«المصالحات».. استراتيجية النظام للتغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة»

المعارضة ترى فيها استثمارًا للتجويع.. وتمهيدًا لفرض الشروط في المفاوضات

إجلاء الحالات التي بحاجة إلى علاج خارج بلدتي قدسيا والهامة بريف دمشق الغربي الجمعة الماضي ضمن هدنة فرضها النظام أخرج بموجبها 1297 شخصا إلى إدلب شمال سوريا (إ.ب.أ)
إجلاء الحالات التي بحاجة إلى علاج خارج بلدتي قدسيا والهامة بريف دمشق الغربي الجمعة الماضي ضمن هدنة فرضها النظام أخرج بموجبها 1297 شخصا إلى إدلب شمال سوريا (إ.ب.أ)
TT

«المصالحات».. استراتيجية النظام للتغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة»

إجلاء الحالات التي بحاجة إلى علاج خارج بلدتي قدسيا والهامة بريف دمشق الغربي الجمعة الماضي ضمن هدنة فرضها النظام أخرج بموجبها 1297 شخصا إلى إدلب شمال سوريا (إ.ب.أ)
إجلاء الحالات التي بحاجة إلى علاج خارج بلدتي قدسيا والهامة بريف دمشق الغربي الجمعة الماضي ضمن هدنة فرضها النظام أخرج بموجبها 1297 شخصا إلى إدلب شمال سوريا (إ.ب.أ)

يعمل النظام السوري منذ سنوات على استراتيجية معينة يطلق عليها تسمية «المصالحات الوطنية» التي تعتبرها المعارضة استثمارا لسياسة التجويع والحصار، وإخضاع الأهالي لشروط النظام، وأنها تقوم على تهجير الناس وإخراجهم من بيوتهم، بهدف التغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة». وتشهد المرحلة الأخيرة مصالحات عدّة، ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء عن المركز الروسي لتنسيق التهدئة في سوريا، يوم أمس، أن عدد البلدات والقرى السورية التي انضمت إليها ارتفع إلى 795. وهو ما رأت فيه المعارضة رقما مبالغا فيه. وفي وقت كان قد طرح فيه اقتراح مماثل في اجتماع لوزان أول من أمس، لتطبيقه في الأحياء الشرقية في حلب، أكد نائب رئيس الائتلاف السابق هشام مروة، أن عدد المناطق التي خضعت لهذه المصالحات لا يزيد على المائة، وهو ما أشار إليه أيضا الناشط عمر إدلبي، عضو تجمّع ثوار سوريا، موضحا لـ«الشرق الأوسط»، أن مركز حميميم يقوم بتسجيل أي اتفاق بين المعارضة وممثلين عن النظام على أنّه مصالحة، علما بأن عددا كبيرا منها لا يعدو كونها عمليات محدودة لهدف محدد كإدخال مساعدات أو إجلاء جرحى، كما أن عدد بلدات وقرى كل سوريا يكاد لا يصل إلى هذا الرقم».
وأفاد المركز الكائن في قاعدة «حميميم» الجوية قرب اللاذقية بأن ممثلين عن 5 بلدات ومنها 4 في محافظة اللاذقية وواحدة في محافظة حمص، وقعوا على اتفاقات المصالحة خلال الـ24 ساعة الأخيرة.
وكانت مناطق عدّة دخلت فيما تسمى «المصالحات» كان آخرها قدسيا والهامة وداريا ومن قبلها الزبداني ومضايا وحي الوعر، في وقت تحذّر المعارضة من تطبيقه أيضا في حلب نتيجة الحملة العسكرية الشرسة التي ينفذها النظام على الأحياء الشرقية. وفي هذا الإطار، كانت لجنة التفاوض في مدينة داريا قد أصدرت بيانًا أكدت فيه أن النظام يماطل كثيرًا في تنفيذ بنود الاتفاق المتفق عليه مع لجنة المدينة، داعية الأمم المتحدة إلى الضغط عليه لإخراج المعتقلين.
وأشار البيان إلى أن المفاوضات بين الطرفين بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر وصلت إلى الاتفاق على البنود التالية: «إخراج العائلات ومن يود من الأهالي إلى مدينة الكسوة وتسوية أوضاعهم بشكل سريع خلال ساعات دون التعرض لأي أحد منهم، وإخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب بسلاحهم الخفيف كما وإطلاق سراح النساء والأطفال وبيان وضع المعتقلين الذكور للبدء في إطلاق سراحهم في مرحلة تالية»، لكنه أكد أن «النظام بدأ بالمماطلة والتسويف دون التزامه بإطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال، وكذلك احتجازه لأهالي المدينة في مركز الإيواء بحرجلة، وغموض في وضع من تبقى من أهالي داريا في معضمية الشام».
وإذا كان اتفاق داريا تم بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، فإن خروج المعارضين وعائلاتهم من قدسيا والهامة بريف دمشق، تم في غياب أي طرف ثالث، بحسب ما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو ما يزيد المخاوف لدى المعارضة من مماطلة النظام في تنفيذ بنود الاتفاق كافة، لا سيما أن هناك نحو 500 شخص خضعوا لشروط النظام الذي سمح لهم بالبقاء شرط تسوية أوضاعهم، كعودة المنشقين والتحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام التي ستدخل إلى المنطقتين وتستلم النقاط كافة التي كان يتمركز فيها مقاتلو الفصائل.
ويشكّل اتفاق داريا، نموذجا لمعظم المناطق التي خضعت لهذه المصالحات، بحيث يماطل النظام في تنفيذ بنودها ولا سيما فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين إضافة إلى إيصال المساعدات، بحسب ما يلفت مروة. ويوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يسميه النظام المصالحات هي استثمار لسياسة التجويع والحصار والقصف المستمر ومحاربة الأهالي بأسباب بقائها عبر وضعهم بين خيار الموت أو الحياة». وشدّد مروة على أن هذه المصالحات التي يجب تغيير اسمها، لا تعكس قناعة أبناء المناطق الذين يخضعون لها ضمن منطق الضرورة والبقاء على قيد الحياة. ويلفت مروة إلى أن اختيار النظام للمناطق عبر موقعها الجغرافي، يقف خلفه أيضا مخططه لرسم خريطة سوريا المفيدة ومن ثم فرض شروطه في أي مفاوضات قد تحصل في المستقبل. بدوره، يقول مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إنّ أغلب هذه المصالحات تقوم على تهجير الناس وإخراجهم من بيوتهم، وكان آخرها ما حصل في قدسيا والهامة بريف دمشق.
وقال المصدر المعارض لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن المصالحات جارية لكنها تقوم على الحصار والتدمير والأرض المحروقة التي تجبر الناس على الخروج تحت تهديد القتل، وهذا ما يستفيد منه النظام وحلفاؤه من أجل التغيير الديموغرافي في المناطق التي تقع ضمن ما يسمى (سوريا المفيدة)». ولفت إلى أن النظام والروس يسوقون الآن لمصالحات كهذه في حلب عبر محاولات أفراغها من المسلحين والمدنيين بالترغيب والترهيب، مذكرا بمحاولة دي ميستورا إغراء المقاتلين، معبرا عن استعداده ليرعى عملية إخراجهم من حلب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».