تبادل المرشحان الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون اتهامات شديدة اللهجة في المناظرة التي جمعتهما في جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس بولاية ميزوري مساء الأحد.
واحتل الفيديو المسرب لترامب عن موقفه من النساء جزءا كبيرا من الهجوم المتبادل بين المرشحين، فيما شن ترامب هجوما لاذعا ضد كلينتون حول استخدام إيميلها الخاص أثناء عملها وزيرة للخارجية، متعهدا بوضعها في السجن إذا فاز بالانتخابات.
بدأت المناظرة التي استمرت 90 دقيقة بشكل فاتر، عندما قام كلا المرشحين بتحية الآخر دون أن يتصافحا المصافحة التقليدية البروتوكولية بين المتنافسين. وبعد دقائق معدودة، اشتعلت المناظرة وتحولت إلى نقاش لاذع عن فيديو ترامب حول النساء، وحول قضايا السياسة الخارجية والموقف من المهاجرين غير الشرعيين وخطط الضرائب لدى كلا المرشحين، إلى جانب برامج الرئيس باراك أوباما في مجال الرعاية الصحية.
وأشار محللون إلى أن أداء المرشح الجمهوري دونالد ترامب كان حسنا في المناظرة الثانية التي جرت مساء الأحد مع منافسته الديمقراطية على كلينتون، رغم موجة الاستياء العارمة التي واجهها في أعقاب تسريب المحادثة الفجة عن النساء وانتقادات كبار قادة الجمهوريين له، ومطالبة بعضهم بانسحابه. ورغم الأداء الجيد نسبيا لترامب، فإنه لم يستطع التقدم كثيرا في استطلاعات الرأي على منافسته، وأكد المحللون أن كلينتون قد فازت للمرة الثانية في المناظرة.
وكان إيقاع المناظرة سريعا في النقاش الذي أداره المذيع اندرسون كوبر من شبكة «سي إن إن»، والمذيعة مارثا راداتز من شبكة «إيه بي سي نيوز». وكثيرا ما توقفت كلينتون، وبدت إجاباتها متوقعة كما كانت أقل هيمنة على مسار النقاش كما حدث في المناظرة الأولي، وأحيانا أقل قدرة على تفادي هجمات ترامب، في حين بدا ترامب أكثر استعدادا في المناظرة الثانية وأقل عرضة لفقدان السيطرة على أعصابه.
وأشارت شبكة «سي إن إن» إلى أن كلينتون فازت للمرة الثانية في المناظرة الرئاسية. لكن استطلاعين شملا مشاهدين أعطيا تقدما لكلينتون بـ57 في المائة في مقابل 34 في المائة لترامب بحسب استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن» ومعهد «أو آر سي». في المقابل، أظهر استطلاع أجراه معهد «يوغوف» تحقيقها نصرا أقل مستوى، حيث قال 47 في المائة من الناخبين المسجلين الذين شاهدوا المناظرة إنها تفوقت في المناظرة، بينما قال 42 في المائة إن ترامب هو الذين تفوق. أما الباقون فقالوا إن المرشحين متساويان.
من جهتهم، أوضح المحللون أن المناظرة الثانية لم تحسم لصالح ترامب، لكنه بدا عنيدا وتجنب الانهيار التام. وقلل ترامب من تصريحاته العدوانية والفجة ضد المرأة، مشيرا إلى أنه كان كلاما عابرا، وقال: «أنا لست فخورا به وأعتذر لعائلتي وأعتذر للشعب الأميركي، لكن مثل هذا الحديث هو حديث عابر»، وحاول مذيع قناة «سي إن إن» أندرسون كوبر الضغط على ترامب، وسؤاله عما إذا كان قد تحرش بالنساء كما قال في التسجيل. وأنكر ترامب قائلا: «هذا لم يحدث»، فيما أبدت كلينتون تعجبها وقالت: «ما شاهدناه وسمعناه جميعا يوم الجمعة هو دونالد يتكلم عن النساء ويكشف عن كيف يفكر في النساء وما يفعله بهن».
ردّ ترامب بتوجيه هجومه إلى هيلاري كلينتون، مشيرا إلى سلوك زوجها بيل كلينتون السابق تجاه النساء. واستغل ترامب هذه الورقة لصالحه، وذكر تصرفات بيل كلينتون مع النساء، لافتا إلى أن فتاة ادعت أن كلينتون اغتصبها موجودة بين الحضور. وقال ترامب ما مفاده أنه «لم يكن أي شخص في تاريخ هذه الأمة أكثر إساءة للنساء من بيل كلينتون»، مضيفا أن «هيلاري هاجمت هؤلاء النساء بوحشية».
وكان ترامب قد التقى قبل ساعات من المناظرة مع عدد من النساء اللاتي اتهمن الرئيس بيل كلينتون بارتكاب سلوك غير ملائم ضدهن. وسددت كلينتون ضربة مقابلة، وقالت إنها تأخذ بنصيحة صديقتها ميشيل أوباما التي نصحتها بعدم الانسياق وراء كلام غير لائق.
كانت أقوى اللقطات في المناظرة عندما هدد المرشح الجمهوري دونالد ترامب بزج منافسته هيلاري كلينتون في السجن، ووصف كلينتون بأنها «شيطان»، وأنها تحمل كراهية هائلة في قلبها. وقال: «عندما أنتصر في الانتخابات وأقوم بتعيين مدع عام، سنزج بك في السجن». وأكّد ترامب أن استخدام كلينتون للبريد الإلكتروني الخاص بها خلال عملها وزيرة للخارجية في الولاية الأولى للرئيس أوباما قد عرض الأمن القومي للخطر، منتقدا سجل منافسته في مجال السياسة الخارجية.
واستطاعت كلينتون الصمود ببراعة أمام هجمات ترامب، وأظهرت ثباتا كبيرا في مواجهة اتهامات ترامب لزوجها بالخيانة وإقامة علاقات مع عدد من النساء. وعند سؤال كلينتون عما إذا كانت تقبل أن تكون ذات وجهين، فيكون لها موقف أمام الجمهور وآخر في المجالس الخاصة، أبدت كلينتون موافقتها الضمنية، وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن نفسه كان يستخدم حججا مختلفة مع نواب الكونغرس لإنهاء العبودية. واستغل ترامب الموقف، وسدد ضربة سريعة إلى كلينتون، وقال: «لقد كذبت، والآن تريد إلقاء اللوم على العظيم أبراهام لينكولن، وهو الرئيس الصادق الذي لم يكذب أبدا. هذا هو الفرق بينك وأبراهام لينكولن».
وركزت كلينتون على تصريحات ترامب المسيئة للمسلمين والمهاجرين المكسيكيين، وأشارت إلى أنه لم يعتذر عن تصريحاته المسيئة لأي أحد، وهاجمت أسلوبه في التعامل مع المسلمين، لافتة إلى أن الولايات المتحدة قامت على أساس المهاجرين وعلى أساس حرية الاعتقاد الديني.
من جهته، اضطر ترامب إلى تأكيد أنه تراجع عن دعوته لحظر دخول المسلمين، لافتا إلى أن مشروعه تغيّر إلى «فرض تدقيق صارم» بحقهم. كما شدد على واجب المسلمين في الولايات المتحدة بالإبلاغ عن المشتبهين بهم وعن أي تصرف شائك.
بدورها، ركّزت كلينتون هجماتها حول قدرة ترامب على ضبط أعصابه، وقالت: «إنه لأمر جيد أن شخصا مزاجيا متقلبا مثل دونالد ترامب ليس مسؤولا عن تنفيذ القانون في بلادنا». فرد ترامب مرة أخرى: «هل تريدين أن تكوني في السجن؟». واشتعل حماس بعض المناصرين لترامب داخل القاعة الذين هتفوا: «ضعها في السجن»، وأضافوا «سوف نهزمها في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم».
وانتقد ترامب خطط كلينتون الضرائبية، واتهمها بتوجهها نحو زيادة الضرائب على جميع، وليس على الأغنياء فقط. وتطرقت المناظرة إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والسياسة الخارجية لكل مرشح. وتعهد ترامب بالتحالف مع بعض أعداء الولايات المتحدة، بما في ذلك روسيا وبشار الأسد بهدف قتال «داعش». وقال: «أنا لا أحب الأسد على الإطلاق، لكن الأسد يقاتل داعش، وروسيا تقتل داعش، وإيران أيضا تقتل داعش. وهؤلاء الثلاثة اتحدوا بسبب ضعف سياستنا الخارجية». وكشف ترامب بذلك عن اختلافه مع مايك بنس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، الذي انتقد روسيا ودورها في الحرب بسوريا.
وفي سؤال من الجمهور حول الميزة التي يراها كل مرشح في منافسه، قالت كلينتون إنها ترى أن الميزة في ترامب هم أبناؤه، فيما امتدح ترامب صلابة كلينتون. ومن المقرر أن تعقد المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة في التاسع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في مدينة لاس فيغاس، ولا يزال يعاني المرشح الجمهوري دونالد ترامب من تداعيات أزمة الفيديو المسرب حول آرائه في النساء. وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب على الجمهوريين ضمان الحصول على تأييد الناخبين لصالح مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية، وما يمكن أن يكون لها من تأثيرات في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وفي تعليق على المناظرة، اعتبر مدير حملة كلينتون الرئاسية روبي موك الذي كان معها على متن الطائرة التي أقلتها في طريق العودة إلى نيويورك أن دونالد ترامب لم يتمكن من تغيير مسار الأمور، وإعطاء دفع لترشيحه الذي يواجه أزمة.
واعتبرت أوساط المرشحة الديمقراطية أيضا أن ترامب ارتكب خطأ سياسيا عبر تهديد كلينتون بالسجن في تصرف يليق بـ«ديكتاتور». وعلّق ستيفن سميث: «كنا نتوقع مع تأخره بخمس أو ست نقاط أن يحاول ترامب توسيع تحالفه واستمالة نطاق أوسع من الناخبين الأكثر اعتدالا أو المترددين».
ويقول هذا المحلل إن ترامب حاول «تعزيز قاعدته ووقف تخلي المؤيدين عنه والحؤول دون انهيار حملته».
وفي كواليس المناظرة التي جرت في حرم جامعة سانت لويس، واجه المتحدثون باسم ترامب سيلا من الأسئلة حول إمكان سحب ترشيح مايك بنس لمنصب نائب الرئيس بعد أن شجب هذا الأخير تصريحات ترامب حول النساء.
كلينتون تفوز مجددًا.. وترامب يقاوم السقوط
المرشح الجمهوري رفض حشره في «زاوية التحرش» وهدد منافسته بالسجن
كلينتون تفوز مجددًا.. وترامب يقاوم السقوط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة