غادر العالم المصري أحمد زويل، عاشق صوت كوكب الشرق، معمله وأبحاثه، تاركا للبشرية أحد أهم إنجازاتها العلمية والحضارية في القرن العشرين «الفيمتو ثانية». لتفقد مصر والعالم أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، الذي غيبه الموت مساء أول من أمس (الثلاثاء) بمنزله بالولايات المتحدة الأميركية، عن عمر ناهز 70 عاما، بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
ونعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببالغ الحزن وعميق الأسى العالم الدكتور زويل، وتقدم بخالص التعازي والمواساة لأسرة العالم الراحل، وذويه وجميع تلاميذه ومحبيه من أبناء الوطن وخارجه. وقالت الرئاسة في بيان لها، أمس: «إن مصر فقدت ابنا بارا وعالما نابغا بذل جهودا دؤوبة لرفع اسمها عاليًا في مختلف المحافل العلمية الدولية، وتوَّجها بحصوله على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 تقديرًا لأبحاثه في مجال علوم الليزر واكتشاف الفيمتو ثانية».
وتابع البيان: «كان الفقيد حريصًا على نقل ثمرة علمه وأبحاثه التي أثرت مجالي الكيمياء والفيزياء إلى أبناء مصر الذين يتخذون من الفقيد الراحل قدوة علمية عظيمة وقيمة إنسانية راقية؛ فحرصت مصر على تكريمه بمنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى ثم قلادة النيل العظمى التي تُعد أرفع وسام مصري».
وأضاف: «سيظل الفقيد رمزًا للعالم الذي كرس حياته بشرف وأمانة وإخلاص للبحث العلمي، وخير معلمٍ لأجيال من علماء المستقبل الذين سيستكملون مسيرة عطائه من أجل توفير واقع أفضل للإنسانية».
كما نعى مجلس الوزراء المصري برئاسة شريف إسماعيل ببالغ الحزن وعميق الأسى العالم زويل. وأشاد المجلس في بيان له بالإسهامات التي قدمها في خدمة العلم والإنسانية، التي توجت بنيله جائزة نوبل في الكيمياء، كما ثمن المجلس الجهود التي بذلها الفقيد في سبيل رفعة بلاده بكل وطنية وإخلاص، من خلال وضع لبنة إنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، الذي يمثل مشروع مصر القومي للنهضة العلمية، ويهدف لرعاية العقول النابغة، وتهيئة المناخ والإمكانات التي تحفز على الإبداع والابتكار.
ويوارى جسد العالم الراحل في تراب وطنه مصر، بناء على وصيته في جنازة عسكرية. وأصدر وزير الخارجية المصري سامح شكري توجيهاته إلى كل من القنصلية العامة المصرية في لوس أنجليس والسفارة المصرية في واشنطن بالتحرك الفوري من أجل تقديم جميع التسهيلات لسرعة نقل جثمان زويل إلى أرض الوطن، والقيام بالاتصالات اللازمة مع السلطات الأميركية وأسرة الفقيد من أجل إتمام تلك المهمة على أكمل وجه وبالشكل الذي يليق بمكانة وقيمة فقيد الوطن.
وقال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن الاتصالات الأولية التي قامت بها القنصلية العامة في لوس أنجليس تشير إلى أن الدكتور زويل قد وافته المنية أثناء زيارة كان يقوم بها لنجلته في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وأنه تم على الفور نقل الجثمان إلى المركز الإسلامي في مدينة لوس أنجليس، حيث يتم تجهيز الجثمان حاليا لنقله إلى مصر تنفيذا لوصيته.
وأكد المتحدث أن وزير الخارجية تلقى نبأ وفاة الراحل الدكتور زويل ببالغ الحزن والأسى، مشيرا إلى أن الشعب المصري بأكمله، بل الإنسانية جمعاء، قد فقدت قامة علمية ووطنية عالية سوف يذكر التاريخ اسمها بكل عز وافتخار.
كما نعى الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب إلى الشعب المصري وقيادته ببالغ الحزن الدكتور زويل. ونعت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا مؤسسها، مشيرة في بيان لها إلى أنها «سوف تستمر في مسيرتها العلمية بوصفها كيانا قوميا يسعى لنهضة مصر، ويعاهد طلابها وأعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين بها الشعب المصري على تحقيق حلم الفقيد الراحل المتمثل في أمنيته بأن يرى مصر من الدول المتقدمة علميا وأن نجاح المدينة في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله هي أعظم ما يمكن أن يقدم لروح العالم الجليل أحمد زويل».
وكان زويل قد حصل على بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة الإسكندرية عام 1967 في الكيمياء وعمل معيدا بالكلية ثم حصل على درجة الماجستير في الكيمياء الفيزيائية من جامعة الإسكندرية ثم سافر إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر، وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999.
وقررت الكلية إقامة سرادق لتلقي العزاء بمقر الكلية بالشاطبي فور وصول الجثمان إلى مصر، كما سيقام حفل تأبين بالمدرج الذي يحمل اسمه منذ العام 2010.
وأعربت رموز القوى السياسية والحزبية المصرية وشباب الثورة بأحزاب المؤتمر والجيل والغد وقائمة في حب مصر، عن شديد خسارتها وعزائها لوفاة زويل، مؤكدة أنه مصدر فخر لمصر والعالم العربي والإسلامي وأنه سيظل رمزا لكل مواطن مصري من العقول المهاجرة.
ونعى اتحاد كتاب مصر برئاسة الشاعر الدكتور علاء عبد الهادي إلى الشعب المصري، وفاة زويل. وقال الاتحاد في بيان له: «إن العالم أجمع فقد واحدا من أكثر علمائه أصالة وتفوقا، كان مثالاً يحتذى به في خلقه العلمي الرفيع، كما كان محلاً لتقدير دولي على المستويات كافة، بصفته رائدا حقيقيًا من قلة من العلماء في تاريخ العلم المعاصر كانت أبحاثهم النظرية وتطبيقاتها العملية متعدية الاختصاص».
وأضاف الاتحاد: «لم يبخل عالم مصر الكبير على وطنه بعلمه وآرائه وإسهاماته العلمية والاجتماعية، ولم يبخل وطنه عليه فقلدته مصر أرفع أوسمتها (قلادة النيل). كان الدكتور زويل حتى آخر لحظات حياته مثالاً للانتماء الوطني الأصيل، واهتم اهتماما خاصًا بالتعليم في مصر بصفته قاطرة مصر إلى المستقبل».
كما نعت سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالقاهرة العالم الكبير، وكتبت على صفحتها على موقع «فيسبوك» باللغتين العربية والإنجليزية: «تنعى السفارة الأميركية بالقاهرة وفاة العالم المصري الجليل الحائز على جائزة نوبل أحمد زويل». وأضافت السفارة: «الولايات المتحدة والعالم كله ممتنون لمساهمات زويل في مجال كيمياء الفيمتو».
ونعى مجلس إدارة اتحاد الإعلاميين العرب برئاسة الدكتور فلاح العنزي، العالم الدكتور زويل، مشيرا إلى إنجازاته العلمية في خدمة الإنسانية التي ستظل فخرا للأجيال.
حياة مع العلم وجوائز تقديرية
ترك الدكتور زويل ثروة علمية خصبة، ستساهم في تحقيق أحلام البشر ورفاهيتهم باختراعه الفيمتو ثانية التي أدخلت العالم كله في زمن جديد لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه لتمكنه من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق تقنية الليزر السريع.
ولعب الدكتور زويل أدوارا مهمة في الحياة المصرية، فكان أحد الداعمين لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كما دعم الموجة الثانية من الثورة التي أنهت حكم الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو (حزيران) 2013. وساند شباب الثورة سواء من خلال لقاءاته المباشرة بهم، أو بياناته الداعمة التي كان يصدرها من الخارج، التي أزالت كثيرا من اللبس لدى الرأي العام في الغرب حول الأوضاع في مصر. وقد كان حريصا في كل هذه البيانات على الدعوة لنبذ العنف والحرص على مقدرات البلاد.
ونأى العالم الجليل بنفسه عن تولي أي مناصب سياسية رغم ترشيحه بإجماع الشباب وكل الفئات، مؤكدا أنه رجل علم، يسعى إلى خدمة الإنسانية من خلال أبحاثه، وأنه يتعاطى السياسة كأي مواطن يحلم بالأمن والاستقرار.
ولد الدكتور زويل في مدينة دمنهور، وفي سن 4 سنوات انتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق بكفر الشيخ بوسط دلتا مصر، حيث تلقى تعليمه الأساسي والتحق بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية وحصل على بكالوريوس العلوم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في عام 1967 وعمل معيدا بالكلية وحصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء.
سافر زويل إلى الولايات المتحدة في منحة دراسية وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر، ثم عمل باحثا في جامعة كاليفورنيا من عام 1974 إلى عام 1976. ثم انتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) أكبر الجامعات العلمية بالولايات المتحدة، وفي عام 1982 حصل على الجنسية الأميركية وتدرج في المناصب العلمية الدراسية إلى أن أصبح أستاذا ورئيس قسم الكيمياء، خلفا لينوس باولينج الذي حصل على جائزة نوبل مرتين.
ابتكر زويل نظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر، له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، والوحدة الزمنية التي تلتقط فيها الصورة هي فيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية، ونشر له أكثر من 350 بحثا علميا في المجلات العلمية العالمية المتخصصة، وأدرج اسمه في قائمة الشرف بالولايات المتحدة التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الأميركية، حيث احتل المرتبة التاسعة من بين 29 شخصية بارزة باعتباره أهم علماء الليزر في الولايات المتحدة (تضم هذه القائمة ألبرت أينشتاين، وألكسندر جراهام بيل).
وفي عام 1999 حصل أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اختراعه كاميرا لتحليل الطيف تعمل بسرعة (الفيمتو ثانية) ودراسته للتفاعلات الكيميائية باستخدامها.
وجاء في حيثيات منح الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم جائزة نوبل للدكتور زويل أن تكريمه جاء نتيجة للثورة الهائلة في العلوم الكيميائية من خلال أبحاثه الرائدة في مجال ردود الفعل الكيميائية واستخدام أشعة الليزر، حيث أدت أبحاثه إلى ميلاد ما يسمى بكيمياء الفيمتو ثانية واستخدام آلات التصوير الفائقة السرعة لمراقبة التفاعلات الكيميائية بسرعة الفيمتو ثانية، مؤكدة أن هذا الاكتشاف أحدث ثورة في علم الكيمياء وفي العلوم المرتبطة به، وأن الأبحاث التي قام بها تسمح لنا بأن نفهم ونتنبأ بالتفاعلات المهمة.
وأكدت الأكاديمية السويدية في حيثيات منحها الجائزة لأحمد زويل أن هذا الاكتشاف قد أحدث ثورة في علم الكيمياء وفي العلوم المرتبطة به، إذ إن الأبحاث التي قام بها تسمح لنا بأن نفهم ونتنبأ بالتفاعلات المهمة.
كما حصل زويل على كثير من الأوسمة والنياشين والجوائز العالمية لأبحاثه الرائدة في علوم الليزر وعلم الفيمتو التي حاز بسببها على 31 جائزة دولية منها جائزة «ماكس بلانك» وهي الأولى في ألمانيا، وجائزة «وولش» الأميركية وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد والجامعة الأميركية بالقاهرة وجامعة الإسكندرية وقامت مصر بمنحه قلادة النيل العظمى وهي أعلى وسام مصري.
وفى عام 2009 أعلن البيت الأبيض عن اختيار الدكتور زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأميركي للعلوم والتكنولوجيا، الذي يضم 20 عالما مرموقا في عدد من المجالات. كما تم تعيينه مؤخرا مبعوثا علميا للولايات المتحدة لدول الشرق الأوسط.
أم كلثوم والزواج
يشار إلى أن العالم المصري الراحل كان من عشاق الموسيقى خصوصا الأغاني الشرقية، وكان دائم الاستماع إلى أغاني كوكب الشرق أم كلثوم، وكانت أغنية «يا مسهرني» من أغانيه المفضلة التي حفظها عن ظهر قلب، وكانت أولى محطات الحب في حياته أثناء فترة عمله معيدًا بجامعة الإسكندرية، فبين الطالبات اللاتي كان يدرس لهن، كانت تجلس «ميرفت» الحب الأول والزوجة الأولى أيضًا، فكان زويل يصفها دائمًا بالطالبة الوقورة والجادة، التي ينم جمال وجهها عن عدد من الصفات الحميدة، التي كانت سبب إعجاب زويل بها، ودفعته لأن يتقدم لوالدها ليتم زواجه الأول وينجب منها مرتين.
وعقب ولادة ابنته الثانية أماني في الولايات المتحدة وبسبب ظروف زويل العملية التي تفرض عليه ترك الولاية التي يعيش فيها مع أسرته، بدأت المشكلات، وقرر الانفصال عن زوجته وتكريس حياته للعلم.
أما الزواج الثاني، فجاء بعد لقاء خاص حيث دق قلب زويل مرة أخرى عندما التقى زوجته السورية ديما الفحام التي أحبها وشاركته حياته على الحلوة والمرة، حيث تعرف عليها في المملكة العربية السعودية، والدها هو العالم الجليل الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية في سوريا، وكان وزيرا وسفيرا.. والتقى بها حينما كان في زيارة للسعودية لتسلم جائزة الملك فيصل في العلوم وكان والدها يتسلم أيضا جائزة الملك فيصل في الأدب العربي.. وتزوجها لتشاركه الحياة. ولحظات الدفء العائلي. ولدى زويل أربعة أبناء من الزيجتين: مها خريجة جامعة «كالتك» الأميركية.. وأماني درست الطب في جامعة «شيكاغو»، ونبيل 22 عاما وهاني 21 عاما.
وعن اللحظات التي كان يسعد بقضائها زويل، قال إنها تلك اللحظات التي كان يقضيها في حديقة منزله مع كتاب يحبه.. وبجواره زوجته وأمامهما فنجان قهوة وأبناؤه حولهما.. متابعًا: «مفيش أجمل من كده.. أجمل بكتير من سفريات الدنيا.. ولقاء رؤساء الدول.. والحصول على الجوائز والتكريم».