علقت واشنطن، أمس، مفاوضاتها مع موسكو بشأن إعادة تفعيل وقف إطلاق النار الفاشل في سوريا وتشكيل خلية عسكرية مشتركة لاستهداف المتشددين، في الوقت الذي تبحث فيه الإدارة الأميركية عن خيارات وسيناريوهات للتعامل مع الأزمة السورية التي تزداد سوءا.
وقالت الولايات المتحدة إنها ستوقف المباحثات مع روسيا في مسعى لإنهاء العنف في سوريا، واتهمت موسكو بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. ودافع البيت الأبيض، أمس، عن قراره تعليق محادثاته مع روسيا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا متهما موسكو بمحاولة «إخضاع» المدنيين من خلال قصفهم.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، قوله: «لقد نفد صبر الجميع من روسيا». وقال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية: «لم يتم اتخاذ هذا القرار بسهولة»، متهما روسيا وحليفتها سوريا بتصعيد الهجمات على مناطق المدنيين.
وكان الرئيس أوباما قد أعلن الأسبوع الماضي أنه طالب الوكالات الأميركية بوضع خيارات حول التعامل مع الأزمة السورية، بعد فشل الجهود الدبلوماسية وتعنت النظام السوري ومراوغة روسيا في تنفيذ الاتفاق الذي وقعته مع واشنطن لهدنة لوقف إطلاق النار.
والخيارات المطروحة على طاولة الرئيس الأميركي تتضمن – وفقا لعدة مصادر أميركية مطلعة - قائمة من الخيارات تشمل الاستمرار في الضغط الدبلوماسي على روسيا للالتزام بتعهداتها، مع اتباع سياسة العصا والجزرة في التلويح والتهديد بقطع التعاون حول سوريا، والترغيب بإمكانيات التعاون والتنسيق المشترك، وهو سيناريو يعارضه مسؤولو البنتاغون الذين يرون أن روسيا تتلاعب وتراوغ في تعاملاتها مع واشنطن وأن تدخلاتها لا يمكن الصمت عنها وأنها تمثل تحديا سافرا للولايات المتحدة.
ويقول محللون إن تهديد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بقطع الاتصالات الثنائية مع روسيا لم تجد صدى كبيرا في موسكو، بل على العكس أوضحت عدة تقارير صحافية تسارع الحملات الجوية التي قامت بها روسيا خلال الأيام الماضية.
ويشمل الخيار الثاني تدخلا عسكريا بدعم من قوات العمليات الخاصة، وتحديد أهداف محددة في حلب على أن تتم تلك الضربات بقوات أميركية منفردة أو بالتعاون مع قوات التحالف الدولي لمكافحة «داعش». وتشمل الخيارات أيضا قصف قاعدة جوية سورية بعيدا عن دائرة الصراع بين قوات الأسد وقوات المعارضة السورية في الشمال. ويعد خيار توجيه ضربات عسكرية الأكثر دراماتيكية والأقل احتمالا أيضا، وهو السيناريو الذي يجد معارضة من البيت الأبيض. لكن إدارة أوباما تريد الظهور بأنها تدرس الخيارات العسكرية لسوريا أو على الأقل تحاول إرسال إشارات لروسيا أن القوة العسكرية خيار مطروح على الطاولة.
وأشارت تقارير إلى حلول عسكرية قدمتها وزارة الدفاع الأميركي تشمل نشرا إضافيا للقوات الأميركية البحرية والقوات الجوية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع وجود حاملة طائرات فرنسية بالفعل في طريقها للمنطقة.
ويظل خيار إقامة منطقة آمنة، أو منطقة حظر طيران، أو منطقة خالية من «داعش» لحماية المدنيين، أحد الخيارات المطروحة منذ فترة طويلة، لكن البيت الأبيض رفض على مدى شهور مناقشة هذا الخيار لما يتضمنه من مخاطر حماية هذه المنطقة بالقوة العسكرية، حيث يتطلب إقامة جسر جوي للمساعدات الإنسانية مرافقة الطائرات الحربية الأميركية للمساعدات وهو ما ينطوي على مخاطرة كبيرة.
وتتمحور بعض الخيارات في تقديم مزيد من المساعدات الإنسانية للسوريين، وقد أعلنت واشنطن بالفعل عن تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية الأسبوع الماضي.
عسكريا، يبدو أحد الخيارات المطروحة هو المزيد من التسليح لقوات المعارضة السورية، وهو ما يلقى بعض القبول لدى الإدارة الأميركية، لكن بعض مسؤولي الإدارة لا يريدون المخاطرة بإرسال أنظمة عسكرية هجومية حديثة للمعارضة السورية خوفا من وقوع تلك الأسلحة في أيدي الجماعات الإرهابية وإغراق أسواق السلاح السوداء بهذه الأسلحة الأميركية الحديثة. ويندرج تحت هذا الخيار إرسال مزيد من قوات العمليات الخاصة الأميركية لتدريب وتقديم المشورة للجماعات الكردية التي تقاتل «داعش».
في الوقت نفسه، لم تعترض الإدارة الأميركية على قيام دول حليفة للمعارضة السورية بتقديم أسلحة وأنظمة عسكرية مضادة للطائرات محمولة على الكتف لقوات المعارضة، واكتفت بتصريحات تشير إلى المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع، لكنها استخدمت هذه الورقة في محاولة للضغط على روسيا وتحذيرها من وقوف دول في منطقة الشرق الأوسط ضدها وضد تصرفاتها في سوريا.
وفيما يظل خيار الاستمرار في الجهود الدبلوماسية والتفاوض مع دول مجموعة دعم سوريا وعقد اللقاءات والمشاورات، هو الخيار الأمثل للإدارة الأميركية، مع محاولة فرض مزيد من الضغوط على روسيا وبعض الدول في مجموعة دعم سوريا.
وإحدى أدوات الضغط على روسيا – كما يقول مسؤول أميركي لـ«لشرق الأوسط» - هي خطة قدمت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقق للنظام الروسي فوزا نظيفا وتضمن الإبقاء على النفوذ الروسي في المنطقة، وتتضمن عدم تغيير النظام السوري، وهو الخط الأحمر الذي تمسك به بوتين، وتشمل تعزيز وضع روسيا كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط وتقديم التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية، وتقليص التكاليف الباهظة للتدخل العسكري الروسي في سوريا وضمان حصول روسيا على قاعدة على البحر المتوسط.
ورغم الجزرة الكبيرة التي تقدمها واشنطن لموسكو، فإن الأخيرة تتمسك بموقف متعنت وتطالب بسحب مشروع قانون في الكونغرس يفرض عقوبات على سوريا.
ويقول محللون إن البيت الأبيض يضغط على القادة الديمقراطيين في الكونغرس لتأخير إصدار مشروع قانون يفرض عقوبات على النظام السوري في محاولة إيجاد طريق للضغط على روسيا.
وتقف مجموعة المدافعين عن المضي في بحث حلول دبلوماسية وسياسية في سوريا ضد التدخل العسكري، مشيرين إلى أن التدخل العسكري الأميركي في سوريا سيكون خطأ فادحا، ولن يدفع سوريا نحو السلام والاستقرار بل سيقود إلى حرب تكلف غاليا. وتشير مجموعة المعارضين للحل العسكري إلى أن التورط في حرب برية سيكون كارثيا مع عدم القدرة على الاعتماد على حلفاء موثوق بهم إضافة إلى عدم وجود دعم لدى الرأي العام الأميركي للتورط في حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط بعد حرب العراق، وفوق ذلك فإن نتاج الدخول في حرب عسكرية في سوريا غير مضمونة نتائجه الإيجابية.
وكان أنتوني بلينكن نائب وزير الخارجية، قد أشار إلى أن القوة العسكرية ليست خيارا مطروحا على طاولة الرئيس أوباما. وشدد البيت الأبيض على أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا.
ويدلل المدافعون عن الحلول الدبلوماسية بضرورة الاستفادة من دروس التدخل الأميركي للإطاحة بصدام حسين في العراق، ومساندة تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط مع إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا وما خلفه من فوضى. ويقولون: «من السذاجة أن ندعي أننا يمكن أن نكون واثقين أن التدخل العسكري في سوريا هو المفتاح لاستعادة السلام في سوريا».
ويقول فيليب جوردن الذي عمل مستشارا لشؤون الشرق الأوسط خلال ولاية أوباما الأولى، إن إدارة أوباما تحاول إقناع روسيا بالتكلفة العالية للحرب ليس على السوريين فقط وإنما على روسيا نفسها.
ويستبعد الباحث السياسي أندرو تابلر أن تقدم إدارة أوباما على حلول فعالة خلال الأسابيع المتبقية من ولايته، وأكد أن الأزمة السورية ستكون أكبر علامة سوداء في إرث أوباما وسجله في مجال السياسة الخارجية.
واشنطن تعلق تعاونها مع موسكو في سوريا.. والبيت الأبيض «صبره نفد»
6 خيارات أساسية على طاولة أوباما للتعامل مع الأزمة السورية
واشنطن تعلق تعاونها مع موسكو في سوريا.. والبيت الأبيض «صبره نفد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة