتعاش والدفء فيها. والثانية أن لا تتنازل عن عنصر الأناقة.
صحيح أن خبراء الموضة يشجعون على التلاعب بالألوان المتناقضة ومزجها للتعبير عن أسلوبك الخاصة، لكن لا بد أيضًا من خلق نوع من التناغم بينها، وهنا تكمن الصعوبة بالنسبة للبعض، خصوصًا ممن تعودوا على البدلة والقميص وربطة العنق. فبعد أن كانوا يتعاملون مع لونين أو ثلاثة فقط، أصبح عليهم التعامل مع أربعة أو أكثر، وهو ما قد يكون سيفًا ذا حدين. فهو مثير ويفتح المجال للتعبير عن أسلوبك الخاص من جهة، ومحفوف بالمطبات في حال لم تتناغم التناقضات، من جهة ثانية. من بين القواعد الذهبية التي ينصح بها الخبراء التالي:
- أن تراعي أن تكون كل قطعة قوية وأنيقة وقائمة بذاتها، أي يمكنك ارتداؤها لوحدها وكقطعة أساسية إذا سمح الطقس والمناسبة.
- رغم أنه لا حدود للذوق الخاص واللعب بالألوان، إلا أنه يُفضِّل عدم المبالغة في استعمال الألوان الصارخة وضرورة اقتصارها على لونين على الأكثر، فيما تبقى الألوان الأخرى بدرجات خفيفة جدًا. مثلا، إذا اخترت كنزة بالأصفر الموزي، ووشاح بالأخضر، يجب أن تكون باقي القطع هادئة.
- مهم جدا أن تكون القطع الملامسة للجسم خفيفة، «تي - شيرت» من القطن مثلا، تتدرج إلى السميك حتى يسهل عليك التحكم فيها أكثر.
- رغم أن هذا الأسلوب يُمكنك من الحصول على إطلالة فريدة وأنيقة لكن لا تنسَ أن الفكرة الأساسية منه هي العملية، بمعنى مقاومة أحوال الطقس المتقلب. لهذا لا بد من أن تختار على الأقل قطعتين تتميزان بالعملية والراحة، تستعملهما كملابس داخلية، على أن تختار القطع الخارجية بعناية أكبر من ناحية الأناقة والمظهر الحسن.
- تبني هذا الأسلوب في المناسبات العادية لا يتطلب الكثير، لأنه شخصي وخاص، لكن الوضع مختلف تماما عندما تتبناه في مكان عمل ولإجراء لقاءات عمل، لأنه هنا يتطلب بعض الرسمية. في هذه الحالة، يمكن أن تُبقي على البدلة كأساس على أن تضيف إليها كنزة مفتوحة بأزرار، تلعب دور الصُديري، أو كنزة بياقة مستديرة يظهر منها فقط رأس ربطة العنق، على أن تلبس فوقها جاكيت مبطن من دون أكمام أو معطف طويل.
اعتماد «طبقات» متعددة وسيلتك لمقاومة تقلبات الطقس والأناقة
أسلوب يفرض نفسه على ساحة الموضة هذا الموسم
اعتماد «طبقات» متعددة وسيلتك لمقاومة تقلبات الطقس والأناقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة