قدم حافظ غانم، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط، صورة كاملة عن التغيرات التي يجريها البنك الدولي لمساعدة الدول التي تشهد حروبا وصراعات ونزاعات. وشرح المشروعات التي يقدمها البنك لمساعدة كل من لبنان والأردن في تحمل أعباء استضافة آلاف اللاجئين السوريين، لافتا النظر إلى توفير التعليم الجيد للأطفال بشكل عام، ولأطفال اللاجئين بصفة خاصة، مطالبا بتحسين نوعية وكفاءة منظومة التعليم في منطقة الشرق الأوسط لمكافحة البطالة وعدم توافر فرص عمل.
إلى ذلك، أكد غانم في حواره مع «الشرق الأوسط» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قدرة المجتمع الدولي على القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030. وشدد غانم بشكل خاص على أهمية إدماج المرأة اقتصاديا في سوق العمل، باعتبار ذلك خطوة تسهم في تعزيز الطبقة المتوسطة وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني. وأشاد نائب رئيس البنك الدولي بـ«رؤية المملكة 2030»، وباتجاه دول الخليج لإجراء إصلاحات هيكلية لتقليل الاعتماد على النفط، مشيرا إلى أنه رغم السلبيات الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، فإن الخطة الطموحة للمملكة بما تحويه من إصلاحات اقتصادية تعد جانبا إيجابيا من الصورة السلبية لانخفاض الأسعار.
* وفقا لإحصاءات المنظمات الدولية، فإن البلدان المتوسطة الدخل في منطقة الشرق الأوسط تستضيف 6 ملايين لاجئ، وتواجه صعوبات اقتصادية، ما هو برنامج التمويل الميسر الذي طرحه البنك الدولي لمساعدة الدول المستضيفة للاجئين؟
- نحن نحاول أن نساعد الدول المستضيفة للاجئين. وأكثر الدول التي تأثرت بأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين هما لبنان والأردن، وهما من الدول متوسطة الدخل، ونساعد البلدين من خلال تقديم تمويل من البنك الدولي لفترة 25 سنة بفائدة 2 في المائة لمواجهة أعباء استضافة اللاجئين اقتصاديا. هذه الدول تقدم خدمة للمجتمع الدولي كله، إضافة إلى خدمة اللاجئين. لذا؛ نحاول مساعدتها من خلال برامج جديدة تدعى برامج التمويل الميسر، فبدلا من تمويلهم بسعر فائدة للدول متوسطة الدخل، يتم تمويلهم بسعر فائدة صفر تقريبا، وهو الأسلوب المستخدم في تمويل الدول الأكثر فقرا. أما نوعية المشروعات، فهي مشروعات تنموية لمساعدة المجتمعات المضيفة.
وسيناقش البنك الدولي في السابع والعشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي مشروعات بتمويل ميسر لكل من لبنان والأردن. أحد هذه المشروعات هو مشروع تعليم في لبنان لبناء مدارس، وتحسين منظومة التعليم بما يفيد الطلبة اللبنانيين واللاجئين السوريين أيضا. والمشروع الآخر يتعلق بزيادة العمالة في الأردن وتمويل مناطق اقتصادية خاصة بهدف التصدير لأوروبا، وتمويل مشروعات لزيادة العمالة الإنتاجية والفكر.
* منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعات ونزاعات وحروبا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، إضافة إلى التهديد الإرهابي من جماعات متشددة مثل «داعش»، فما المساعدة التي يقدمها البنك للتحقيق الاستقرار والسلام؟
- ما نقوم به من مشروعات في الدول التي تشهد نزاعات وصراعات هو نموذج جديد في عمل البنك الدولي. ففي الماضي، كانت مجموعة البنك الدولي تنتظر حتى انتهاء الصراع لتقوم بمهام الإنشاء وإعادة التعمير في الدول المتضررة. والآن أصبح الاتجاه هو عدم الانتظار حتى انتهاء الصراعات؛ لأن الصراعات تدوم لفترات طويلة، فالصراع السوري مستمر منذ خمس سنوات على سبيل المثال. وعندما يطول الصراع، تصبح التداعيات الإنسانية كبيرة، وأيضا التأثيرات التنموية على المدى الطويل؛ لذا قرر البنك الدولي عدم الانتظار والبحث عن طرق لمساعدة الدول خلال الصراع.
هناك على سبيل المثال صراعات في اليمن وأيضا في العراق، إلا أن الموقف مختلف في كلا البلدين. والبنك الدولي يعمل منذ سنوات لمساعدة الشعب اليمني، وسنظل نقدم لهم المساعدة في اليمن ونقوم حاليا بتمويل مشروعين، الأول هو مشروع لتطعيم الأطفال ضد شلل الأطفال، وآخر صحي، ونعمل من خلال منظمات مثل اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية. وقد تم اعتماد منح بمبلغ 50 مليون دولار لليمن مع الصندوق الاجتماعي اليمني، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية. وهناك مشروعات لمنح بإجمالي 120 مليون دولار لمساعدة اليمن في مشروعات للصحة والأطفال. وهذه أول مرة في تاريخ البنك أن ندخل للمساعدة في أثناء الصراع. وكنت أتوقع معارضة من بعض الدول الأعضاء في البنك، لكن وجدنا إجماعا من الدول كافة لتشجيع مساعدة الشعوب أثناء الصراعات دون انتظار.
أما في العراق، فهناك صراع، لكن الحكومة العراقية تملك السيطرة على معظم الأراضي، ونعمل مع الحكومة العراقية على ثلاثة محاور. يركز المحور الأول على تمويل مشروعات إعادة بناء وإعادة إعمار المناطق المحررة من «داعش»، وتمويل مشروعات لإعادة إعمار في مناطق تحررت ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر من «داعش». وبعد خروج «داعش» تعاني المناطق من انهيار البنية التحتية، وعدم وجود مدارس أو مستشفيات.. لذا؛ يتدخل البنك الدولي بشكل سريع حاليا لتوفير مشروعات تنموية تخدم تلك المناطق.
أما المحور الثاني، فيتركز في المناطق التي لا تشهد حربا أو صراعا، لكننا نساعد الحكومة العراقية في تحسين الخدمات في أماكن مثل البصرة وأربيل. ونعمل مع السلطات المحلية من خلال السلطات المركزية.
والمحور الثالث يتعلق بمساعدة الحكومة المركزية في مجال ضبط أوضاع الموازنة العامة، فالحكومة العراقية لديها مسؤوليات مالية لمواجهة تكاليف الصراع، ومع انخفاض أسعار النفط أصبح هناك عجز كبير في الموازنة؛ لذا نساعدهم في تمويل العجز.
* خلال الصراعات، تنخفض القدرة على توفير التعليم للأطفال، ويعد ذلك من المشكلات المتفاقمة، هل يشكل عدم توافر التعليم لأعداد كبيرة من الأطفال قنبلة موقوتة في المنطقة العربية؟
- هذا صحيح، وهذا هو سبب الاهتمام بتمويل مشروعات تعليم؛ لأنه من حق كل طفل أن يتعلم، وأكثر الأشياء المؤسفة أن نصف أطفال اللاجئين لا يذهبون إلى المدارس. لكن مشكلة التعليم في المنطقة العربية بأسرها عميقة وخطيرة، ولا بد من إيجاد حلول لها. لدينا مشكلة في كفاءة وجودة التعليم والمناهج التي تقادمت ولم تعد صالحة للقرن الحادي والعشرين. وهذا النوع من التعليم لا يساعد الشباب على الحصول على فرص عمل. وفي كل الامتحانات الدولية، خصوصا العلوم والرياضيات، يعجز الطلبة العرب على اجتياز المستوى المتوسط، وتتراجع لديهم مهارات القدرة على التفكير الإبداعي والتواصل والعمل التعاوني.
ولا يعود الأمر إلى انخفاض أو تقصير في ميزانية التعليم في الدول العربية، بل على العكس، تتقارب ميزانية التعليم الحكومي والأهلي مع مستويات الإنفاق على التعليم وميزانيات التعليم في الدول الأوروبية. والمشكلة ليست قلة موارد، وإنما هي مشكلة أعمق، وتتطلب إصلاح المنظومة التعليمية بأكملها. على سبيل المثال، تونس من أحسن النظم التعليمية في المنطقة، لكن هناك 30 في المائة من خريجي الجامعات يعانون البطالة. لذا؛ فإن المشكلة ليست انخفاض معدلات النمو، بينما تتعلق بحصول الشباب على تعليم وشهادات دون أن يكون ذلك التعليم مؤهلا لتلبية متطلبات سوق العمل من علوم ورياضيات ولغات ومهارات.
* منذ نشأة البنك الدولي وهو يرفع شعار مكافحة الفقر، ويعد القضاء على الفقر من أبرز الأهداف الإنمائية، هل يمكن بالفعل القضاء نهائيا على الفقر، ومتى يتحقق ذلك؟
- نعم، لدينا هدف القضاء على الفقر «المدقع»، وتعريفه هو دخل أقل من اثنين دولار يوميا، وهدفنا القضاء عليه في 2030. وقد نجحنا بالفعل في خفض معدلات الفقر بمعدل 50 في المائة خلال السنوات العشر الماضية. وهذا نتيجة النمو الاقتصادي الذي حدث في كل من الصين والهند بصفة خاصة؛ لأن أكبر أعداد للفقر في العالم كانت في هذين البلدين.
وليست هناك مشكلة لدى الدول العربية فيما يتعلق بالفقر المدقع، لكن هناك مشكلة فيما يتعلق بالفقر النسبي، وأغلب المشكلة هي التهميش؛ لذا هناك أعداد كبيرة قريبة من خط الفقر. وليس كافيا في الدول العربية تحقيق نمو سريع، والأهم هو تحقيق عدالة اجتماعية ونمو شامل تصل نتائجه إلى كل الأفراد. رأينا نموا في الدول العربية، لكن لم تصل نتائجه للطبقات المتوسطة والفقيرة.
والقضاء على الفقر المدقع تحد كبير، لكنه ليس مستحيلا. وإذا استمررنا في المشروعات في الدول الأكثر فقرا، سنصل إلى القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030. وكما تقول كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، فإننا اليوم أكثر من أي وقت مضى أكثر قربا وارتباطا، ولو حدثت صدمة في أي بلد صغيرة، فإن تأثيراتها تمتد للاقتصاد العالمي بأكمله. ولذا؛ علينا بصفتنا مجتمعا دوليا مترابطا العمل للقضاء على الفقر، وبالفعل هناك إجماع دولي حول هذا الهدف.
* تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات تتعلق بالبطالة وإيجاد فرص عمل، إضافة إلى عراقيل تواجه إدماج ومشاركة المرأة اقتصادية. فما هي أهمية إدماج المرأة اقتصاديا، وماذا يقدمه البنك الدولي من مساعدة في هذا المجال؟
- موضوع إدماج المرأة اقتصاديا من أهم القضايا في المنطقة، فهناك مساواة بين الشاب والفتاة في تلقي التعليم في جميع مراحله، ولكن بعد تلقي التعليم الجامعي هناك 75 في المائة من الإناث العربيات اللاتي لا تدخلن سوق العمل. ومعدل دخول سوق العمل للإناث هو 25 في المائة فقط، وهي أقل نسبة في جميع أنحاء العالم وأقل من الدول الأفريقية. ليس هذا فقط، بل هناك مشكلة أخرى، وهي أنه من بين نسبة الـ25 في المائة من الداخلات إلى سوق العمل، يصل معدل البطالة بين السيدات المتعلمات إلى ما بين 35 و40 في المائة. وثالث مشكلة، أن العائد المادي للمرأة العاملة أقل 30 في المائة من نظرائهن الرجال في الوظيفة نفسها والمهام نفسها.
وعدم إدماج المرأة اقتصاديا هي مشكلة اجتماعية واقتصادية، توثر في البناء الاجتماعي للدولة وعلى حجم الطبقة المتوسطة في هذا المجتمع، وهي الطبقة التي تضطلع بقيادة المجتمع. ولا بد أن تهتم الحكومات بكيفية تنمية الطبقة المتوسطة. ففي كل الدول، تتكون الطبقة المتوسطة من رجل وامرأة والاثنان يعملان. والاكتفاء في الدول العربية بعمل الرجل فقط يتسبب في مشكلة اقتصادية؛ لأن العائد المادي لن يكون كافيا. وعمل المرأة شيء أساسي لتنمية الطبقة المتوسطة وتنمية الاقتصاد الوطني.
وما نحاول عمله في البنك الدولي، هو تنفيذ مشروعات تعليمية بالتعاون مع الحكومات. والنقطة الثانية، فهي توفير وزيادة فرص العمل للشباب بصفة عامة وبالتالي للنساء، وتنفيذ برامج لتقديم التدريب والنصيحة ومشروعات تستهدف المرأة بشكل خاص. ومسألة إدماج المرأة اقتصاديا ليس من منطلق الرفاهية أو تقليد الدول الغربية، وإنما يشكل تحديا أساسيا للنمو الاقتصادي في أي بلد.
* ما توقعاتكم لتأثير استمرار أسعار النفط المنخفضة على المديين المتوسط والطويل لدول الخليج؟
- التأثير الأول لانخفاض أسعار النفط هو انخفاض معدلات النمو داخل دول منطقة الخليج، وهي بالطبع تؤثر في سائر المنطقة. فهناك عمالة أردنية ومصرية كبيرة تعمل في دول الخليج؛ لذا فإن الانخفاض في أسعار النفط يؤثر في العمالة ويؤثر أيضا في الشركات الخليجية التي تستثمر في الدول الأخرى. لذا يؤثر انخفاض أسعار النفط في الاستثمار. من جانب آخر، فإن دول الخليج تقدم معونات للدول الأخرى، وبالتالي ستنخفض قدرات تقديم تلك المساعدات.
ومن وجهة نظري، فإن انخفاض سعر النفط له تأثير سلبي لا شك فيه، في دول الخليج، لكن أيضا له تأثير إيجابي في أنه دفع عددا من دول المنطق، أبرزها المملكة العربية السعودية، إلى طرح رؤية طموحة لعام 2030، تتضمن إصلاحات طموحة وخططا لإعادة هيكلة الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على عوائد النفط، وتنويع الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص. وهي كلها أمور إيجابية نأمل أن تحقق وتكلل بالنجاح. ولذا؛ أعتقد أن الجانب الإيجابي من أزمة انخفاض أسعار النفط هو اتجاه معظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى تقليل الاعتماد على النفط وإجراء إصلاحات اقتصادية مهمة.
وإذا نظرنا إلى انخفاض سعر النفط على أنه حافز لتحقيق إصلاحات في الدول على المدى المتوسط، فإن الاقتصاد سيحقق نموا أكبرا ويخلق فرص عمل أفضل وتأثيرا إيجابيا. وحكومات الخليج بدأت بالفعل في تحقيق إصلاحات اقتصادية مهمة.
* حصلت مصر على الجزء الأول من قرض البنك الدولي بمبلغ مليار دولار من إجمالي اتفاق قرض 3 مليارات على ثلاث سنوات لضبط أوضاع المالية العامة، ما تفاصيل هذه الشراكة، ومتى ستحصل مصر على الجزء الثاني، ووفق أي شروط؟
- الاتفاق من حيث المبدأ مع الحكومة المصرية هو قرض لمدة ثلاث سنوات، حيث يقدم البنك مليار دولار كل عام لدعم الميزانية ونصف مليار لمشروعات إنمائية وفائدة القرض أقل من 1.7 في المائة على مدى خمسة وعشرين عاما، مع فترة سبع سنوات سماح.
وفي كل عام، لا بد من اجتماع بين الجانبين للاتفاق على مكونات القرض، وأين ستذهب الأموال، وتتم معرفة المشروعات التي ترغب الحكومة المصرية في تنفيذها. ويوافق البنك على التعاون في تنفيذها.
ولدينا هدفان مهمان في القرض الخاص بمصر، الأول هو زيادة الطلب على العمالة، والثاني هو تنفيذ مشروعات تؤدي إلى زيادة العدالة الاجتماعية. ولدينا برامج في مصر مثل «تكافل» و«كرامة» وتنمية الصعيد، ونمول مشروع الإسكان الشعبي ومشروعات الصرف الصحي ومحاربة الفقر.
وفي كل عام، نقوم بتقييم المشروعات التي تم إنجازها، وننظر في المشروعات المقبلة. وهناك بالفعل مشروطية ومطالب واشتراطات يضعها البنك، فلا يوجد بنك لا يضع شروطا، نحن نسأل ما المشروعات التي تريد الحكومة المصرية القيام بها، ونركز مع الحكومة المصرية على المشروعات التنموية. وبعض أهدافها هي أهدافنا أيضا.
وعندما يصل الوفد المصري إلى الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك، التي تبدأ في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ستتم مناقشة تقديم الشريحة الثانية بمبلغ مليار دولار.
نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط: سنقضي على الفقر بحلول 2030
حافظ غانم لـ «الشرق الأوسط»: لن ننتظر انتهاء الصراعات.. ونمول مشروعات في اليمن والعراق
نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط: سنقضي على الفقر بحلول 2030
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة