يعمل طبيب القلب الدكتور معاوية العوض حاليا من موقع غير معلن في مدينة حلب، بعد أن تم استهداف مستشفى القدس الذي يعمل فيه وتدمير موقعه الأصلي. ويصف الوضع بأنه «جحيم لا مفر منه»، ملخصا ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية في المدينة، الأمر الذي دفعه ليطرق باب (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)، في شكوى ضد روسيا الاتحادية التي لا يكف طيرانها عن ضرب مستشفيات حلب وطاقمها الطبي ومرضاها في الوقت نفسه.
ومعاوية العوض هو طبيب القلب الوحيد المتبقي في أحياء حلب الشرقية، بين واحد وثلاثين طبيبًا آخرين لا يزالون يتحملون المشقة ويخاطرون بحياتهم لعلاج نحو 350 ألف مدني محاصر في المنطقة، أي بنسبة طبيب واحد لكل 12000 شخص.
يقول د. العوض: «فكرة رفع القضية أمام المحكمة الأوروبية، جاءت بعد شعور تام بالعجز. نعمل بشكل متواصل محاطين بأكوام من الأشلاء والدماء وأنين الجرحى يملأ المكان».
ويتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «تواصلت مع بعض الأصدقاء الناشطين في أوروبا وطرحوا علي فكرة رفع دعوى قضائية على روسيا لانتهاكها حقوق الإنسان، بحقي وبحق المرضى الذين أعالجهم. وبعد تشاور مع الزملاء واستشارة بعض المحامين في بريطانيا، قررت رفع هذه الدعوى».
قدم الطبيب السوري الاستدعاء أمام المحكمة الأوروبية بناء على طلبات أرسلها إلى وزارات الخارجية في كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ودول أوروبية أخرى، كما أرسل بيانات الدعوى إلى جميع هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وتمثل الطبيب السوري في القضية المحامية البريطانية المحامية وداعية حقوق الإنسان جارث بيرس بالإضافة للمحامية البريطانية ساجدة مالك.
وكان بيان صحافي وزع على وسائل الإعلام، قال: إن الدعوى ضد روسيا تستند على انتهاكات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في المادة 2 «حق الفرد في الحياة»، والمادة 3 التي تتحدث عن «حق الفرد للتمتع بالعيش بعيدا عن المعاملة اللاإنسانية والمهينة» بحقه وبحق مرضاه.
وعن جدوى رفع هذه الدعوى ضد روسيا في ظل التعنّت السياسي الذي تمارسه ضد أكبر القوى السياسية في العالم، يقول د. معاوية «لا أتوقع أن تغير هذه الدعوى من مجرى الأزمة السورية، ولكنها على الأقل قد تسمع صوتنا من حلب وتفضح انتهاكات العدوان الروسي الذي لا يتورع عن قصف المشافي ولا يعطي الجرحى فرصة للحياة».
وقد قصف طيران النظام والطيران الروسي الكثير من المستشفيات في حلب، كان بينها استهداف مشفى القدس عدّة مرات، وهو المشفى الذي يعمل فيه الدكتور معاوية منذ العام 2012. آخرها القصف الذي تعرض له المشفى بتاريخ تاريخ 27 أبريل (نيسان) الماضي والذي أودى بحياة 35 شخصًا بينهم طبيبان وأربعة آخرون من الكادر الطبي.
واعتبر النظام السوري منذ انطلاقة الثورة السورية في مارس (آذار) 2011 جميع العاملين في القطاع الطبي في المناطق الخارجة عن سيطرته، هدفًا مباشرا، وشهدت السنوات الأخيرة مقتل أكثر من 600 عامل في المجال الطبي قتلت قوات النظام نحو 90 في المائة منهم، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ونسأل الطبيب معاوية إن كان يخشى على حياته بعد رفع هذه القضية، فيقول: «لا أتوقع أن رفع الدعوى القضائية على روسيا، سيزيد من فرص استهدافي من قبل قوات النظام ومخابراته، فالنظام وروسيا يعتبروننا أهدافًا مشروعة للتصفية لمجرد أننا نعمل في المجال الطبي».
ويعد التحرك الذي قام به الدكتور معاوية وضع معايير غير مسبوقة، من قبل طبيب مستنفذ مناوب 20 ساعة في ظروف شاقة، ومهدد بالقتل بأي لحظة.
ويعتمد بيان ملف القضية، على وصف ستيفن أوبراين المسؤول الرئيسي لحقوق الإنسان في مجلس الأمن الدولي الأوضاع في حلب بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي قال: «دعوني أكون واضحًا، ليست حلب في هذه اللحظة على حافة الهاوية، بل من الواضح أنها أخذت في الهبوط المريع في أعماق كارثة إنسانية لا نهاية لها، بلا شفقة أو رحمة ولم نشهد لها مثيلاً في سوريا، سوريا تنزف، ومواطنوها يموتون، ونحن نسمع نداءهم واستغاثاتهم».
يشار إلى أن (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) هي محكمة فوق وطنية تأسست عام 1959 بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي تنظر في شكاوى التجاوزات والخروقات التي تتم لاتفاقية حقوق الإنسان الدولية من قبل إحدى الدول الأعضاء فيها، وتسمع هذه المحكمة الدعاوى المقامة سواء من الدول أو الأفراد، وتعتبر روسيا إحدى الدول الموقعة على ميثاق المحكمة.
طبيب من حلب يقاضي روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
قال لـ«الشرق الأوسط» إن الفكرة جاءت بعد شعور تام بالعجز وسط الأشلاء والدماء
طبيب من حلب يقاضي روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة