لم يكن لقاء ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين في هانغتشو الصينية، مجرد خبر صحافي، بعد عام وأكثر من تفاهمات ظلت الرياض وموسكو خلالها في محور الأحداث.
فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على ذلك اللقاء، تمخض بعده الحدث الكبير ببيان مشترك تم التوقيع عليه بين البلدين، ليكون بذلك الأمر الطاغي على مجريات ولقاءات وأعمال قمة مجموعة العشرين، إذ جرى التوقيع بين وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك، على بيان مشترك يقضي باتخاذ إجراءات مشتركة بهدف تحقيق استقرار سوق النفط، التي يغلب فيها العرض على الطلب. وقال البيان إن روسيا والمملكة العربية السعودية اتفقتا على تشكيل مجموعة عمل لمراجعة العوامل الأساسية في سوق النفط وتقديم توصيات بخصوص الإجراءات والخطوات اللازمة لضمان الاستقرار في سوق الخام، وبموجب هذا الاتفاق ستعمل موسكو والرياض على اتخاذ تدابير مشتركة للتنسيق مع المنتجين الآخرين للنفط في العالم، للحفاظ على استقرار أسعار النفط، التي هبطت بأكثر من 60 في المائة منذ عام 2014.
وأضاف البيان أن «الجانبين يؤكدان على أهمية الحوار البناء والتعاون بين أكبر الدول المنتجة بهدف دعم الاستقرار في سوق النفط، وتوفير مستوى ثابت من الاستثمارات على المدى البعيد، لذلك اتفق الوزيران على العمل معا أو بالتنسيق مع المنتجين الآخرين للنفط».
تلك الخطوة تعد مرحلة جديدة، على ضوء الإيقاعات المتزايدة في المنطقة جيوسياسيا وقاطرة الاقتصاد الكبرى، ورغم الخلاف بين السعودية وروسيا على عدد من القضايا الإقليمية، وأولها القضية السورية، مما جعل الإشارات تتجه إلى فتور في العلاقات، خاصة بعد مشاركة روسيا خلال القمة العربية العام الماضي في مارس (آذار) الماضي بمدينة شرم الشيخ المصرية، حين وجه وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفيصل، رسالة إلى الرئيس بوتين، قال فيها: «لي ملاحظة على الرسالة التي جاءت من الرئيس الروسي، هو يتكلم عن المشاكل التي تمر بالشرق الأوسط وكأن روسيا ليست مؤثرة على هذه المشاكل. وعلى سبيل المثال سوريا. هم يتكلمون عن مآس تحدث في سوريا بينما هم جزء أساسي من المآسي التي تمس الشعب السوري (..) هم يمنحون من الأسلحة إلى النظام السوري ما هو فوق حاجته لمحاربة شعبه».
ذلك الحدث جعل الأمور تسير بشيء من البرود الإعلامي، حتى بعيد شهر من القمة العربية، حين أعلن الكرملين عن اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي بوتين بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ودعاه خلال المهاتفة إلى زيارة روسيا.
حراك السعودية الفاعل في قضايا المنطقة، جعل إحدى وجهات زيارات الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع، نحو مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وذلك في يونيو (حزيران) من عام 2015، التقى خلالها مع وفد اقتصادي رفيع يرافقه، بالرئيس بوتين، وذلك على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي، حينها أكد بوتين للأمير محمد بن سلمان أن روسيا تثمن علاقاتها الودية مع السعودية، وذكر أن التبادل التجاري بين البلدين ما زال محدودا من حيث حجمه، لكنه يتميز بديناميكية جيدة، وقال الأمير محمد بن سلمان لبوتين خلال اللقاء، إن بلاده تعتبر روسيا شريكا هاما، معيدا إلى الأذهان أن الاتحاد السوفياتي كان أول دولة اعترفت بالمملكة العربية السعودية في عام 1926.
بينما حملت زيارة الأمير محمد بن سلمان، تلك إلى روسيا، نتائج تنموية كثيرة لا يمكن قياسها على المدى القصير لكن مستقبلها ينتج بناء روسيا لستة عشر مفاعلا نوويا، تشمل التدريب والتطوير والأبحاث، لتأمين الطاقة والمياه، ما يحقق الرؤية الوطنية للاستثمار في الاستدامة، إضافة إلى توقيع ست اتفاقيات استراتيجية، وتفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء، إضافة إلى اتفاقيات تعاون في مجال الإسكان والطاقة والفرص الاستثمارية. «نعتبر أنه لا يمكن تسوية أي مشكلة مهمة في المنطقة من دون السعودية، وبالنسبة إلينا من الأهمية بمكان أن نحافظ على حوار دائم معكم».
من جهته، أكد محمد بن سلمان أن العلاقات بين السعودية وروسيا «استراتيجية» وأن «التعاون والتنسيق» بين البلدين «بالغ الأهمية». وقال: «من دون مشاركة روسيا والسعودية لا يمكن إرساء سياسة مستقرة في مجال النفط».
وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، زار الأمير محمد بن سلمان موسكو، التقى خلالها بالرئيس بوتين، وبعد اللقاء كان لوزيري خارجية البلدين، مؤتمر صحافي، أكد فيه عادل الجبير أن السعودية تريد تحسين العلاقات مع روسيا في حين أكد نظيره الروسي سيرغي لافروف أن السعودية وروسيا لهما هدف مشترك هو عدم السماح بإقامة خلافة إرهابية في سوريا، في تأكيد على أن الرؤى بين البلدين أصبحت متقاربة بخصوص الملف السوري.
وظلت السعودية تحذر من عواقب التدخل الروسي في سوريا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية عادل الجبير آنذاك، من أن الضربات الجوية الروسية في سوريا يمكن أن تعتبر تحالفا بين إيران وروسيا، وهو ما تسعى إليه روسيا بالحفاظ على النظام السوري وبشار الأسد.
وحتى قمة العشرين التي عقدت العام الماضي في تركيا، ورأس فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وفد السعودية، لم يكن ثمة أخبار عن تطورات بعد لقائه الرئيس الروسي بوتين، حتى أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي، حين بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التطورات في الشرق الأوسط، وأعربا عن اهتمامهما بتسوية الوضع في سوريا، وجدد بوتين خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها دعوته للملك سلمان لزيارة روسيا في أي وقت مناسب له، وأوضح الكرملين أن الزعيمين أعربا في المكالمة عن اهتمامهما بتسوية الأزمة في سوريا وضمان الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأبديا أيضا عزمهما على مواصلة تعزيز التعاون الروسي - السعودي على كافة الاتجاهات.
أسعار النفط، كانت جانبا متواصلا على خط المناورة، حيث عانى الاقتصاد الروسي كثيرا من أزمة أسعار النفط التي أثقلت التوازن الاقتصادي للبلاد، حتى جاءت لحظة قمة العشرين أمس، بتوقيع البيان المشترك، بعد أن كانت روسيا مستعدة لتثبيت الإنتاج في أبريل (نيسان) الماضي، مع منظمة «أوبك»، لكن المباحثات انهارت بعدما قالت الرياض إنها لن تقبل الاتفاق إلا إذا شاركت فيه إيران ثالث أكبر منتج للخام في أوبك.
وقال بوتين أول من أمس خلال لقائه الثالث بالأمير محمد بن سلمان: «نعتبر أنه لا يمكن تسوية أي مشكلة مهمة في المنطقة من دون السعودية، وبالنسبة إلينا من الأهمية بمكان أن نحافظ على حوار دائم معكم». وأكد الأمير محمد بن سلمان أن العلاقات بين السعودية وروسيا «استراتيجية» وأن التعاون والتنسيق بين البلدين بالغ الأهمية. وأضاف أنه «من دون مشاركة روسيا والسعودية لا يمكن إرساء سياسة مستقرة في مجال النفط».
السعودية وروسيا.. تحرك جديد برؤى شاملة
وجهتا بوصلتهما نحو تعاون «استراتيجي» وتهيئة للوضع الإقليمي
السعودية وروسيا.. تحرك جديد برؤى شاملة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة