«نيو تانجي» ومعناها «طنجة الجديدة» ماركة فتية، ولدت في عام 2014 لشابة تعشق الصناعة التقليدية أخذت على عاتقها أن تغوص في كنوز الماضي لتصوغه على شكل إكسسوارات عصرية. كنزة بناني، درست فن التصميم في مدريد، وبدأت مشوارها في عالم الموضة في قسم تصميم ملابس الأفلام والمسرح والتلفزيون بالمغرب من دون أن تقطع خيوط التواصل بينها وبين الغرب. في عام 2007، توجهت إلى لندن للعمل مع المصمم جيمي شو. ورغم أن أجواء العمل كانت مريحة فإنها كانت تشعر أن بداخلها طاقة تتوق لخوض تحديات أكبر. بعد أن أسرت بطموحاتها لمديرها، أرسلها في عام 2009 إلى فلورنسا لتتلقى دورة تدريبية في ورشات الشركة الخاصة. كانت نقلة على كل المستويات، ففي ورشات هذه المدينة العريقة، أصابتها عدوى الإيطاليين في عشق كل ما هو مصنوع باليد وله تاريخ وتقاليد. تقول كنزة: «لقد فتح الحرفيون في هذه الورشات الصغيرة عيوني على أهمية احترام التقنيات القديمة من دون تجاهل ضرورة تطويرها. هناك اكتشفت أن الترف الحقيقي يتعدى خطوط الموضة، وهو ما ذكرني بأن مسقط رأسي منبع لا ينضب من هذه التقاليد المهمشة للأسف». وتتابع: «الحرفي عندنا لا يقل خبرة ولا قدرة على العطاء لكنه لا يحصل على ربع ما يحصل عليه حرفيو إيطاليا مثلا بسبب الثقافة العامة».
تربت كنزة بناني في مدينة طنجة، وتعيش حاليا في مدينة الدار البيضاء، وإن كانت أصولها تعود إلى مدينة فاس. تشرح الأمر بأن جدها الكبير، الذي كان من أكبر تجار الصناعة التقليدية في فاس شد الرحال إلى الحج في عام 1914، لكن الحرب العالمية الأولى اندلعت لدى وصوله إلى طنجة، فبقي فيها. بحسه التجاري، اكتشف أن هذه المدينة الشمالية تتمتع بإمكانيات هائلة، نظرا لانفتاحها على العالم. وهكذا قرر الاستقرار فيها. توالت الأجيال وتفرعت إلى عائلات انتقل بعضها إلى مدن أخرى، وكان مصير عائلة كنزة مدينة الدار البيضاء. بيد أنها لم تنس طنجة، بدليل أنها عندما قررت تسمية ماركتها اختارتها عنوانا لها.
عندما بدأت تفكر في الموضوع بجدية، فهمت معنى مقولة «العين بصيرة واليد قصيرة»، لأنها من الناحية المادية لم تكن جاهزة لأخذ المبادرة بنفسها. عادت إلى لندن في عام 2010 للعمل في دار «لويس فويتون»، وكلما تسنت لها فرصة السفر إلى المغرب، كانت تحرص على أن تخصص بعض الوقت للبحث عن إمكانيات تحقيق حلمها، تارة بزيارة ورشات ومعامل «المعلمين»، وهو اللقب الذي يُطلق على الخبراء في الصناعة اليدوية، سواءً تعلق الأمر بصناع القفاطين أو الخيوط التي تُحاك وتُزين بها، وتارة بمقابلة سيدات يعملن في هذا المجال من بيوتهن. وسرعان ما أصبحت تعرف مقر كبار الحرفيين وورشاتهم، بما فيها تلك التي توجد في قرى بعيدة تعمل فيها نساء مهمشات يعملن لساعات طويلة لقاء مبلغ زهيد لا يكاد يسد جوعهن. وتُرجع كنزة السبب إلى أن أغلبية المنتجات التي كن يعملن عليها، كانت للاستهلاك السياحي «فهي تُباع كتذكارات بأثمان زهيدة. جندتهن للعمل معها، وهدفها ليس تصحيح وضعهن فحسب، بل أيضًا تصحيح مفهوم الصناعة الحرفية في المغرب، انطلاقا من قناعتها بأنها تتوفر على كل المقومات التي تجعلها عالمية في حال تم التعامل معها باحترام ومهنية. وهكذا ولدت ماركة «نيو تانجي» من خلال أوشحة يمكن أن يستغرق نسج واحد منها عشرات الساعات، لتتدرج إلى حقائب اليد، وظفت كل ما تعلمته في «جيمي شو» و«لويس فويتون» في تصميمها. كان أهم عنصر فيها أن تحمل بصمات تقليدية بأسلوب عصري يخاطب المرأة أيا كانت جنسيتها وأسلوبها، حتى تبقى وفية لاسمها. فمدينة طنجة كانت ولا تزال منفتحة على كل الثقافات، وتنبض بالحيوية وعبق التاريخ، مما يجعلها جسرا رائعا بين الغرب والشرق، وهذا ما تُجسده تصاميمها. فقد لمست هوى في نفس المرأة المغربية، من الطبقة المخملية والعارفة تحديدا، كونها لا تضج بالفخامة فحسب، بل لأنها جزء من تاريخها وهويتها كما تتماشى مع كل ما تلبسه، سواء كان بنطلون جينز وقميص أبيض لمناسبة عادية، أو قفطان فخم لحفل كبير. وهذا ما جعل كنزة تُغير استراتيجيتها وتُركز على السوق المغربية أولا. تُعلق كنزة: «لم أكن أتوقع حجم الإقبال على هذه الحقائب، فقد كانت تباع المجموعة مباشرة بعد طرحها». وتضيف: «لم يكن هذا الإقبال هو المفاجأة الوحيدة، فكلما توغلت في هذه الصناعة، زاد استغرابي كيف لم يتم استغلال الإمكانيات الهائلة التي نتوفر عليها، من جلود طبيعية ومدابغ إلى حرفيين وتراث غني؟».
كل حقيبة تطرحها تحمل اسم امرأة تعرفها أو قرأت عنها، وآخر إبداعاتها هي حقيبة «إيمان» لكنها الاستثناء، لأن المقصود بإيمان ليس اسم امرأة بل حقيبة تتجذر في تاريخ فن الفروسية بالمغرب، وتأخذ شكلا مربعا. تصميم ولد عندما شاهدت صورة لفارس في كامل زيه وإكسسواراته. شد انتباهها حقيبته المصنوعة من الجلد والمزينة بمنمنمات صغيرة ومعقدة كان يعلقها حول عنقه لتتدلى منه وتجلس على جانب الخصر. عندما سألت عنها قيل لها إنها معروفة باسم «دليل الخيرات» وتُعتبر من الإكسسوارات المهمة التي لا يستغني عنها الفرسان، لأنهم يحملون بداخلها المصحف الكريم تفاؤلا به. أثارت فكرته المصممة، ولم تتردد في البحث عن أجود أنواع الجلود لترجمتها بطريقة عصرية، تحترم تاريخها وفي الوقت ذاته حاجتها إلى الألوان لكي تناسب امرأة أنيقة. بعد عام تقريبا من البحث والتجارب ولدت حقيبة «إيمان» بخمسة ألوان.
كنزة بناني.. إكسسوارات عصرية من رحم الفولكلور
اعتمدت التقنيات القديمة من دون تجاهل ضرورة تطويرها
كنزة بناني.. إكسسوارات عصرية من رحم الفولكلور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة