شاشة الناقد: إيزابيل أوبير وسط ظروف مناوئة

شاشة الناقد: إيزابيل أوبير وسط ظروف مناوئة
TT

شاشة الناقد: إيزابيل أوبير وسط ظروف مناوئة

شاشة الناقد: إيزابيل أوبير وسط ظروف مناوئة

* هي ELLE
* إخراج: بول فرهوفن
* دراما عاطفية | فرنسا - 2016
* تقييم الناقد: *** (من خمسة)
من بين ما تتميز به أفلام المخرج الهولندي بول فرهوفن الأناقة الشكلية، خصوصًا تلك التي حققها في مسيرته الطويلة، في أوروبا قبل ثم بعد مرحلته الهوليوودية. العناية بالتصماميم العامّة وبالألوان والتصوير الخالي من الشوائب تمنح أعماله، وآخرها هذا الفيلم، ما يشابه الثياب التي ترتديها بطلة الفيلم إيزابيل أوبيرت أناقة ونظافة.
ميشيل (أوبير) تدير مؤسسة لصنع ألعاب الفيديو الإلكترونية وتعيش وحيدة في بيت كبير في ضواحي باريس. يبدأ الفيلم بمشهد صراخ ثم لقطة لقطّة تتابع ما يدور ثم وميض مما يقع: حادث اغتصاب يقوم به ملثم وضحيته ميشيل. هذه تلملم نفسها سريعًا بعد ذلك وتنطلق لمتابعة يوميات حياتها. لا تولول ولا تنهار ولا تتصل بالبوليس، بل تقرر مواصلة حياتها كما هي، علما بأنها ترتاب في أن أحد موظفيها قد يكون الفاعل.
في الوقت نفسه هي محور وقائع عائلية مختلفة محاطة بظروف من صنع الذات البشرية والقرارات غير الصائبة. فهي مرتبطة بعلاقة تريد إنهاءها مع روبير (كرستيان بركل)، زوج صديقتها آنا (آن كونزيني). وابنها الشاب (جوناس بلوكيه) تزوّج من حبلى وهذه تلد طفلاً أسود البشرة (من علاقة سابقة مع صديقه الأفريقي عمر). أما والدتها (جوديث ماغري) تختار شابًا جديدًا لكي تعيش حياتها الجنسية كما ما زالت تشتهي. وصديقها السابق ريشار (شارل برلينغ) يحاول أن يستعيد مجدًا مضى ككاتب.
في غمار كل ذلك وأحداثه (المكتظة) تبقى حادثة الاغتصاب ماثلة أمامها ثم تتعرض لها مجددًا بعدما اكتشفت أن جارها باتريك (لوران لافيت)، الذي بدأت تهواه، هو الفاعل. وقبل نهاية الفيلم (الذي يمتد رافضًا الإيجاز) يقدم باتريك على محاولة جديدة كونه لا يستطيع المعاشرة الجنسية إلا إذا اغتصب.
بقدر ما الفيلم مبني على حبكة لغزية، بقدر ما هو دراما ترفيهية ساخرة فيها ما يكفي من عناصر جذب الإعجاب لكل ما يدور فيها، بما في ذلك تناول المخرج المخفف لموضوع الاغتصاب وردات الفعل عليه. يستند لحسنات أكيدة في الكتابة والتصوير والتوليف كما في أداء أوبير لدورها بدراية وتلقائية مثيرة للتقدير. على ذلك، يبقى الفيلم من دون عمق. مثرثرًا بلا توقف من دون فسحات تأمل مطلوبة.
هذا هو فيلم بول فرهوفن الأبرز له في عشر سنوات، والأول له في إطار سينما وأحداث فرنسية كاملة كما أنه أول تعاون بينه وبين المنتج الناجح سعيد بن سعيد. إيزابيل أوبير هي ذاتها من فيلم لآخر هذه الأيام لكنها مجتهدة هنا في دور صعب في شتّى مراحله.
غاية فرهوفن تبدو مزدوجة: من ناحية يريد تقديم فيلم جاد وفني حول موضوع بطلته كجزء من حياة غير مستقرة، ومن ناحية أخرى لا يريد أن يدير ظهره للجمهور السائد. وهو يحقق هاتين الغايتين على نحو مُرضٍ.

لا يستحق:(*)
وسط: (**)
جيد: (***)
ممتاز: (****)
تحفة: (*****)



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.