أولويات باريس في سوريا: ترميم وقف النار مع إيجاد آلية رقابة جماعية

فرنسا تسعى لاستخدام مجلس الأمن «منصة» للضغط على روسيا

سوري يحمل ابنه هربا من القصف الذي تعرضت له كفر باطنا شرق الغوطة أمس (أ.ف.ب)
سوري يحمل ابنه هربا من القصف الذي تعرضت له كفر باطنا شرق الغوطة أمس (أ.ف.ب)
TT

أولويات باريس في سوريا: ترميم وقف النار مع إيجاد آلية رقابة جماعية

سوري يحمل ابنه هربا من القصف الذي تعرضت له كفر باطنا شرق الغوطة أمس (أ.ف.ب)
سوري يحمل ابنه هربا من القصف الذي تعرضت له كفر باطنا شرق الغوطة أمس (أ.ف.ب)

ينطبق على باريس في الملف السوري القول المأثور: «العين بصيرة واليد قصيرة»، ويمكن استكماله بإضافة أن لباريس كثيرا من الأفكار والمشاريع ولكن قليل من الوسائل التي تمكنها من وضعها موضع التنفيذ.
يشتمل التحرك الفرنسي على شقين: الأول عسكري والثاني دبلوماسي - سياسي. ففي الشق الأول حيث التركيز على محاربة «داعش» في سوريا والعراق معا وفي إطار عمل التحالف الدولي، باشرت حاملة الطائرات شارل ديغول التي وصلت مؤخرا إلى مياه شرق المتوسط مهماتها الخاصة بعمليات الاستطلاع والقصف فوق سوريا والعراق. بموازاة ذلك، أصبحت مجموعات المدفعية الثلاث من طراز «كايزر» التي يزيد مداها على أربعين كلم منصوبة وجاهزة للعمل في معركة تحرير الموصل وقد ركزت في مواقع سيطرة البيشمركة الكردية العراقية. وتريد باريس، إلى جانب تواجد مجموعات من رجال الكوماندوس في البلدين، المساهمة في الحرب على التنظيمات الإرهابية انطلاقا من مبدأ أنه من الأفضل محاربتها في سوريا والعراق على محاربتها في شوارع باريس أو المدن الفرنسية الأخرى.
بيد أن الأزمة السورية لا تختصرها الحرب على «داعش» و«النصرة». ورغم فائدة المساهمة الفرنسية المشار إليها، فإن تأثيرها يبقى هامشيا بالنظر لمساهمة قوى أخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وما يصح على الجانب العسكري ينطبق كذلك على الشق الدبلوماسي – السياسي؛ حيث الدور الفرنسي «ثانوي» إلى درجة أن وزير الخارجية جان مارك إيرولت «اشتكى» من أن بلاده تجهل مضمون الاتفاق الأميركي - الروسي الذي توصل إليه الوزيران كيري ولافروف في جنيف في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، في إطار «ثنائية» تهمش الأطراف الدولية والإقليمية. وواضح أن هذه الوضعية لا ترضي فرنسا الساعية للمحافظة على «بعض» الحرية في التحرك والمبادرة استنادا إلى ما تبقى لها من أوراق، وأولها وضعها بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي تسعى لاستغلالها.
تقول الأوساط الفرنسية إن أهداف باريس لا تختلف عما يريده الآخرون في سوريا، وهي ثلاثة: وقف عمليات القصف والدمار، خصوصا في حلب، واستعجال إيصال المساعدات الإنسانية، وأخيرا تسهيل العودة إلى المفاوضات من أجل الحل السياسي. لكن لباريس ملاحظات كثيرة على «الأداء» الأميركي «الضعيف» وهي تعتبر أن الثنائية الأميركية - الروسية التي توصلت إلى اتفاق وقف النار الشهر الماضي «ليست الإطار الأمثل» لضمان العمل به، خصوصا أنه يفتقد لـ«آلية للرقابة» على احترام الهدنة. من هنا، فإن فرنسا تسعى في إطار مجلس الأمن الدولي إلى استصدار قرار جديد «يسد النواقص» التي وضعت الإصبع عليها.
تعي باريس أن أي قرار لن يصدر عن مجلس الأمن إذا عارضته روسيا، التي استخدمت حق النقض «الفيتو» كثيرا لإجهاض قرارات تدين النظام السوري، الذي توفر له المظلة الدولية، كالدعم العسكري. لذا، فإن دبلوماسيتها، كما أعلن الوزير إيرولت، تسعى مع الدول دائمة العضوية، إلى قرار «يفرض» وقف النار في حلب. ويرى الوزير الفرنسي أن أي دولة تعارض مثل هذا القرار يمكن أن تعتبر «متواطئة على ارتكاب جرائم حرب». إضافة إلى ذلك، تريد باريس أن ينص القرار العتيد على «آلية» جماعية «وليس فقط أميركية - روسية شبيهة بالخلية المشتركة المولجة بالتنسيق، التي مركزها جنيف» لمراقبة الهدنة غير الموجودة ميدانيا على الأرض. ووفق القراءة الفرنسية، فإن غياب هذه الآلية هو السبب الأول لتداعي وقف الأعمال العدائية. وفي السياق الأممي، تشدد باريس على ضرورة عدم ترك استخدام السلاح الكيماوي من غير رادع أو عقاب، ولذلك فإنها تريد من مجلس الأمن أن يدين استخدام هذا السلاح، استنادا لخلاصات التقرير الأخير الذي توصلت إليه لجنتان دوليتان وأن ينقل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبار أن النظام السوري هو المسؤول عن اللجوء إلى السلاح الكيماوي.
تعتبر المصادر الفرنسية أن مجلس الأمن يمكن أن يكون «واسطة الضغط» على روسيا لدفعها للتحرك من أجل احترام الهدنة وما يمكن أن يستتبعها. لكن المعضلة أن مجلس الأمن مكبل والوصول إلى الإجماع «بمعنى تسهيل تمرير القرارات الجديدة» يفترض «تخفيف» مضمونها بما يتلاءم مع القراءة الروسية. وإذا سارت الأمور في هذا السياق، ستكون الخلاصة تفريغ القرار المنتظر من مضمونه؛ ما ينزع عنه أي فائدة.
في أي حال، ورغم رغبة باريس في استخدام «منصة» الأمم المتحدة، فإن مصادرها تعتقد أن النظام ومعه روسيا وإيران «اختاروا الحل العسكري» وأن الرد على ذلك يستوجب موقفا أميركيا «حازما» لم تبرز بوادره حتى الآن. وقالت مصادر فرنسية رسمية، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن موقفا كهذا «لا يمكن توقعه من إدارة الرئيس أوباما قبل أقل من خمسين يوما على الانتخابات الرئاسية والتشريعية»، وبالتالي فإن «الخيارات» الأميركية ستتجه على الأرجح نحو «غض النظر» عن تسليح المعارضة مع إعادة طرح فكرة منطقة حظر الطيران التي يبدو تحقيقها أكثر صعوبة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».