السؤال الذي طرحه فيلم أوليفر ستون الأخير، حول ما إذا كان إدوارد سنودن بطلاً قوميًا أو خائنًا لثقة بلاده، كان له صدى خافت في سوق الفيلم كما بتنا نعلم جميعًا عندما أخفق «سنودن» بجذب جمهور كاف حين انطلق للعروض في الشهر الماضي.
بالمقارنة، رأينا كيف أنجز «جاسون بورن» نحو 400 مليون دولار حول العالم متحدّثًا عن بطل خيالي يقاوم جهاز المخابرات الأميركية المتورطة في محاولة شراء الميديا الاجتماعية لاستخدامها في توضيب معلوماتها وملفاتها عن المستخدمين.
هل كان على مخرج «سنودن»، أوليفر ستون، أن يعمد إلى صنع بطل يتميّز بالمهارة القتالية وبالقوّة البدنية ويحيك له المغامرات على غرار شخصية جاسون بورن لكي يضمن النجاح؟ أو كان على المخرج بول غرينغراس أن يقدم فيلمًا دراسيًا حول الموضوع لكي يضمن الثقل الموضوعي والجدية؟
بصرف النظر عن الجواب، فإن كلا الفيلمين يتحدّثان عن موضوع واحد. موضوع يراه الممثل مات دامون، الذي لعب بطولة أربعة من الأفلام الخمسة التي تشكل سلسلة جاسون بورن، بالغ الأهمية:
«أنا دائمًا أصطف إلى جانب الخصوصية لأن أجهزة المخابرات دائمًا ما ستطلب معلومات أكثر. هذه هي وظيفتها، ووظيفتها تصبح أسهل عندما تكون لديها معلومات أكثر. بعد ما كشفه إدوارد سنودن وجدنا أنفسنا نطرح أسئلة حول من يملك حق معلوماتنا الشخصية وما سيحدث للديمقراطية في بلادنا».
تدريب كثيف
الموضوع ساخن لكن مات دامون يتحدث فيه بهدوء. لقد درس الوضع منذ أن كان في الكلية خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكان لديه أستاذ وضع الأمور على نحو واضح أمامه مما ساعده على تكوين رأي في هذه المسألة:
«أخذت درسًا في العمل الاستخباراتي، وكان من بين قاله لنا الأستاذ وكان بالفعل ملمًا بما يحدث إن المسألة هي نوعية الدولتين أميركا والاتحاد السوفياتي. دولة ديمقراطية وأخرى تقوم على مبدأ أن الحكومة من حقها أن تعرف كل شيء عن كل واحد. هكذا كانت روسيا حيث كان يعمل لجهاز الـKGB نحو عشرين مليون موظف. أي واحد كان يستطيع الاتصال بذلك الجهاز ويشي بأي شخص آخر. لم تكن تلك هي الدولة التي سأتمنى العيش فيها. الآن نجد أن الأجهزة الحكومية هنا تعمل على جمع المعلومات عن الشركات والأفراد. هذا دورها، لكن هذا الدور وكل ما يحدث في العالم تبعًا لعصر المعلومات الذي نعيشه يجعلنا نتساءل أي نوع من الديمقراطية نعيش اليوم».
كل ما يحدث في فيلم «جاسون بورن» خيالي لكنه كان أكثر خيالاً في الأجزاء السابقة عندما كانت المسألة هي أن عميلاً سابقًا لـ«سي آي إيه» فقد ذاكرته القريبة يجد نفسه مطاردًا من قبل جهاز من أجهزة وكالة المخابرات الأميركية بهدف قتله. يكتشف أيضًا أنه ما زال يتمتع بقدرة قتالية ناتجة عن تدريب كثيف، وأنه يحمل عدة جوازات سفر ويجيد استخدام السلاح.
في حديثي معه يوافق على أن الأجزاء السابقة من هذا المسلسل كانت خيالية تمامًا:
«كانت خيالية كما حال أي فيلم جاسوسي من بطولة فرد يعمل لصالح المخابرات الغربية. كان الوجه الآخر من شخصية جيمس بوند. جاسون بورن كان عن رجل تلاحقه المخابرات لقتله وبوند كان عن رجل يتمتع بغطاء المخابرات التي تعهد إليه بالمهام».
لكن هذا الجزء الأخير، الذي ما زال معروضًا في عواصم عربية وعالمية بعد شهرين من إطلاقه، يختلف في أنه يجمع بين الخيال في المواقف التشويقية وأحداث الحبكة التي تقع مع بطله وقد استعاد جزءًا من ذاكرته، وبين تلك المرجعية الواقعية حول غياب الخصوصيات ومحاولة الحكومات وضع يدها على ما تملكه مؤسسات الميديا الاجتماعية من معلومات (وهو ما بات معتمدًا كما نعرف جميعًا).
شخصية وحيدة
هذه الذاكرة المكتشفة تضع شخصية جاسون بورن أمام أزمة الهوية أو كما يقول الممثل دامون: «في السابق كان يحاول أن يبقى حيّا فقط. ليس أنه لم يكن يفكر في وضعه ويحاول تذكر ماضيه وشخصيته، لكنه كان بغياب ذاكرته منصرفًا إلى وجهة واحدة هي البقاء حيًا. الفيلم الأخير افترض أنه استعاد بعض تلك الذاكرة. وجد أن والده كان أيضًا عميلاً لوكالة المخابرات وأنه قُتل في بيروت خلال إحدى عملياته. هذا يؤرقه أكثر الآن لأنه يقف على مشارف ذاكرته التي قد تكشف له أمورًا أخرى يجهلها وقد تخيفه».
* في كل هذه الأفلام التي شكلت سلسلة «جاسون بورن» من عام 2002 وحتى اليوم نجد أن الحوار مبتسر غالب الأحيان. حواراتك أنت أقصد. كيف تم الوصول إلى هذا القرار؟
- هناك حوار أقل في هذا الفيلم من أي فيلم سابق في السلسلة. ما حدث هو أن جاسون بورن بعدما فقد زوجته في الفيلم الأول لم يعد لديه أي شخص يتحدث إليه. في الأساس هو أشبه بمن لا هوية له على الإطلاق. لا حضور. إنه مصدوم لخسارته زوجته، ووحيد لا يستطيع التواصل مع الآخرين لأنه لا يعرف من هو ما يجعله، تلقائيًا، ميّالاً للصمت. شخص وحيد ليس لديه ما يقوله لأحد».
* هذا ما يجعل مهمتك كممثل أصعب؟
- إذا كنت تقصد من الناحية التعبيرية نعم. لكن المهمة صعبة أيضًا على المخرج الذي عليه أن يستعيض عن تغييب الحوار بالحركة ودمج أفعال جاسون في منهج الحركة الدائمة لكي تعوض عن صمته.
الحركة في هذه السلسلة ضرورية لأكثر من غاية. إذا ما كانت هي استعاضة لغياب الحوار فهي أيضًا إثارة لرواد سينما التشويق. والمخرج بول غرينغراس من أمهر العازفين على هذا المنوال. ليس هناك أي فيلم من الأفلام التي أخرجها في هذه السلسلة ينقصه الإيقاع المتوتر الناتج عن الحركة الدائمة. لكن السؤال هو كم من هذه الحركات والأداءات من تنفيذ مات دامون وكم منها من تنفيذ منفذي المهام الصعبة (أو «الدوبليرات» باللغة السائدة هنا) الذين من مهامهم أداء المشاهد الصعبة عوض أبطال الفيلم. يجيب دامون على ذلك: «الأمر بين يدي المشرف على عمل هؤلاء المنفذين وهو غاري باول. إنه الأفضل في عمله. يدرس كل مشهد ومتطلباته وهو يقرر إذا ما كنت أستطيع القيام به بأمان أو أن الأمر يتطلب منفذ مخاطر. ومن هو. في هذا الفيلم الأخير كان لدينا شخص محترف لتسلق جدران المباني واستعنا بشخص روسي اسمه مارتن كان المنفذ عني في الأفلام الثلاث الأخيرة في مشاهد قيادة السيارات. كان لدينا بطل في سباق الدراجات النارية للمشاهد التي تم استخدام الدراجات فيها. ما يحدث هو أنني أقوم بتمثيل بعض هذه المشاهد ثم يقوم المنفّذون بتنفيذ معظمها ثم يتم تزويج المشاهد بعضها بعضًا».
إلى جانب أن «جاسون بورن» يعرض لما يحدث بالنسبة لمحاولة بعض الأجهزة التجسس في عصر التكنولوجيا والمعلومات وما قام به سنودن، يبدأ الفيلم بأحداث تمر على خلفية مظاهرات اليونانيين قبل عامين عندما احتجوا على وضع اليونان الاقتصادي.
* ما كانت وجهة نظر المخرج في ذلك؟
- كانت فكرة ذكية. حين صوّرنا الفيلم كانت أحداث اليونان ما زالت طازجة والفكرة كانت في أن نربط الفيلم بالواقع وبالأحداث الآنية قدر الإمكان. كان التصوير في اليونان أول ما صوّرناه في الفيلم وجئنا بمئات الأفراد ليمثلوا المتظاهرين.
* شيء مثير للغرابة أن ترى فيلمًا يجنح إلى الخيال وعلى الخلفية مشاهد مستمدة من الواقع.
- صحيح. لكن هذا ما يضمن لفيلمنا التعامل مع الآني ويقرب الخيال إلى الحدث الواقعي أو المحتمل.
بطل أفلام «أكشن»
* من هم ممثلو أفلام الأكشن الذين استهووك عندما كنت شابًا؟
- ترعرعت في صباي على مشاهد مل غيبسون في سلسلة «سلاح مميت» (Lethal Weapon) وعلى هاريسون فورد في سلسلة «إنديانا جونز». كان لمشاهدتي هذه الأفلام أثرًا كبيرًا عليّ، لكن يجب أن أقول إن تنفيذ مشاهد الأكشن اليوم يختلف عما كان عليه بالأمس من نواحي التنفيذ والأجهزة التي بين يدينا اليوم.
* هل تخيلت نفسك يومًا بطل أفلام أكشن؟
- لا أستطيع أن أنفي أنني فعلت لكن عندما بدأت التمثيل كانت وجهتي أصبحت مختلفة تمامًا. مع «صانع المطر» لفرنسيس كوبولا و«حقول الأحلام» أمام كڤن كوستنر وبالطبع «غود ول هنتينغ» كانت الأدوار الدرامية والنجاح فيها هو ما يستهويني. لاحقًا معظم ما مثلته كان من هذه الفئة.
* لعبت شخصية جاسوس في «مستر ريبلي الموهوب»، لكنه كان دورًا مختلفًا.
- لم يكن فيلمًا جاسوسيًا في الحقيقة. هذا واحد من تلك الأفلام التي عادت إلي بفكرة أن أحاول توسيع أداءاتي بحيث تشمل أفلام مخاطرات أو ألغازًا بوليسية. لكن وكما تعلم لا يستطيع الممثل أن يختار أفلامه من صنف معين طوال الوقت.
يعترف مات دامون بأنه في العامين الأخيرين زاد نشاطه وهذا واضح من كونه ظهر في فيلمين ناجحين هما «المريخي» و«جاسون بورن» كما أنهى تصوير فيلمين أحدهما كممثل وعنوانه «الحائط العظيم» والثاني كمنتج وهو «مانشستر على البحر»:
«حشدت الكثير من الأفلام بدءًا بفيلم «المريخي» لريدلي سكوت ثم توجهت إلى الصين لتمثيل «الحائط العظيم» لزانيغ ييمو ومثلت هذا الفيلم بالطبع ولدي فيلم مع ألكسندر باين ثم فيلم مع جورج كلوني. هذا كثير لكني لا أشكو. أعتقد أنه عندما تأخذ على عاتقك الكثير من العمل تفعل ذلك لأنك تعتقد أنك تستطيع أن تقوم بذلك».
مات دامون لـ«الشرق الأوسط»: لم أتخيل يوماً أن أصبح بطلاً لأفلام {الأكشن}
بطل سلسلة جاسون بورن يتساءل عن مصير الأميركيين في عصر «الميديا» والتجسس
مات دامون لـ«الشرق الأوسط»: لم أتخيل يوماً أن أصبح بطلاً لأفلام {الأكشن}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة