في واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد (نحو 600 كيلومتر جنوب غربي القاهرة) نشأت الشابة المصرية حنان سنوسي بين عائلة تمتهن سيداتها عمل منتجات ومشغولات تستخدم الخامات البيئية، خصوصا خامات النخيل الذي تشتهر المحافظة بزراعته، من السعف والعرجون والجريد والليف، وكذلك بقايا الأقمشة الملونة، في تصنيع منتجات يدوية بديعة الشكل تسر الناظرين وتستهوي السائحين.
وحرصت حنان على استكمال تقاليد نساء عائلتها، لتصبح خلال سنوات قليلة من العمل بها صاحبة مدرسة فنية خاصة، تشكل المنتجات اليدوية في أبهى صورة من خلال الاستفادة من مخلفات النخيل، مثل الخوص والسعف، معتمدة في تصميمها على التراث التقليدي والبيئة البدوية.
وتقول حنان: «نشأتي ساعدتني أن أرى سيدات العائلات في واحة الداخلة وهن ينتجن من قطع النخل ومعها خامات أخرى أعمالا ابتكارية صالحة للاستعمال المنزلي، فسيدات القرية ورجالها توارثوا المهنة أبا عن جد منذ عشرات السنوات، لذا استهوتني تلك المنتجات، وكنت أشارك سيدات العائلة خصوصا جدتي ووالدتي في العمل، ولكن بشكل هواية في وقت فراغي أثناء مراحل الدراسة».
وتضيف: «أكملت دراستي حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة، وبعدها لم أوفق في الحصول على وظيفة حكومية، لذا قررت أن أتجه إلى هوايتي، وأن أعمل بيدي ولا أنتظر الوظيفة، وأتخطى مرحلة الهواية إلى الاحتراف».
وتبين حنان أن المنتجات اليدوية من الخوص والسعف كانت قديما قاصرة على «الأسبتة اليدوية» التي لا تخلو منها المنازل، ثم تطورت المنتجات لتشمل إنتاج المقاعد وأطباق الفاكهة والحفظ، وهي أيضا للاستخدام المنزلي، ثم كان التوسع في إنتاج منتجات تتخطى المنزل إلى استخدامات أخرى أو في الديكورات التي تزين الحوائط، مثل الأطباق مختلفة الأحجام والقبعات والحقائب.
وتوضح الشابة الثلاثينية أن أبرز منتجاتها المطورة تتمثل في علب حفظ المناديل الورقية، والقبعات، وحقائب البحر، وحقائب الخروج مختلفة التصميمات. أما المنتجات التراثية التي أضافت عليها لمسات حديثة فأبرزها جلباب الواحات، ومكحلة العروس التراثية.
وتعدد مزايا منتجات الخوص وسعف النخيل، قائلة إنها منتجات صحية عند الاستعمال أفضل من البلاستيك، خصوصا عند وضع أشياء ساخنة بها، كما أنها جيدة التهوية إذا وضعت بها الحبوب والبقوليات، أو حُفظت بها الخضراوات والفاكهة والمخبوزات، لذا فهي منتجات نافعة لربات البيوت في استخدامات كثيرة.
وخلال سنوات قليلة، استطاعت ابنة الوادي الجديد إقامة معرض دائم لها داخل منزل بالطوب اللبن داخل مدينة القصر الإسلامية (تقع شمال واحة «الداخلة» في قلب الصحراء المصرية، وتعد واحدة من أقدم المدن الأثرية القديمة)، وهو ما ساعدها على التوسع في الإنتاج، وانتعاش حركة البيع والشراء لمنتجاتها اليدوية، خصوصا من جانب السائحين الذين يجذبهم المكان القديم والمنتجات التراثية.
وتشير إلى أن سوق السياحة كانت مفتوحة قبل سنوات، وكان السائحون العرب والأجانب يقصدون واحة الداخلة لشراء المنتجات اليدوية لهم ولذويهم، لكن في السنوات الأخيرة ونظرا لما تعانيه حركة السياحة من ركود، ونظرا لأوضاع البلاد السياسية قل الإقبال السياحي، وبالتالي شهدت المنتجات ركودًا.
أمام ذلك، لجأت حنان إلى الخروج بمنتجاتها إلى مهرجانات تراثية ومعارض فنية خارج واحتها، وعن ذلك تقول: «بدأت قبل 3 سنوات الاشتراك في هذه المهرجانات خصوصا التي تعقد في العاصمة، حيث أحمل بضاعتي إليها بغرض التسويق المحلي والعالمي، خصوصا أن هذه المهرجانات تعمل على تشجيع الحرف التي قاربت على الاندثار، وبالتالي تجد إقبالا من محبي الفنون التراثية من مختلف الجنسيات، كما أن هذه المعارض تعد فرصة للتواصل مع أصحاب الحرف الأخرى من مصر وخارجها، بما يعد فرصة أخرى لتبادل واكتساب الخبرات».
وتشير إلى أنه لخبراتها في مجال المنتجات اليدوية بدأت في تقديم ورش تدريبية من خلال وزارة الثقافة المصرية للسيدات والفتيات، تتضمن تدريبهن على صناعات النخيل، بهدف توفير فرص عمل من خلال بيع منتجاتهن.
وكخطوة أخرى تواكب تطوير منتجاتها، تبين صاحبة المنتجات التراثية أنها قامت بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» للترويج لمنتجاتها بين أعضاء الموقع، وهو ما وجد إقبالا من جانبهم، وبحسبها لا يتوقف هدف الصفحة فقط على شق التسويق، فلها هدف ثقافي أيضا، وهو توعية الأجيال الجديدة بتاريخها، وربطها بماضيها وتراثها العريق.
وتختتم حنان حديثها بأنها تتمنى أن تشارك بمنتجاتها في المعارض الدولية الخارجية التي تحتضن الحرف اليدوية والتقليدية، حيث تأمل أن تكسبها هذه المعارض شهرة عالمية، وأن تعرّف بضاعتها للجميع، بما يليق بمسقط رأسها واحة الداخلة على المستوى الخاص، وبوطنها مصر على المستوى العام.
مصرية تعيد إحياء تراث جداتها في تصنيع منتجات يدوية
تحول مخلفات النخيل إلى أعمال فنية في محاولة لمحاربة الركود الاقتصادي
مصرية تعيد إحياء تراث جداتها في تصنيع منتجات يدوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة