قبل ساعات من بدء مباراة المنتخب السعودي ونظيره الإماراتي في الحادي عشر من الشهر الجاري، على ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية بجدة، كان الملعب على موعد مع تسجيل رقم جماهيري هو الأكبر في حضور مباراة للمنتخب السعودي منذ افتتاح الملعب قبل أكثر من عامين ونصف.
أكثر من 62 ألف مشجع حضروا اللقاء الكروي، وهي السعة المقعدية القصوى للملعب، كانوا جميعهم على طوابير الانتظار قبل بدء اللقاء بثلاث ساعات، لإجراءات أمنية مشددة، حيث وافق ذلك التاريخ يوم عاشوراء من شهر محرم، وهو يوم لا يمضي دون أن يحاول معه تنظيم داعش وغيره أن يجعل منه يوما دمويا في عموم الخليج، في ظل محاولة التنظيم إشعال نار طائفية شاملة يسعون إلى تحقيقها وظلت عصية، وأخرى سياسية تستقطب أزمات الدول المضطربة، في ضوء إجراءات أمنية وقائية دائمة، تكسر كافة المخططات.
انتظم حشد الجماهير، وسارت المناسبة بهدوء، وانتصر المنتخب السعودي، وانتهى المساء، دون أن يستشعر من حضر أن خلية «داعشية» كانت تخطط لاستهداف الحضور والملعب، فداعش وفق منهجه المكشوف دوما يريد أن يجعل من التجمعات نقطة ربح له بإيقاع أكبر عدد من الضحايا، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وكلاهما في ذات المرمى بالنسبة للتنظيم.
التهديد الإرهابي، تم إحباطه قبل ثلاثة أيام من موعد إقامة المباراة الدولية بين المنتخبين، وقالت الداخلية السعودية في بيان لها أمس، إن خطة الإرهابيين الأربعة المشتبه بهم (باكستانيين، وسوري، وسوداني) كانوا يخططون لوضع سيارة مفخخة في مواقف الملعب قبل موعد المباراة، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية تتعامل مع التهديد على أقصى درجات الجدية، وفرضت على الفور تعزيزات على الموقع بكامل محيطه للتعامل الحاسم مع أي حالة اشتباه يتم رصدها، وضاعفت في الوقت ذاته من جهودها الميدانية بحثًا وتقصيًا عن الأطراف المشتبه بعلاقتهم بالتهديد.
الخلية تم الإيعاز لها من قبل الوسيط العملياتي في سوريا، وكان معنيا بتوزيع الأدوار على الأربعة المشتبه بهم، بتفجير السيارة المفخخة التي يتضح أن ضررها سيكون على نطاق 1100 متر، وقال اللواء بسام عطية، خلال المؤتمر الصحافي للكشف عن الخليتين الإرهابيتين، إن ساعة الصفر كان مخططا لها أن تكون بين وقتين إما خروج الجماهير من الملعب، أو أثناء المباراة، وكلاهما له من التداعيات الكثير من الخسائر سواء على الحضور وأجزاء من مبنى الملعب وغيرها من المرافق المتصلة، علاوة على تأثير في سمعة الرياضة السعودية دوليا.
حدثٌ تم إحباطه، أعاد للأذهان سيناريو خطة «داعش»، في استهداف التجمعات، محليا حين حاول التنظيم انتهاج منهج آخر في محاولة هي الأولى داخل السعودية لاستهداف أماكن التجمعات والارتياد البشرية، بعد أن نجحت تلك العمليات في أماكن أخرى من أوروبا، فجاء إعلان الداخلية في أواخر شهر أغسطس (آب) الماضي كاشفا عن إحباط عمل نوعي خطط له التنظيم عبر اثنين من أفراده، أحدهما سعودي والآخر سوري الجنسية، لاستهداف مقهى ومطعم شهير في جزيرة تاروت، بمحافظة القطيف، حين تمكن رجال الأمن من إحباط العمل قبل أن تصل السيارة التي يستقلانها إلى حدود الجزيرة، وعثر بحوزتهما على سلاح ناري وحزام ناسف مكون من سبعة قوالب محشوة بمادة شديدة الانفجار بلغ وزنها أكثر من سبعة كيلوغرامات وكانت في حالة تشريك كاملة.
وتتشابه خطوات الإجرام الداعشية، ومنها التي وقعت في اعتداءات باريس قبل عام في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث هاجم أفراد من التنظيم الإرهابي، خمسة مواقع في العاصمة الفرنسية أحدها كان هجومين انتحاريين في محيط استاد فرنسا الدولي، في هجمات عنيفة راح ضحيتها 130 قتيلا، وأكثر من 350 جريحا، لكن النتيجة بين الحالتين تختلف، فالأمن السعودي حقق نجاحه، بينما كانت الأخرى في باريس علامة حزن كبرى في تاريخ فرنسا.
إضافة إلى ذلك ما شهدته مدينة نيس الفرنسية، في منتصف يوليو (تموز) الماضي، الذي عكس التخطيط لإيقاع أكبر عدد من القتلى بمنهجية تشابه أساليب حروب الشوارع باستخدام شاحنة دهست مئات الأشخاص، ذهب ضحيتها أكثر من 80 شخصا وما يزيد على 120 مصابا.
وأشارت الكاتبة السعودية، بينة الملحم، أن «داعش» يعمد على تجزئة الاستهداف، بحيث أن يكون لهم في كل جزء في المنطقة المخطط لتواصل عملياتهم بها ما يشبه الـ«كتيبة»، واعتبرت أن إحباط العملية الإرهابية المخطط لها في ملعب «الجوهرة» يمثل نجاحا أمنيا في إحباط عمل نوعي كان سيحقق لـ«داعش» الكثير من المكاسب الاستراتيجية بحكم آثاره.
وقالت الملحم، المستشارة في دراسات الأمن الفكري، خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن استهداف ملعب الجوهرة نوعي في جوانب عدة، منها على الجانب التنموي التي كانت ستلحق أضرارا بالمرفق الرياضي، وعلى جانب آخر سيعطي إشارات للشباب أن أحد محافلهم ومجالات اهتمامهم تم استهدافه وهو ما يعطي إشارة لهم بحالة عجز، ولم تستبعد بينة الملحم، أن يكون للتهديد بعد سياسي حول وجود منتخبي السعودية والإمارات، وفقا لتقاطع المصالح مع تنظيمات إرهابية أخرى.
ضربات الأمن السعودي المتوالية المدعومة بإحكام ويقظة دائمتين على المستوى المعلوماتي والأدائي، الذي تنتهجه أجهزة الأمن السعودية، يكوّن حلقة واسعة للتضييق على عناصر أو مندسين يميلون نحو التعاطف مع التنظيمات الإرهابية، وتوجيهات أمنية وإدارية لأئمة المساجد بالإبلاغ عن المشتبه بهم فكريا أو أمنيا لتحقيق الأمن الوقائي الوطني.
المكافحة الأمنية أثبتت قوتها وأن مسار الأحداث السياسية يحاول معه «داعش» تحقيق استثمارات بعد ثبوت التراجع الميداني في دول مجاورة، بتساقط عدد كبير من المنتمين عاطفيا للتنظيمات الإرهابية، وتعكس إنجازات الأمن السعودي العدد الكبير من صغار السن الذين يتم توظيفهم للقيام بأدوار لوجستية أو أخرى قتالية.
وفشل التنظيم الإرهابي، في استهداف السعودية العام الجاري، وحقق الأمن السعودي النجاحات المتنوعة و«داعش» أصبح يسير في طريق نهايته كما في سلفه تنظيم القاعدة الذي انتهى داخليا بفعل القوة الأمنية، وتكشفت أساليب عمل «داعش» في شكل استراتيجي أشبه ما يكون إلى أعمال الميليشيات، وحروب الوكالة التي هي الواجهة لدول خارجية تستهدف المملكة وأمنها واستقرارها.
تجابه الدولة السعودية العائدين من مناطق الصراع بإجراءات صارمة وعقوبات قوية، مستفيدة من التراكم الأمني والوقائي الذي تنتهجه أمنيا، يضاف إلى ذلك مشاركة قواتها الجوية ضمن قوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش.
«الشرق الأوسط» ترصد ساعات ما قبل المباراة التي حاول «داعش» استهدافها
حين أضاء شعاع الأمن السعودي لـ«جوهرة» جدة.. تحطم التنظيم الإرهابي مجددا
«الشرق الأوسط» ترصد ساعات ما قبل المباراة التي حاول «داعش» استهدافها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة