بعد الخسارة التاريخية للحزب الديمقراطي المسيحي في ولاية ميكلنبورغ فوربومرن، تلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الطعنات من كل جانب، لكنها لم تستغرب طعنة الاتحاد الاجتماعي المسيحي «الشقيق» بسؤال: «حتى أنت يا زيهوفر؟!».
وبعد الهزيمة انتقد زيهوفر سياسية ميركل بشدة، وقال في تصريحات لصحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية في عددها الصادر أمس: «إن الوضع بالنسبة للاتحاد المسيحي يعد خطيرا لأقصى درجة».
جدير بالذكر أن زيهوفر هو رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا، وهو الحزب الشريك لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي في الاتحاد المسيحي الذي تتزعمه. ويكوِّن الاتحاد مع الحزب الاشتراكي ما يسمى بالائتلاف الحاكم في ألمانيا.
تعمقت الخلافات داخل التحالف الحكومي بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي بسبب تفوق حزب البديل لألمانيا في هذه الولاية الشرقية، وزادت الانتقادات على نحو خطر من قبل الحزب البافاري الشقيق (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، ووجدت أحزاب المعارضة الصغيرة، مثل حزب الخضر وحزب اليسار، الفرصة سانحة للانتقاص من سياسة الحكومة، رغم أن هذين الحزبين يؤيدان «بتحفظ» سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين.
وكالمعتاد اعتبر حزب البديل لألمانيا، الفائز الوحيد بالانتخابات، نتائج انتخابات ميكلنبورغ فوربومرن مؤشرًا مسبقًا على نتائج الانتخابات العامة المقبلة في سبتمبر (أيلول) 2017، في حين اعتبره نواب الحزبين الحاكمين «زلة» محلية لا تؤثر في نتائج الانتخابات العامة. مع ملاحظة أن المستشارة ميركل لم تكشف نيتها الترشيح مجددًا لمنصب المستشارية، وتركت القرار للمستقبل، وسط شائعات تتحدث عن نية اعتزال العمل السياسي.
يرى نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أنه من المحتمل أن تتخلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الترشح مجددا لمنصب المستشارة. وقال رالف شتغنر في تصريحات لمجلة «شبيغل» الألمانية نشرتها على موقعها الإلكتروني أمس الثلاثاء: «إن السيدة ميركل تجاوزت فترة توهجها بشكل واضح». وأضاف قائلا: «يرى البعض حاليًا أنه من المحتمل ألا تواصل السيدة ميركل نقاشها مع السيد (هورست) زيهوفر مستقبلاً حول ترشحها».
اعترفت ميركل نفسها بالمسؤولية عن تفوق حزب البديل لألمانيا على حزبها في ميكلنبورغ فوربومرن، واعترفت بعلاقة ذلك بسياسة «الترحيب بجيوش اللاجئين»، ومهّدت بذلك الطريق أمام تحولها إلى يوليوس (تموز) قيصر ألماني. وهذا رغم أنها عادت، وقللت من شأن هذه العلاقة عندما أصرت على أن هذه السياسة كانت صائبة.
ولم تتجاوز النسبة التي حصل عليها حزب ميركل في الانتخابات 19 في المائة من أصوات الناخبين في حين حصل حزب البديل من أجل ألمانيا «إيه إف دي» ذو التوجه اليميني الشعبوي على 8.20 في المائة رغم أن هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الحزب الانتخابات المحلية، وهو ما اعتبرته الأوساط المعنية احتجاجا من قبل الناخبين على السياسة الاتحادية لميركل، خصوصا سياستها تجاه اللاجئين.
ومن الأصوات القليلة التي دافعت عن أنجيلا ميركل، كان صوت الباحث السياسي مانفريد غولنر، الذي قال إن سياسة الانفتاح على اللاجئين، التي انتهجتها ميركل، ليست سبب الشعبية التي حققها اليمين المتطرف في الولاية الشرقية الشمالية. وقال غولنر، وهو رئيس معهد «فورسا» للأبحاث السياسية، إن ساسة الحزب الديمقراطي المسيحي في ميكلنبورغ فوربومرن هم الذين يتحملون المسؤولية عن الخسارة وليست ميركل، أو سياستها تجاه اللاجئين.
وأفاد غولنر بأن استطلاعات الرأي التي أجراها معهده تشي بأن 38 في المائة لم يصوتوا للحزب الديمقراطي المسيحي بسبب فشل سياسة السوق وارتفاع معدلات البطالة في الولاية. تليها نسبة 27 في المائة عزفوا عن انتخاب القوى الديمقراطية بسبب سوء الهياكل الارتكازية والخدمات في الولاية. تأتي سياسة ميركل تجاه اللاجئين في المرتبة الثالثة وصوتت بسببها نسبة 24 في المائة لصالح اليمين المتطرف.
تحول الامتعاض داخل الحزب الديمقراطي المسيحي إلى تذمر عالي النغمة بعد خسارة ميكلنبورغ فوربومرن، لأول مرة. وذكرت النائبة اريكا شتاينباخ أن ثقة الناخبين بالمستشارة قد اهتزت كثيرًا بفعل سياستها تجاه اللاجئين. وعقد منبر رجال الأعمال في الحزب الديمقراطي المسيحي، اجتماعًا طارئًا ببرلين أمس لتدارس الحالة. علما بأن هذا المنبر انتقد في السابق سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين بقوة.
وعاد الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى لهجته النقدية اللاذعة، ولكن بنبرة توعدية، على لسان رئيس الحزب هورست زيهوفر. إذ وصف زيهوفر الحالة داخل التحالف المسيحي بأنها تهدد بالـ«الخطر»، في مقابلة مع صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ». وأضاف أن الناس لا يريدون هذه السياسة (يقصد الانفتاح على اللاجئين)، لأن سياسة ميركل هي أحد أسباب هذه الخسارة. وأضاف أن طلبات كثيرة لتصحيح هذا المسار لم تنفع، والنتيجة «الكارثية» في ميكلنبورغ فوربومرن نتيجة منطقية. وكان زيهوفر هدد في السابق بترشيح نفسه لمنصب المستشارية والدخول مع حزبه في قائمة منفصلة عن الحزب الديمقراطي المسيحي لأول مرة في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وقال السكرتير العام للحزب أندرياس شوير: «اتضح الآن من عليه أن يعلل الأمور، وهذا بالتأكيد ليس الاتحاد الاجتماعي المسيحي». وأيده رفيقه ماركوس زودر، وزير مالية بافاريا، الذي قال بعدم جواز تجاهل مشاعر الناس، وطالب بتغيير سياسة الحكومة.
وفي محاولة للتملص من المسؤولية السياسية عن الخسارة في ميكلنبورغ فوربومرن، رغم مشاركته في التحالف الحكومي، شدد الحزب الديمقراطي الاشتراكي من هجومه على سياسية ميركل تجاه اللاجئين. فاعتبر رالف شتيغنر، نائب رئيس الحزب، خسارة ميكلنبورغ فوربومرن هزيمة شخصية لأنجيلا ميركل. وذكر رئيس الحزب زيغمار غابرييل، نائب ميركل ووزير الاقتصاد، أن قولنا «سنحقق ذلك» فقط، ثم انتظار الآخرين أن يحققوا ذلك، لن ينجح.
امتد النقد إلى صفوف شبيبة الديمقراطي المسيحي «يونغه يونيون»، التي رأت في موديل «المجتمع المتعدد الثقافات» موديلاً أكل الدهر عليه وشرب. وقال رئيس المنظمة بول سيمياك إنه يطالب بلغة واضحة في السياسة تجاه اللاجئين، ويريد لغة واضحة لا لبس فيها من الحكومة الاتحادية.
يورغن روتغرز، من الحزب الديمقراطي المسيحي ورئيس وزراء ولاية الراين الشمالي فيستفاليا السابق، عبر عن خشيته أن يفقد الحزب شعبيته كحزب جماهيري في شمال شرقي ألمانيا.
ألمانيا بعد زلزال «ميكلنبورغ فوربومرن»
خلافات داخل التحالف الحكومي.. والكل يلقي باللائمة على ميركل
ألمانيا بعد زلزال «ميكلنبورغ فوربومرن»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة