لم يكن كيفين كارتر المصور الصحافي الجنوب أفريقي، يعلم أن الصورة التي التقطها في السودان أثناء فترة المجاعة التي فاز بها بجائزة «بوليتزر» الأميركية للصورة عام 1993، ستكون آخر أعماله قبل انتحاره بعدها بثلاثة أشهر، تاركًا رسالة انتحار قال فيها: «أنا آسف جدًا جدًا. لكن ألم الحياة يفوق متعتها بكثير، لدرجة أن المتعة أصبحت غير موجودة، أنا مكتئب، من دون جوال، مال للإيجار، مال لإعالة الطفل، تطاردني ذكريات حية من عمليات القتل والجثث والغضب والألم، لأطفال يتضورون جوعًا أو جرحى، من المجانين المولعين بإطلاق النار، أغلبهم من الشرطة، من الجلادين القتلة.. ذهبتُ للانضمام إلى كين إن كنت محظوظًا لتلك الدرجة».
وترصد الصورة التي التقطها طفلة صغيرة يظهر هيكلها العظمي واضحًا بسبب ما فعلته بها المجاعة التي تسببت بها الحرب الأهلية، وهي لم تعد قادرة على الوقوف، ووراءها نسر في انتظار وفاتها حتى يأكلها.
وانتظر كارتر 20 دقيقة آملاً أن يفرد النسر جناحيه من أجل أن يلتقط أفضل صورة ممكنة، لكنه لم يفعل.
ولا ينفصل التأثر بما تلتقطه عدسة المصور الصحافي عن أخلاقيات المهنة التي تدور في فلك جدلية، كيف يمكن تصوير العنف دون أن يصدم المشاهدين؟ حيث عادت مسألة التعامل الأخلاقي مع العنف إلى البروز خلال جائزة بايو لعام 2016، مع معرض عن حرب العصابات في اكابلكو، المدينة الأكثر خطورة في المكسيك، وفق منظمه الصحافي البلجيكي المعروف لوران فان در ستوكت، المعرض الذي يستمر حتى 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في كنيسة في بايو، تحذر لافتة من أن بعض الصور يمكن أن تكون صادمة، وهي صور يصعب عرضها في الصحافة الأوروبية.
وكان لوران فان در ستوكت قد فاز في عام 2012 بجائزة «فيزا الذهبية» عن فئة «نيوز» في مهرجان «فيزا الصورة»، عن قصته في دخول دمشق بسوريا، ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية تحقيقًا عن تلك الرحلة الشاقة، وقال ستوكت: «كان الدخول إلى دمشق والخروج منها عملية معقّدة تستغرق أسابيع. في سوريا نصل إلى لحظة يحس فيها المرافقون بانعدام التوازن مع مهماتهم».
وقبل سوريا، غطّى ستوكت حروبًا وصراعات كثيرة في العراق ويوغوسلافيا، وأفغانستان والشيشان، وحصدت أعماله أيضًا كثيرًا من الجوائز.
ويثار الجدل القاسي، حول المهنية في التقاط الصور ومعيار الإنسانية في التعامل مع مناطق النزاع، في كل سنة مع إعلان لجان التحكيم الخاصة بالجوائز العالمية للصور الصحافية، مثلما حدث في عام 2014، حيث منح الجمهور في بايو جائزته إلى المصور التركي أمين أوزمن لتحقيق مصور عن متطرفين يقومون بقطع رؤوس في سوريا، بعدما شكل التقرير موضع مناقشات حادة بين أعضاء لجنة التحكيم التي لم تمنحه جائزة.
ولكن النقاش لا يزال مستمرًا. ويقول الفرنسي باتريك شوفيل، المعروف في مجال التحقيقات المصورة، الذي كان يدير هذه الندوة، إن أمين أوزمن «كان على حق. لا يمكننا أن نقول إن (داعش) يقطع الرؤوس وعدم إظهار ذلك. هذا لا يخدم دعاية (داعش)، لا بل على العكس».
ويرى بعض المصورين أن الصور الخاصة برصد مناطق النزاع، قد تفقد مغزاها، وتؤدي إلى تأجج العنف، مثل المصور الكردي العراقي يونس محمد الذي شارك في أسبوع بعنوان «أخلاقيات المهنة على أرض الواقع» على هامش جائزة بايو للمراسلين الحربيين في شمال غربي فرنسا.
ويقول يونس محمد (44 عامًا): «شاهدت أطفالاً يلعبون لعبة التظاهر بقطع الرأس. هذا يطرح تساؤلات. من يستخدمون العنف يريدون أيضًا إبراز قوتهم وينتظرون مني مساعدتهم لترك أثر نفسي» على أعدائهم.
مصورو الحرب أمام جدلية رصد العنف والحفاظ على المهنية والإنسانية
مصورو الحرب أمام جدلية رصد العنف والحفاظ على المهنية والإنسانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة