الرقابة المسبقة على المسرح لا تزال معضلة تؤرق حياة المسرحيين في لبنان. وأملا في الانتهاء كليًا من القيود التي تحد من حرية الفنانين، ينطلق في بيروت اليوم لقاء كبير يشارك فيه نحو 15 فاعلا ثقافيًا من جميع أنحاء العالم، لمساندة قضية حرية التعبير. ومن المتوقع أن يتحدث وزير الثقافة روني عريجي، قبل عرض مسرحي للممثلة والكاتبة التونسية جليلة بكار مساء اليوم، يعلن فيه عن تبنيه مرسوم قانون سيتم تقديمه إلى مجلس النواب لإلغاء مرسوم سابق يفرض الرقابة، لتحرير حركة المسرحيين. لكن المسار الروتيني السياسي البطيء والمليء بالخلافات لا يبشر بالوصول إلى نتيجة سريعة.
وبالتالي فإن اللقاء الذي يبدأ اليوم في بيروت، ويستمر لأربعة أيام، مهم للدفع باتجاه تبني المرسوم بالسرعة الممكنة، وهو يتم بالشراكة مع «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» التي تجمع منظمات إقليمية ودولية عدة، وثمة أنشطة بالتزامن تنشط في التاريخ نفسه في دول عدة، تحت عنوان «حرية التعبير». و«الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» تضم تجمعًا من 500 مؤسسة ثقافية من 60 دولة، ومركزها الرئيسي بلجيكا، عملها يرتكز على تبادل المعلومات والتشبيك، من خلال لقاءات تعقد كل مرة في بلد مختلف. قد تكون هذه اللقاءات كبيرة تجمع ما يناهز 800 شخص، وقد تكون أصغر تقتصر على 5 أشخاص.
ورغم أن المسرح في لبنان يتمتع بحرية نسبية، فإن هذا المرسوم القديم الذي سمح بالرقابة قبل بدء العرض، وتم التصويت عليه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية يضع عقبات كثيرة أمام الفنانين. وتسأل المديرة التنفيذية للقاء جوليان عرب «عن القبول ببث تلفزيوني حر، بعيد عن الرقابة رغم أنه يدخل كل بيت، على مدار الساعة، فيما تخضع العروض المسرحية لأحكام مسبقة، ولمنع وحد من حريتها، رغم أن رواد المسرح عددهم محدود وهم يأتون بخيارهم الشخصي»، معتبرة أن القصد ليس التفلت، وإنما ترك الفنانين يعملون، وفي حال كان ثمة ما يزعج، فبمقدور المتضرر تقديم شكوى، وهذا أجدى. وتقول عرب: «إن هذا المرسوم أصبح مشكلة يجب حلها. فعرض الفرنسي أوليفيه بي، مدير مهرجان أفينون، الذي كان يفترض أن يعرض في بيروت للأطفال قبل مده، تم منعه لمن هم دون 18 سنة. أي أن مسرحية كانت تجوب في البلاد، وجدناها حين وصلت إلى بيروت، لا تستطيع أن تكون متاحة للجمهور الذي أتت من أجله».
وبدءًا من صباح اليوم، تفتتح سلسلة ندوات وجلسات نقاش تطرح مقاربات متنوعة ومتعددة تتمحور حول حرية التعبير وحول أشكال الرقابة المتعددة، كما سوف يتم التطرق إلى جوانب أخرى من العمل الثقافي كحرية تنقل الفنانين في المنطقة والسياسات الثقافية ودور التمويل في الحد أو في إطلاق العنان لحرية التعبير وإبداء الرأي.
والهدف هو الحوار حول إمكانية توسيع مساحة الحرية في وقت تعاني منه المنطقة، والتعبير الفني والثقافي بشكل خاص من ضغوطات سياسية ودينية وحتى اجتماعية.
برنامج اليوم حافل، إذ تعقد جلسة افتتاحية تقدم فيها شهادات وآراء حول حرية التعبير، تشارك فيها الممثلة والكاتبة المسرحية التونسية جليلة بكار، والناشطة المصرية بسمة الحسيني، والروائي والصحافي اللبناني حسن داود، والممثلة اللبنانية كارول عبود، وتومس أنجل من المعهد الدولي للمسرح في ألمانيا، وعادل السعدني من المغرب، ويدير الجلسة الأكاديمي والباحث السوري حسّان عباس.
كما يتضمن اليوم لقاء مع الفنان المسرحي اللبناني لوسيان بورجيلي الذي له باع طويل مع الرقابة، ومنعت له مسرحيتان، إحداهما «بتقطع ما بتقطع» التي سيقدم مقاطع منها. وهناك جلسة حول «السياسات الثقافية والتعاون الدولي في العالم العربي»، يتحدث خلالها السوري عبد الله الكفري، الجزائري عمار كساب، من «بنك التنمية الأفريقي»، والمحامي محمود عثمان من مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مصر، ومحمد الدراجي، من «المركز العراقي للفيلم المستقل»، ومحمد الأمين مومين، من «المركز الثقافي مولاي رشيد» - جامعة حسن الثاني، المغرب، ونادية فون مالتزاهان، من «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية»، في لبنان. وتدير الجلسة رنا يازجي من «المورد الثقافي» في لبنان.
الجلسات تستمر حتى المساء، وهي متنوعة، حيث هناك لقاء مع فنانين، يتحدثون عن مشاريع حالية لهم، يعطى لكل منهم ثماني دقائق، وجلسة عن «استعادة الحيز العام» الذي بدأ يضيق ويتم اختلاسه من أيدي المواطنين، ويشارك في الجلسة فنانون ومعماريون، ويديرها الزميل والناقد بيار أبي صعب. وكذلك جلسة مع نضال الأشقر، مؤسسة ومديرة مسرح المدينة للتعريف بالمسرح ونشاطاته المرتقبة.
ومساء تقدم التونسية جليلة بكار مسرحية تتحدث عن العنف الذي رافق الربيع العربي، ولا يزال في تصاعد، هذا عدا الهروب في المراكب إلى الجهة الأخرى من المتوسط، وهو عنف آخر، وانتحار ذاتي.
وخلال أربعة أيام تستمر اللقاءات والحوارات والعروض، وثمة جلسة لا بد أنها ستكون شائقة وحساسة في اليوم الثاني عن التمويل هل هو صديق أم عدو لحرية الفنون؟ خصوصا في ظل التمويلات الأجنبية المتزايدة للأنشطة الثقافية في العالم العربي، وجلسة في اليوم الثالث عن تجوال الفنانين في العالم العربي، هل يمكن للشبكات أن تكسر هذه العقبة؟ وغيرها عن «التحالفات بين الفنون».
وهناك خلال الأيام المقبلة عرض لمسرحية «مساحات دموعنا» لفرقة كهربا. «والكرفانة»، وهو من عروض الشارع. وكذلك «جوغينغ»، وهو عمل قيد التطوير للمسرحية حنان الحاج علي.
أربعة أيام حافلة ستكون مهمة لكل المعنيين بالفن الأدائي وحرية التعبير في لبنان والمنطقة، خصوصا أن هذه الأنشطة تم دعمها من قبل «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة»، بناء على طلب من فنانين لبنانيين، وبدأ التحضير له منذ عدة سنوات.
لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة
تستضيفه بيروت بالشراكة مع «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة»
لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة