طفت في الفترة الماضية كثير من الخلافات إلى السطح بين باكستان وأفغانستان بسبب مشكلات الطريق التجاري بين الدولتين. إذ استخدمت باكستان نفوذها وسيطرتها على المعابر التجارية الأفغانية عندما أغلقت «بوابة الصداقة» بمنطقة شامان بوست لأكثر من أسبوعين، مما أصاب صادرات كابل بالشلل التام. ونتيجة لذلك، زادت حدة التوتر في معبر ترخام بداية شهر يوليو (تموز) الماضي عندما قررت باكستان بناء بوابة لرصد حركة البضائع والمسافرين عبر المنفذ.
الرئيس الأفغاني أشرف غني هدد الشهر الماضي بإغلاق طريق التجارة الذي يربط باكستان بدول وسط آسيا حال رفضت باكستان السماح للتجار الأفغان باستخدام معبر «وجاه» التجاري مع الهند. وقال غني إن باكستان بمقدورها إرسال السلع عبر الحدود مباشرة إلى أوزبكستان وطاجاكستان وتركمانستان من خلال أفغانستان، فلماذا لا نستطيع نحن ذلك؟ «فمن حقنا المعاملة بالمثل، لكننا لا ننظر لهذا الأمر باعتباره يصب في مصلحة شعبنا وبلدنا، ولن يكون مفيدا للتجارة الباكستانية».
وأضاف الرئيس الأفغاني قائلا: «إن زرت معبر تورخم على الحدود الباكستانية الأفغانية فسوف ترى أن نحو 70 إلى 80 في المائة من الشاحنات التي تدخل وتخرج من أفغانستان هي ملكية مسجلة لباكستانيين، وإن تفحصت الشاحنات بمنطقة باليتشركي بكابل فسوف ترى شاحنات باكستانية تتحرك في كلا الاتجاهين». والآن يتحتم على الشاحنات الأفغانية إفراغ حمولتها من البضائع في معبر «وجاه» بلاهور كي تنقل على عربات اليد إلى معبر «أتاري» على الحدود الهندية، ثم يعاد تحميلها على شاحنات هندية كي تستكمل رحلتها، ثم تعود الشاحنات الهندية فارغة. وطالبت كابل إسلام آباد مرارًا بالسماح بدخول شاحناتها إلى الهند لنقل بضائعها المتجهة إلى أفغانستان عن طريقها.
كما تقدمت الهند بطلبات مماثلة إلى باكستان لكن إسلام آباد رفضت بشكل قاطع لأسباب أمنية، مما أجبر الهند على استخدام طريق طويل ومكلف من خلال دبي لنقل بضائعها إلى أفغانستان.
وكثيرًا ما اعترضت أفغانستان على ذلك لما تسببه من ارتفاع في أسعار السلع.
كذلك يدرك رجال الأعمال والقادة الهنود أن المرور عبر باكستان يوفر كثيرًا من الوقت والمال، وهو ما اعترف به أيضًا رئيس الوزراء الهندي مودي نفسه خلال زيارته إلى أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وفي الكلمة التي ألقاها أمام البرلمان في كابل، عبر مودي عن أمله في أن تصبح باكستان جسرا يربط بين جنوب آسيا وما وراءها. وكانت القوات الأفغانية قد قتلت ضابطا باكستانيا برتبة رائد وأصابت آخرين على الحدود، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
ومن الجدير بالذكر أن بناء البوابة الحدودية استكمل في أغسطس (آب) الماضي، ونتيجة لذلك تراجعت الصادرات الأفغانية التي تمر من خلال كراتشي بواقع 40 في المائة. وقد اشتملت اتفاقية التجارة العابرة بين أفغانستان وباكستان على قيود صارمة في هذا الخصوص.
وجرى التفاوض بين الدولتين بشأن اتفاقية التجارة البينية بين إسلام آباد وكابل عدة مرات، فقد وقعت الاتفاقية عام 1950، مما أعطى أفغانستان الحق في استيراد بضائع معفاة من الجمارك من خلال كراتشي. ونتيجة لرفض باكستان، أوقفت الحكومة الأفغانية اعتماد اتفاقيات التجارة البينية مع إسلام آباد، مثل اتفاقيات تخفيض التعريفة الجمركية، ومنعت أي مزايا تجارية للشركاء التجاريين في باكستان. ونتيجة لرفض باكستان المتواصل السماح بمرور التجارة العابرة من أفغانستان إلى أسواق الهند، هدد الرئيس أشرف غني بمنع عبور البضائع الباكستانية إلى وسط آسيا.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد استخدم بعض العبارات القاسية في حديثه عن باكستان خلال كلمة ألقاها أثناء زيارة قام بها لمعهد دلهي لدراسات وتحليل الدفاع سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال الرئيس غني، إن «أفغانستان دولة حبيسة (بلا شواطئ) لكنها تفكر بشكل منفتح، في حين أن باكستان دولة مطلة على البحر لكنها تفكر كدولة حبيسة. الدول لا يجب أن تفكر بهذا الشكل المعيب تجاه بعضها». وأضاف أن «أفغانستان تقف على مفترق طرق ولم تعد دولة حبيسة. هؤلاء الذين يعملون على قطع الطريق أمامنا سوف نعاملهم بالمثل وسنقطع الطريق أمامهم. لماذا علينا أن نقلق من أن دولة مثل باكستان بمقدورها منع التجارة عن دولتين كبيرتين مثل الهند وأفغانستان؟ على أي حال، سوف ينتهي احتكار باكستان عندما يبدأ ميناء تشابهار في العمل».
وفي عام 2014، اتفقت باكستان وأفغانستان على الارتقاء بالتجارة البينية لتتخطى خمسة مليارات دولار بحلول عام 2017 مقارنة بنحو 1.6 مليار دولار حاليًا، لكن هذا الوعد لم يتحقق بسبب عدم الثقة المتبادلة، وأيضًا بسبب استبعاد الهند من «اتفاقية التجارة العابرة».
وفي السياق ذاته، وفي كلمته أمام لجنة التكامل الإقليمي والرخاء بمؤتمر بروكسل عن أفغانستان، انتقد وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي، إم جي أكبر، باكستان بوصفها عقبة في سبيل العلاقات التجارية بين الهند وأفغانستان.
وأضاف أكبر: «يجب ألا تتحول الشعوب إلى أسوار تحجب التبادل التجاري والثقافي الذي تعود جذوره إلى التاريخ القديم. وسوف نستمر في العمل مع أفغانستان لنتمكن من إيصال منتجاتها لأسواق الهند من خلال البر والبحر والجو».
أكد أكبر أيضًا على أن أفغانستان باتت الآن عضوا في منظمة التجارة العالمية، وأصبحت تتمتع بحقوق منها حرية الانتقال، وأنه على غيرها من الدول الالتزام بتسهيل حرية عبور منتجاتها، مشيرا إلى أن «حق أفغانستان في نقل منتجاتها قد انتهك».
وبحسب تقرير صحيفة «هندوستان تايمز»: «استراتيجيًا، فقد وجه الرئيس غني ضربة سياسية قاسمة لأكثر الأماكن إيلامًا لباكستان. فما فعله هو أنه أرسل رسالة في غاية الوضوح قال فيها إنه إن لم تبدِ باكستان مرونة إزاء التجارة الأفغانية مع الهند، فإن جهود باكستان لتعزيز وجودها في وسط آسيا سوف تذهب سُدى إلى الأبد. أشار الرئيس غني أيضا، وفق الصحيفة، إلى أن لأفغانستان طرقًا بديلة يمكن الاعتماد عليها مثل ميناء شابهار.
على سبيل المثال، فإن انفتاح إيران على العالم العام قد مهد الطريق أمام أفغانستان لزيادة تجارتها العالمية. وبدلاً من استخدام باكستان معبرًا، بمقدور أفغانستان الآن تحويل قوافلها التجارية شمالا تجاه ميناء تشابهار. وبالإضافة إلى الميزات السياسية، فإن خيار ميناء تشابهار سوف يمكن أفغانستان من الوصول إلى طرق أوسع لتصدير منتجاتها.
وبالنظر لتلك الظروف، يبقى أن ننتظر لنرى خيارات باكستان في حال نفذ الرئيس أشرف غني تهديداته. فمن المهم هنا الإشارة إلى أن الاستمرار في العناد في قضية التجارة العابرة سوف يكون له تبعات خطيرة وستضر بمصالح باكستان في وسط آسيا، وستتسبب في تعطيل كثير من مشروعات الطاقة التي شرعت باكستان في تنفيذها منذ عدة سنوات.
ففي مقال للكاتب الباكستاني المعروف زفار بهاتا نشر أخيرا في صحيفة «ذا إكسبريس تريبيون» في عددها الصادر في 11 سبتمبر الماضي، اعترف الكاتب بأن أول ضحايا هذا المأزق سيكون مشروع خط أنابيب تركمانستان - أفغانستان - باكستان الذي سيتأثر بدرجة كبيرة.
ومع ما أبدته تركمانستان من انفتاح تدريجي للأفكار الجديدة أخيرا، بات بمقدور الهند وأفغانستان العمل معًا على إقناع تركمانستان بالتفكير في مقترح رئيس الوزراء ناريندرا مودي بإنشاء ميناء بحري لنقل الغاز من تركمانستان.
وعلى الرغم من كل الأضرار التي قد تلحق بالمصالح الباكستانية، فقد سارع كثير من المحللين الباكستانيين إلى الدفاع عن إسلام آباد، أو بالأحرى موقف راولبندي المتشدد بخصوص قضية التجارة العابرة.
وفي المقال نفسه بالصحيفة، يرى زافار أن تهديد أفغانستان لن يؤثر على باكستان بأي حال نظرا لوجود ممرات اقتصادية بديلة متاحة أمامها مثل ممر الصين - باكستان الاقتصادي، مضيفا أن الجميع يعلم أن الفاكهة الطازجة المفترض نقلها للأسواق سريعًا تمثل غالبية الصادرات الأفغانية. فنقل مثل هذه السلع سريعة التلف من خلال ميناء شابهار يعنى رحلة بحرية مكلفة ووقت طويل، مما يعرض صادرات الفاكهة للتلف.
وعلى صعيد متصل، دعا غني خلال رحلته للهند في سبتمبر الماضي رجال الأعمال الهنود إلى استخدام النقل الجوي في التجارة لمساعدة بلاده على التغلب على الحصار الذي فرضه عليها جيرانها ممن لا يتمنون الخير لها.
باكستان وأفغانستان وحرب المعابر التجارية
مع إبطال مفعول اتفاقية التجارة البينية لعام 1950
باكستان وأفغانستان وحرب المعابر التجارية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة