شاشة الناقد: جاك بحاجة إلى امرأة

«المحاسب» مع بن أفلك وآنا كندريك
«المحاسب» مع بن أفلك وآنا كندريك
TT

شاشة الناقد: جاك بحاجة إلى امرأة

«المحاسب» مع بن أفلك وآنا كندريك
«المحاسب» مع بن أفلك وآنا كندريك

* The Accountant
* إخراج: غافين أو كونور
* تشويق | الولايات المتحدة - 2016
* تقييم الناقد: (3*)(من خمسة)

سيناريو بل دوبوكيو لهذا الفيلم قد يرشحه للأوسكار في العام المقبل. هذا الكاتب سبق وأن وضع سيناريو «القاضي» الذي كاد يكون الشيء الوحيد الصالح في تلك الدراما حول المحامي الذي لا وقت لديه كي يضيعه (روبرت داوني جونيور) وأبيه القاضي (روبرت دوفال) الذي ارتكب جرمًا ويحتاج إلى ابنه للدفاع عنه.
هذه المرة، وفي فيلم «المحاسب» يرفع من درجة إتقانه تنظيم الخطوط التي تعصف، كما تربط، بين شخصيات الفيلم. بن أفلك هو كريستيان وولف الذي يتمتع بموهبة ذهنية فريدة عندما يتعلق الأمر بالأرقام. لا عجب إذن أنه يعمل محاسبًا، لكن ليس كأي محاسب نعرفه، بل باعتباره واحدا يتعامل مع مؤسسات مشبوهة تتاجر بالسلاح هنا وتغسل الأموال هناك. في الفيلم نسمع أسماء دول كثيرة وشركات من الشرق والغرب وبلاد العرب. إنه شخصية مهمّة وخطيرة، لكنه لا يتصرّف أمام الناس على هذا النحو، بل يؤم مكتبًا صغيرًا للحسابات ويعالج شؤون الناس البسيطة أيضًا.
لكن وزارة الخزينة تعلم أنه مثل كتاب معلومات مشفّر إذا ما تم توريطه والقبض عليه واستجوابه. كريستيان لا يترك مجالاً لأحد لكي يوقع به والمسؤول في تلك الوزارة (ج ك سيمونز) يلجأ إلى موظفة ذكية (سينثيا أداي روبنسون) لكي تساعده في الوصول إلى غريمه. لكن ما ينتظر الاثنين هو أكثر مما كانا يتوقعانه. كريستيان ليس مجرد ذهن وقّاد ونابغة حسابات لا مثيل له، بل قاتل محترف أيضًا. لديه سوابق وهو في سبيل إضافة عمليات أخرى فوقها.
نراه يقبل عرضًا للعمل في مؤسسة ضخمة اكتشفت اختفاء 70 مليون دولار من حساباتها تساعده في ذلك امرأة شابة (آنا كندريك) التي سرعان ما تجد نفسها مهددة بالقتل. كريستيان نفسه سيصبح مهددًا، لكن لا خوف عليه فهو يجيد الدفاع عن نفسه.
الفيلم يسير صعدًا بشبكته من الأسئلة اللغزية ثم يزيد الوضع صعوبة وتعقيدًا عندما يلج إلى كنه علاقة كريستيان بماضيه، فهو وُلد بعضال عصبي يؤثر على سلوكه في الوقت الذي يمنحه طاقة كبيرة من التفكير. لجانبه شقيق من عمره اختار النأي بنفسه ما أثر على وضعه أيضًا. الأب المنتمي إلى تربية عسكرية قرر أن الطريقة الوحيدة لمعالجتهما معًا إرسالهما لتعلم فنون القتال الشرقية وهما ما زالا صغيرين. حين كبرا تفرقا، لكن النهاية تحمل مفاجأة لا يصح الإفصاح عنها هنا.
بينما يرتفع الفيلم ويختلف عن مستوى أفلام تشويق أخرى كثيرة، يخفق المخرج غافين أو كونور في الحفاظ على هذا الاختلاف حتى النهاية. كان يستطيع الحفاظ على بعض الحسنات في مشاهد النهاية لو أنه صاغ المواقف الأخيرة ببعض الحلول الفنية وعوض الهرولة إلى مشاهد قتل من تلك التي تعلم نهاياتها. على ذلك، ينقذ بن أفلك الفيلم بأسره من خطر هزال إضافي بتمثيل جيد يكبت فيه عواطفه ويعكس حالته بأقل قدر من الكلمات.

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.