اشتعلت معركة إعلامية حادة بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وخصمه وحليفه السابق الداعية السبعيني فتح الله غولن المتهم من جانب السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) الماضي.
ليست هذه هي محاولة الانقلاب الأولى التي يتهم فيها غولن، حيث وصف إردوغان قبل ذلك تحقيقات الفساد والرشوة في تركيا في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) 2013 بأنها كانت محاولة من (الكيان الموازي) وهو المصطلح المستخدم من جانب أنقرة للإشارة إلى حركة الخدمة التابعة لغولن، البالغ من العمر 75 عاما والمقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ العام 1999. كان غولن حتى ما قبل محاولة الانقلاب الفاشلة يمتلك ترسانة إعلامية تتبعه وظفها من قبل في خدمة حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل الفراق بينهما بعد الاستفتاء على تعديل الدستور عام 2010 والانتخابات البرلمانية في 2011. وتعرضت هذه الترسانة التي كانت تضم صحفا أشهرها «زمان» ووكالة أنباء جيهان والكثير من القنوات التلفزيونية أبرزها سمانيولو، إلى جانب صحف ومجلات أخرى من مجموعات إعلامية كانت تدعم غولن وحركته أهمها «كوزا ايبك» التي كانت تضم صحيفة «بوجون» وقناة بالاسم نفسه، وقنوات أخرى وضعت جميعا تحت وصاية الحكومة في 2014 كما وضعت مجموعة غولن الأساسية «زمان» و«جيهان» ومجلة «أكسيون» وقنوات «سمانيولو» و«إيرماك» وغيرها تحت الوصاية في 2015 لتختفي تماما بإغلاقها بعد محاولة الانقلاب.
وتحولت جميع وسائل الإعلام في تركيا إلى جبهة واحدة بعد محاولة الانقلاب تعمل على مدار الساعة لكشف أبعاد محاولة الانقلاب ومحاولة فضح المستور من أسرار حركة غولن التي أجمع الكل على أنهم خدعوا فيها على مدى أربعين عاما. حتى القنوات التلفزيونية والصحف التي كانت معارضة للحكومة مثل مجموعة «دوغان»، التي تضم قناة «سي إن إن تورك» وصحفا منها «حرييت» و«ميلليت» ووكالة أنباء دوغان باتت في الصف نفسه مع الصحف والقنوات المؤيدة للحكومة وإردوغان وفي مواجهة فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. ولا يظهر في وسائل الإعلام التركية عن غولن وحركته، التي توصف في تركيا بـ«منظمة غولن الإرهابية أو الكيان الموازي» إلا من يملكون شهادات سلبية في حقه من المنشقين عن جماعته، هذا ما فرضه واقع التلاحم والاصطفاف الوطني في تركيا في مواجهة الانقلاب.
وفي هذا المناخ كان طبيعيا أيضا أن تتوجه وسائل الإعلام الغربية إلى الرئيس رجب طيب إردوغان وأعضاء حكومة العدالة والتنمية لمتابعة الوضع في الداخل التركي وظهر أن صوت إردوغان هو الغالب داخليا والأعلى خارجيا.
أما غولن، الذي عرف عنه عدم ظهوره الإعلامي إلا نادرا جدا وفي حدود بعض المقالات التي كان يكتبها في مواقف معينة ضد الإرهاب أو في دعوة إلى الحوار بين الأديان في بعض كبريات الصحف الأميركية والأوروبية، فاضطر للخروج من شرنقته والظهور عبر القنوات التلفزيونية الغربية وبعض القنوات العربية وأدلى بالكثير من الأحاديث لصحف غربية وكتب مقالات في صحف شهيرة مثل «واشنطن بوست» و«لوموند» الفرنسية وغيرهما. وكان مضمون أحاديث غولن هو الرد على الاتهامات الموجهة إليه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب وتفنيد هذه الاتهامات ونفي التهمة عنه وعن جماعته وكان مطلبه الثابت والتكرر هو المطالبة بلجنة تحقيق دولية في محاولة الانقلاب الفاشلة متعهدا بأن يقبل نتائج تحقيقها أيا كانت. وأثار موقف الإعلام الغربي غضب أنقرة ورصدت المديرية العامة للصحافة والإعلام التركية تغطيات الإعلام الغربي لمحاولة الانقلاب وحللت مضمونه في دراسة شملت 126 صحيفة ومجلة أجنبية، و21 قناة تلفزيونية، و15 وكالة أنباء عالمية، وألفين و726 خبرا نشرت ما بين 1 مايو (أيار) الماضي و9 أغسطس (آب) الجاري.
ووجدت الدراسة أن هذه الصحف والقنوات والأخبار استخدمت مجموعة من الألقاب للإشارة إلى غولن منها: «الواعظ النجيب»، «إمام في المنفى الطوعي»، «معسول الكلام»، «إمام مسن ومريض»، «رجل الدين الغامض»، «معارض مؤثر» واعتبرت أن ذلك محاولة للتأثير على الرأي العام وخلق تصور محدد بالأذهان. وبحسب الدراسة فإن الإعلام الألماني سعى لإظهار غولن بمظهر البريء، ورجل الدين المتواضع، من خلال وصفه بأنه «مسن يعيش في جبال بنسلفانيا»، و«صاحب الجماعة الفعالة في أفريقيا». وفيما وصفه الإعلام الفرنسي بـ«الحليف القديم»، و«واعظ في المنفى»، و«الزعيم الروحي»، و«رجل مسن ومريض ومتعب»، صوّرته الصحافة البريطانية على أنه «رجل الدين صاحب الكاريزما»، و«الزعيم المسن»، و«المنزوي»، و«المعارض»، و«صاحب رسائل الحوار بين الأديان»، ولفت إلى أن ما يتعلق بجماعته هو عبارة عن «جملة مزاعم».
وفي هذا الصدد، قال أكرم أوكوتان، المدير العام للصحافة والإعلام في تركيا، إن المتابع للأخبار المنشورة في وسائل الإعلام الغربية وبخاصة الصحافة الأميركية، يكتشف مدى مساندتها لمنظمة فتح الله غولن أكثر من أي وقت مضى: «لعل هذا الدفاع يندرج في إطار مكافأتها على ما قامت به ضد تركيا».
وأضاف أوكوتان أن اصطفاف وسائل الإعلام الغربية إلى جانب «منظمة غولن» لم يتبدل عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة معتبرا أن «الصحافة الغربية فشلت في امتحان الديمقراطية التركية».
ويعتبر خبراء ومتخصصون في تحليل مضمون الرسالة الإعلامية، أن غولن، الذي أغلقت الحكومة التركية 42 محطة إذاعية وقناة تلفزيونية فضلا عن الصحف التابعة له، نجح إلى حد كبير من خلال لقاءاته الإعلامية المكثفة في تفنيد الاتهامات الموجهة إليه، والتقليل حتى الآن من تأثير الرواية الرسمية لتركيا عن كل ما أحاط بمحاولة الانقلاب الفاشلة بعد أن قرر الخروج من صومعته للدفاع عن نفسه. وإلى جانب الإعلام الغربي، كشفت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن الأسابيع الأخيرة شهدت انتشارا كثيفا لحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» يديرها أتراك باللغة العربية تستهدف تشويه صورة تركيا بشكل ممنهج وتحاول تجميل صورة ما يسمى بـ«تنظيم فتح الله غولن». وأضافت أنه عبر البحث التقني تبين أن هذه الحسابات، جرى إنشاؤها بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة؛ ويديرها أشخاص يجيدون اللغة العربية ينتهجون من خلالها؛ محاولات تبرئة «الكيان الموازي»، حركة الخدمة، من محاولة الانقلاب. وقالت: إن من أبرز ما تروجه هذه الحسابات أن محاولة الانقلاب «أكذوبة وتمثيلية مصطنعة» و«فيلم هوليوودي» وتقديم صورة فتح الله غولن، باعتباره «شخصية إصلاحية وبعيدة عن الانقلابات».
من كسب المعركة الإعلامية بعد الانقلاب الفاشل.. إردوغان أم غولن؟
الرئيس التركي يستنزف ترسانة الداعية داخليًا والإعلام الغربي يسعف الأخير
من كسب المعركة الإعلامية بعد الانقلاب الفاشل.. إردوغان أم غولن؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة