دراجات نارية بأحجام مختلفة، مجسمات لآلات موسيقية، حيوانات، طائرات.. مفردات ليس لها علاقة ببعضها البعض؛ إلا أن الفنان المصري عزت حامد تمكن من جمعها تحت تصنيف أعمال فنية قادمة من عالم «الخردة» والمخلفات.
لا يملك من يشاهد هذه المجسمات بتفاصيلها المتقنة إلا أن يتوقف أمامها مندهشًا كيف حوّل هذا الخمسيني «الفسيخ إلى شربات»، كما يقول المثل المصري الشهير، فعبر أنامله يتفرد بأن «يمزج» القطع الحديدية والمعدنية والبلاستيكية المستهلكة وغير القابلة للاستعمال مجددًا مع بعضها البعض، محولا إياها إلى قطع فنية جميلة، وجعل من ذلك هواية يتسلى بها وقت فراغه.
يؤكد «حامد» لـ«الشرق الأوسط» أنه يتفرد بهذه الهواية، بل يعتبر نفسه مؤسس فن الخردة «الممزوجة» في مصر والوطن العربي، كون فن الخردة يتخصص فيه كثيرون ولكن في نوع واحد منه، كالحديد أو البلاستيك أو المعدن، ولكنه استطاع التوفيق بينها جميعا مكونا فنا خاصا به.
وبلغة الخبير يوضح: «فن الخردة له مميزات فنية وبيئة ومجتمعية وصحية، فمن خلاله ننتج أعمالا فنية ومجسمات بأشكال كثيرة تثري الحركة الفنية، كما نخدم من خلاله البيئة من خلال استغلال المخلفات وإعادة تدويرها، كما أن هذا الفن يستغل وقت الفراغ لدى الأطفال والشباب ولذلك أثره المجتمعي الإيجابي، كما أن له أثرا نفسيا، فهو يُشعر صانعها بتقدير الذات، ويجلب له الهدوء النفسي والسكينة كونه ينجز شيئا مفيدًا من لا شيء».
وعن رحلته الفنية، يقول: «أمتلك ورشة كهرباء سيارات ورثتها من والدي، بما يعني أني منذ الصغر محاط بكميات كبيرة من الخردة، ومع تخرجي من المعهد الفني الصناعي قبل 20 عاما بدأت أستغل وقت فراغي في تشكيل نماذج بسيطة لقواقع البحر، جعلت منها قطعا ديكورية أزين بها المنزل، شعرت وقتها بتحقيق الذات لأنني من خلال مجموعة (كراكيب) أنتجت شيئا ما له استخدام جديد».
استمر «حامد» في هوايته بخطوات بسيطة لسنوات طويلة، إلا أنه مع قيام ثورة 25 يناير 2011 تطور فنه خطوة إلى الأمام، يوضح: «تقع ورشتي بالقرب من ميدان التحرير، مسرح عمليات الثورة، بما جعلني في محيط الاشتباكات والمواجهات التي كانت بين الحركات الثورية وقوات الأمن، وهو ما جعلني أعثر في هذه الفترة على بقايا طلقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع المبعثرة في الشوارع، فجاءتني فكرة استغلال هذه البقايا مع مزجها بمواد أخرى في عمل أشكال هندسية، حيث أنتجت نماذج لدراجات نارية وطائرات، ونالت هذه المنتجات إعجاب كل من حولي، لأكتشف في نفسي موهبة لم أكن أعلمها».
يتابع: «استهوتني فكرة المزج بين مواد مختلفة وإعادة توظيفها، فأنتجت مجسمات عدة، ثم جاءتني الفرصة للاشتراك بها في أول معرض بأحد المراكز الثقافية بالقاهرة، لتكون بذلك نقلة جديدة في حياتي».
وعن مدى انتشار هواية فن الخردة يقول: «عندما ابتكرت مزج الخردة ببعضها، دفعني الفضول للبحث عن مدى انتشار هذا النوع من الفن في مصر، فبدأت الدخول على شبكة الإنترنت والبحث فيها، فوجدت أنه مقتصر على أشكال بواقي الخردة كل على حدة». ويتابع: «مع تدشيني صفحة خاصة بأعمالي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بدأ فن الخردة في الانتشار، وزاد عدد المعجبين بمنتجاتي، ولم يقتصر ذلك على مصر فقط، بل اشتهرت أعمالي على مستوى الوطن العربي، حيث تصلني مكالمات هاتفية وتتواصل معي وسائل الإعلام التي تتحدث أني منفرد بهذا الفن في الوطن العربي».
يهوى فنان الخردة تكوين مجسمات لدراجات نارية على وجه الخصوص، ويعلل ذلك بقوله: «منذ الصغر وأنا أهوى ركوب الدراجات النارية لأني أشعر معها بالحرية والانطلاق، لذا حاولت ترجمة هذا العشق لها في عمل أشكال وأحجام مختلفة منها عبر استخدام مواد مختلفة، وهي تلاقي إعجاب الكثيرين، بل إنني قمت بعمل مجسم لدراجة نارية أقل بقليل من الحجم الطبيعي باستخدام الحديد والمعادن وزجاجات البلاستيك».
وعن تطوير هوايته، يقول: «أحاول أن أطور نفسي دائما بالاتجاه إلى عمل مجسمات مختلفة وصعبة التكوين بتفاصيل متقنة، وأنا لا أتقيد بشكل معين، فأي جديد يطرأ في خيالي أقوم بتنفيذه، ومؤخرا قمت بعمل مجسم لطائر النسر».
ويوضح حامد أن العمل الفني قد يأخذ تفكير لعدة شهور ويتم تنفيذه في ساعتين، وقد يحدث العكس أن تأتيني فكرة عمل وتتبلور سريعا في رأسي، ولكن يستغرق تنفيذها والانتهاء منها عدة شهور، لأن هناك صعوبة في توفير مواد الخردة وتجميعها وتوفيق ألوانها وربطها ببعضها البعض وهو ما يستغرق وقتا طويلا.
خطوة أخرى من الهواية إلى الاحتراف، بدأها الفنان عزت حامد قبل شهور، وهو قيامه بالتدريس في ورش عمل تدريبية ببعض المدارس لمن يهوى فن الخردة من الأطفال والشباب، عنها يقول: «كثير من الأعمار أحبت فن الخردة، وكثيرون يهوون أن ينفذوا بأيديهم منتجات فنية، وكثيرون أيضا لديهم الموهبة ولكنهم لا يعرفون، لذا أحاول أن أكتشف هذه المواهب من خلال ورش العمل هذه وتوجيهها للطريق الصحيح».
ويكشف حامد عن أمنيته بأن يصنف كفنان عالمي متخصص في هذا النوع من الفن، كما يطمح أن يؤسس ويُدير مدرسة متخصصة في تعليم فن الخردة للجميع.
ويختتم فنان الخردة حديثه بتوجيه عدد من النصائح لمن يريد أن ينتج عملا من الخردة حتى وإن لم يكن متخصصًا، حيث يمكن جمع 20 أو 30 قطعة غير مستخدمة بالمنزل، مثل زجاجات الشامبو ولعب الأطفال والساعات القديمة والبطاريات الفارغة وغيرها، ثم يبدأ النظر إليها نظرة أخرى مختلفة تماما، وأن يتم تخيلها في صورة منتج آخر بعيدا عن ماهيتها، والتفكير في كيفية تغيير وظيفتها، وذلك من خلال تغيير فوهتها أو عكس اتجاهها بما يظهرها بشكل آخر، ناصحا بعدم الاستعجال في كيفية الاستفادة من هذه القطع، وأن يتم النظر لها طويلا وعدم الملل من ذلك، فهذا المنظور سيعمل على تنمية الخيال والحس حتى يتم إنتاج منتج فني مختلف.
«تحويل الفسيخ إلى شربات».. شعار فنان مصري يبتكر من «الخردة» أعمالاً فنية
قال إنه أسس فكرة مزج القطع المستهلكة ويرى أن لها فوائد صحية وبيئية
«تحويل الفسيخ إلى شربات».. شعار فنان مصري يبتكر من «الخردة» أعمالاً فنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة