الموسيقار ملحم بركات «مشى بطريقه» بعد نصف قرن من الألحان

صنع مجدًا فنيًا لكثيرين ومات غاضبًا كما عاش متوقدًا

مع رحيل الفنان اللبناني الكبير ملحم بركات طويت صفحة متألقة من العصر الذهبي الفني اللبناني (غيتي)
مع رحيل الفنان اللبناني الكبير ملحم بركات طويت صفحة متألقة من العصر الذهبي الفني اللبناني (غيتي)
TT

الموسيقار ملحم بركات «مشى بطريقه» بعد نصف قرن من الألحان

مع رحيل الفنان اللبناني الكبير ملحم بركات طويت صفحة متألقة من العصر الذهبي الفني اللبناني (غيتي)
مع رحيل الفنان اللبناني الكبير ملحم بركات طويت صفحة متألقة من العصر الذهبي الفني اللبناني (غيتي)

وقع الخبر ثقيلاً على اللبنانيين بعد ظهر أمس. وفاة ملحم بركات هي أكثر من توقف نبض فنان موهوب وملحن فذّ. بفقدان أبو مجد، بعد رحيل صباح ووديع الصافي وسمير يزبك، والأخوين رحباني، وغيرهم من كبار تلك المرحلة، تبدو صفحة العصر الذهبي الفني اللبناني التي اخترقت المنطقة العربية، كسهم ناري منذ ستينات القرن الماضي، وكأنها تطوى، وتقفر الساحة من كبار يحملون إرث تلك المهابة وذاك الكبر في العطاء.
بعد شائعات كثيرة، حول مدى خطورة الوضع الصحي لملحم بركات الذي رقد في المستشفى، لأسابيع خلت، ومحاولة عائلته طمأنة الجميع عن صحته، توفي الموسيقار الكبير. وجاءت تغريدة صديقه الحميم الشاعر نزار فرنسيس، على «تويتر»: «رفيق عمري راح، ونفسي حزينة حتى الموت» بمثابة الكلمة الفصل التي لا مجال للشك بعدها.
نعم توفي ملحم بركات على سريره في مستشفى «أوتيل ديو» في بيروت، عن عمر 71 عامًا، قضى أكثر من خمسين سنة منها مشغولاً بالتلحين والغناء، ومطاردة النغم والإمساك بالجملة الموسيقية الجديدة. عشقه لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، لم يمنعه من أن يشق طريقه الذي لا يشبه سواه. عصامي كما غالبية فناني تلك الفترة، عاشق لما يسمو إليه حتى ولو أغضب العائلة. ترك ابن كفرشيما (قضاء بعبدا) مدرسته باكرًا، وهو عارف تمامًا لما يريد، التحق بالمعهد الوطني الموسيقي اللبناني «الكونسرفتوار»، دون إعلام والده، خبأ عدته وعزف على عوده في السر، إلى أن انكشف أمره وكان له ما أراد. عمل مع عباقرة ذاك الزمن الجميل، بقي مع الأخوين رحباني لمدة أربع سنوات، يشاركهم مسرحياتهم مثل «يعيش يعيش» (1970) و«هالة والملك» (1967) إلى جانب فيروز. وكان نجم المسرحيات الرحبانية يومها نصري شمس الدين، فنصحه فيلمون وهبي الذي أدرك عمق موهبته وجمال خامته الصوتية، وهو ابن قريته وجاره، وأحد أقرب الفنانين إليه يومها، أن يتركهم، لأن غاية ما سيصل إليه معهم، هو أن يكون في مكان نصري شمس الدين. باحثًا عن دربه الخاص، عمل مع روميو لحود في مسرحياته وشارك في مسرحية «الأميرة زمرد» مع سلوى القطريب، ومع صباح في مسرحية «حلوة كثير» وكذلك «ست الكل». كانت أولى أغنياته التي قدمها «الله كريم» لكن بقيت من تلك الفترة القديمة أغنيات كثيرة شهيرة لعل أكثرها رواجًا تلك التي جمعته مع جورجيت صايغ «بلغي كل مواعيدي» لما لها من حيوية اللحن وعصرية النغم.
عبقرية ملحم بركات تكمن بشكل خاص في حيوية ألحانه التي تشبه شخصيته المتوقدة المتحفزة، ومنذ البدايات، شكلت الكثير من الألحان التي كان يعطيها للفنانين، محطات هامة ولا تنسى في مشوارهم الفني. هكذا كان الحال مع «يا حلوة شعرك داريه» التي غناها غسان صليبا، و«اعتزلت الغرام» بصوت ماجدة الرومي و«أبوكي مين يا صبية» التي لحنها لوليد توفيق.
ومع انتشار خبر وفاة أبو مجد، لم يجد محبوه أجمل من كلمات أعماله ليرثوه بها، ويتوجهوا إليه بكلماتهم الأخيرة، فكتبوا: «من بعدك لمين؟» و«تعا ننسى»، و«يا حبي اللي غاب»، ولعل أكثر عبارة ترددت على حسابات وسائل التواصل كانت و«مشيت بطريقي» التي عبرت عن إحساس جمهوره بأنه يذهب للسير في طريق جديد، وأنه لن يغيب أبدًا.
ملحم بركات فنان لبناني، لم يغنِ بأي لهجة أخرى، وشن تكرارًا حملات على الفنانين اللبنانيين الذين كانت تغريهم اللهجات العربية، ويجدون في مصر ضالتهم. اعتبر ذلك إجحافا بمن عملوا واجتهدوا من أجل أغنية لبنانية لها مكانتها وخصوصيتها. هكذا كان أبو مجد غاضبًا أبدًا، وفي أيامه الأخيرة يقال بأنه كان حانقًا على الصحافة التي كانت تتناقل خبر موته وهو لا يزال حيًا يرزق.
شاءت الأقدار أن يرحل ملحم بركات قبل أن يرى ميشال عون الذي أيده بشدة، ودافع عنه بقوة، وشتم علنًا كل من لا يريد أن يراه رئيسًا للجمهورية، معتبرًا أنهم «جميعهم لا يريدونه ويكذبون علينا». ثلاثة أيام فقط كان يحتاجها ملحم بركات ليرى حلمه الرئاسي يتحقق لكن القدر لم يمهله.
نعى وزير الثقافة اللبناني ريمون عريجي «الموسيقار والقامة الفنية المشرقة في عالم الغناء والموسيقى والتمثيل. والأداء الطربي المتميز الذي أثرى حفلات لبنان وبرامج التلفزيون، وأعطى أصوات المطربات والمطربين في لبنان موسيقى متجددة وألقًا طربيا ساحرا». ونعاه أهل السياسة كل على طريقته فغرد سمير جعجع على «تويتر» «وداعا موسيقار لبنان ملحم بركات».
أمّا النائب سيمون أبي رميا فقال: «يا صمتي يا معذّبني... كانت أغنية الأحرار.. وداعًا بركات لبنان».
عاش ملحم بركات حياة صاخبة، لكنه كان بسيطًا شعبيًا، يبدو صعب المراس لسرعة غضبه، لكنه في الوقت نفسه كان مخلصًا لأصدقائه ولعاداته. مدمن على الصيد البري الذي لم يتوقف عن ممارسته أبدا إذ يقول: إن بعض أغنياته لحنها وهو في تلك الرحلات أو وراء مقود السيارة، وكثيرًا ما كان يعرج بعد انتهائه من مغامرته هذه على «مطعم الدنون» المفضل لديه في طرابلس والمتخصص في الحمص والفول، وهناك كان يأتي مع صديقه الشاعر نزار فرنسيس أحيانًا، يأكل صحن الفول بحامض وأحيانًا صحن الفتة مع الحمص واللبن. في الصباح الباكر قبل الضوء كان يصل أو بعد الظهر، يجلس ويلتقط الصور بمحبة مع رواد المطعم. وقد نعاه مطعمه المفضل على صفحة أحد أصحابه بلال عبد الهادي بالقول: «كان متواضعًا، بسيطًا، بشوشًا، مزوحا. الطرفة تنبت بعفوية من بين شفتيه. يخسرك لبنان كما تخسرك الألحان، ولكنك باقٍ ما بقيت ألحانك وأغانيك تنتقل من فم إلى أذن، ومن وتر إلى وتر، رحمك الله».
وتسابق الفنانون على وداع ملحم بركات فقالت كارول صقر: «خسرنا قطعة من علم لبنان. كان يدافع عن شرفنا الذي بقي منه القليل». أما هبة طوجي فكتبت «ومشيت بطريقك... بكّير كتير وداعًا موسيقارنا الكبير ملحم بركات، رحمك الله»، أما يوسف الخال فغرد «تحية مني لروحك العظيمة بصوتي.. تعا ننسى»، ناشرا تسجيلا بصوته لأغنية ملحم بركات. أما الشاعر زاهي وهبي فكتب: «بالدمع لا بالحبر أرثيك. أُوَدِعُ إذ أودِعُك بعضًا مِن عمر سهرناه معًا، كنت ضحكته الوارفة وعاشقه المفتون وقمرَ أغنياته الآسِرة».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.