هل نتحدث عن الشخصية نفسها؟ أجل، من دون شك. والرجل هو الجنرال المتقاعد ميشال عون، الذي أقسم لتوه اليمين الدستورية لتولي رئاسة لبنان. وكانت التعليقات المشار إليها بشأنه صادرة عن وسائل الإعلام الرسمية في جمهورية إيران، وهي تسلط الضوء على الفارق الذي يمكن أن يُحدثه مرور العقود والسنوات في تقييم العدو والصديق من جانب القوة الإقليمية.
ولقد ظهر التعليق الأول في صحيفة «رسالات» الإيرانية اليومية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1983، بعد وقت قصير من تحرك الكتيبة الثامنة الميكانيكية، وهي من الوحدات اللبنانية المسيحية المسلحة تحت قيادة عون، التي اشتبكت في قتال مفتوح ضد الشيعة الفلسطينيين والميليشيات الدرزية المتحالفة مع سوريا وإيران في مدينة سوق الغرب اللبنانية، وتسببت في سقوط القتلى بأعداد كبيرة آنذاك.
وزعمت الصحيفة تقول في تغطيتها للحادثة «إن القوات المارونية تحت قيادة عون قد باعت لبنان للأعداء».
وظهر التعليق الثاني المشار إليه في صحيفة «اعتماد» الإيرانية اليومية بتاريخ الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في جزء من تحليل أجرته الصحيفة خلص إلى أن رئاسة عون تعتبر بمثابة «انتكاسة كبرى للعدو الصهيوني».
مع ذلك، فلقد جذب عون، أو الجنرال كما يفضل أنصاره أن يلقبوه، اهتمام الملالي في إيران في عام 1988 حينما نصب نفسه رئيسا للوزراء في بيروت الشرقية، مدعيا السلطة العليا في لبنان لذاته.
وارتأت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية وقتذاك أن محاولة عون للاستيلاء على السلطة كمؤامرة حاكها الديكتاتور العراقي الأسبق صدام حسين لاكتساب نقطة سياسية في المنطقة بغية التغطية، بشكل جزئي، على النهائية المخزية لحرب الأعوام الثمانية ضد إيران في أغسطس (آب) من عام 1988.
وبعد إيجاد فرع لتنظيم ما يسمى «حزب الله» الشيعي في لبنان في عام 1982 - 1983، كانت إيران في حاجة إلى بعض الوقت لتدريب تلك الميليشيات من أجل استخدامها وسيلة لممارسة الضغوط على المجتمعات المناهضة للجمهورية الإسلامية داخل لبنان. ولقد اعتبرت إيران من عون بمثابة رهان مشترك من قبل إسرائيل وصدام حسين لمواجهة الخطط الإيرانية الرامية للسيطرة على لبنان بمساعدة من الحلفاء في سوريا.
ولقد علقت صحيفة «الجمهورية الإسلامية» الإيرانية اليومية في يوليو (تموز) من عام 1989 تقول «من الضروري للغاية أن تحول إيران دون قيام قاعدة مضادة للثورة الإسلامية داخل لبنان»؛ وذلك في أعقاب وفاة آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران.
واعتقادا منها أن سوريا بمفردها لن تكون قادرة على الحفاظ على ولاء لبنان لإيران، تقدمت طهران وخلقت كتلة من حلفائها الأمناء عبر دعوتها لزعيم ما يسمى «حزب الله» الشيعي الشيخ صبحي الطفيلي، وزعيم حركة أمل المنافسة نبيه بري إلى طهران للتفاوض بشأن توحيد الصفوف. ولكي تكون سوريا على اطلاع بالأمر، وجهت طهران الدعوة أيضا إلى فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري آنذاك، لزيارة رسمية استغرقت يومين بشأن المفاوضات التي أشرف عليها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولاياتي.
ولقد أعرب علي خامنئي وبشكل واضح عن معالم الأجندة الإيرانية في لبنان في أعقاب توليه منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، حيث قال حال استقباله القادة اللبنانيين الشيعة «إن قتال المارون في لبنان لا يختلف أبدا عن قتال إسرائيل».
ووصف خامنئي النظام السياسي اللبناني بقوله «أحد أكثر النظم السياسية رجعية في العالم»، وقارن بينه وبين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وقال خامنئي أيضا للحاضرين في الاجتماع «في لبنان، تفرض الأقلية المارونية سلطانها الجائر على الأغلبية من سكان البلاد، ويستند حكمهم على خيانة سلامة الأراضي اللبنانية ووحدتها والاستقلال في خدمة العدو الصهيوني وتحقيق غايات الكيان الصهيوني في إسرائيل».
وتجسيدا لتعليمات خامنئي، أصدر تنظيم ما يسمى «حزب الله» وحركة أمل الشيعية، بدعم مباشر من النظام السوري، بيانا مشتركا تعهدوا فيه بالقتال حتى النهاية ضد ما وصفوه بالاحتلال الصهيوني. ووعدوا بشكل خاص بقتال «عشيرة ميشال عون المدعومة من العدو الصهيوني والنظام العراقي المجرم».
ثم علقت صحيفة «الجمهورية الإسلامية» الإيرانية اليومية في ذلك الوقت على نتائج الاجتماع قائلة «ميلاد رؤية جديدة من المستقبل اللبناني في طهران. ومن خلال تلك الرؤية، سيحظى لبنان بنظام سياسي جديد يستند إلى العدالة والكرامة والتعايش السلمي بين الطوائف كافة؛ مما يمكن لبنان من الاضطلاع بدوره الكامل في النضال ضد العدو الإسرائيلي الغاصب».
ولكن عون، برغم ذلك، واصل مقاومته للاحتلال السوري في لبنان ومحاولات إيران لتوسيع نفوذها داخل بلاده. ولقد اقتربت نهايته عندما غزا صدام حسين الكويت؛ مما حول القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ضده. وكان التحالف الذي يضم الولايات المتحدة وسوريا وإيران عصيا على المقاومة بالنسبة لعون وأنصاره المنعزلين في مخابئهم بشرقي بيروت.
حتى أن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أشارت على مضض إلى «الجنرال الصغير» ورجاله الذين أظهروا بسالة يائسة في المعركة ضد القوات التي تفوقهم عددا وعدة.
ثم منح الرئيس الأميركي الأسبق جورج اتش دبليو بوش (الأب) الضوء الأخضر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للقضاء على عون ورجاله. وبفضل تدخل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، صديق صدام حسين، تمكن عون من الانتقال بأمان إلى خارج بيروت صوب منفاه الاختياري في فرنسا، وهو المنفى الذي بقي فيه لمدة 15 عاما.
خلال تلك السنوات، عطفت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية على ذكر عون في مناسبات قليلة، ثم عمدت إلى التلطيف من لهجتها حيال الرجل بعدما أشار إلى أن نضاله كان ضد الاحتلال السوري للبنان وليس ضد النفوذ الإيراني هناك. وفي منتصف عقد التسعينات، أقام عون روابط وثيقة مع كل من تنظيم ما يسمى «حزب الله» وحركة أمل الشيعية، وعقد الاجتماعات المتعددة مع السفير الإيراني في باريس علي آهني. ولقد تحركت إيران، إثر ذلك، لتنقيح تقديرها حيال عون.
وبعض المعلقين يصفونه الآن بأنه «رجلنا في بيروت». وعلقت صحيفة «كيهان»، المخلصة بوجهات نظر المرشد الإيراني الأعلى، على فوز الجنرال عون بالانتخابات بقولها: «النصر التاريخي لـ(حزب الله) في لبنان»، ونشرت صورة تُظهر لقاء جمع حسن نصر الله زعيم ما يسمى «حزب الله» اللبناني بالعماد ميشال عون في مكتبه. وذكرت الصحيفة الإيرانية في مقالتها الافتتاحية «يؤكد انتخاب العماد عون على حقيقة أن حركة المقاومة التي يقودها السيد حسن نصر الله هي القوة الرئيسية العاملة على إنهاء المأزق السياسي في لبنان على الرغم من أن الحركة قد امتنعت عن التدخل في الخلافات السياسية اللبنانية».
ميشال عون في الإعلام الإيراني.. من زعيم حرب إلى داعية سلام
يمكنه إنقاذ لبنان من مخاطر كبيرة في المستقبل
ميشال عون في الإعلام الإيراني.. من زعيم حرب إلى داعية سلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة