في رواية «ذي غرايت غاتسبي» للكاتب الأميركي سكوت فيزتجرالد، أطلق توم بوكانان صرخة استنكار عندما تردد على مسامعه أن البطل جاي غاتسبي خريج جامعة أكسفورد: «أكسفورد؟ لا يمكن أبدا.. إنه يلبس بدلة بلون وردي». صرخته تُشير إلى أنه في عام 1925، تاريخ صدور الرواية، لم يكن مقبولا أن يفكر الرجل مجرد التفكير في بدلة بهذا اللون مهما كانت وجاهته وحجم ثروته.
بالعكس، فكل من كان ينتمي إلى طبقة راقية وثرية، كان يتجنبه تجنُّبَه للجذري أو أي مرض معدٍ. فتوم بوكانان لم يتعرض هنا إلى رجولة جاي غاتسبي ولا لأي إيحاءات بنعومته، بل إلى تعليمه وانتمائه الطبقي. ففي ذلك الوقت ارتبط الوردي بالطبقات العاملة والمزارعين الذي كان يلبسون ملابس مصانع من قطن «سيرساكر» في الحقول بالصيف.
طبعا مرت العقود، وما كان غير مقبولا في بداية القرن الماضي، أصبح موضة في القرن الحادي والعشرون. فأشياء كثيرة تغيرت، من تغير الأذواق والأسواق، إلى تغير ثقافة المجتمعات، لا سيما فيما يتعلق بالنظرة العامة لمفهوم الرجولة، بعد أن كسر المصممون الفروق بينه وبين المرأة، وبعد أن تحرر الرجل من كثير من التابوهات التي ارتبطت بمظهره، على الأقل. هذا التغير تبناه البعض بحماس شديد، ومبالغ فيه، بدليل أننا في صيف 2016 شهدنا دخول أقمشة ناعمة، مثل الحرير والدانتيل، خزانته، والآن في صيف 2017 نتابع تلوين هذه الخزانة بألوان فاتحة كانت إلى عهد قريب لصيقة بأزياء الجنس اللطيف.
لهذا إذا كنت سيدي الرجل، محافظا في أسلوبك، وتُحاول إقناع نفسك بأن هذه الموضة مجرد سحابة صيف ستمر بسرعة، فإنك على خطأ، وأكبر دليل على هذا عروض أزياء صيف 2017 التي شهدتها عواصم الموضة العالمية، من لندن إلى ميلانو، باريس ثم نيويورك. فقد تفتحت بالورود والألوان الجريئة. معظم المتابعين يُلقون باللوم على شخص واحد هو أليساندرو ميشال، مصمم دار «غوتشي». فمنذ أن تسلم زمام الدار الإيطالية وهو يُلونها بألوان قوس قزح، متلذذا بحيرة الرجل المحافظ فيما إذا كانت بعض التصاميم موجهة للرجل أساسا أم للمرأة. التفسير الوحيد الذي يمكن أن يتبادر إلى الذهن، أن أليساندرو ميشال، مثل غيره من المصممين الشباب، يحاول أن يُلغي الفروقات بين الذكورة والأنوثة.
وهذا أمر ليس وليد الساعة، إذ بدأ منذ عشرينات القرن الماضي، بخجل وتحفظ، وما قام به أليساندرو أنه زاد من جرعة هذا المفهوم، ولحسن حظه لمس أسلوبه وترا حساسا في نفوس شريحة من الشباب، تكمن أهميتها في قدرتها الشرائية وتعطشها للتفرد. وهكذا عوض أن تتأثر مبيعات الدار وتتراجع، ارتفعت بشكل شد الأنظار إليها وجعل الكل يريد أن يحذو حذوها. النتيجة أن الشاب الكلاسيكي والمحافظ هو المتضرر الوحيد من هذا النجاح. من جهة، عليه أن يجتهد أكثر بحثا عن درجات تناسب أسلوبه وشخصيته، ومن جهة ثانية، عليه أن يواكب الموضة وتغيراتها. المُثلج للصدر أن كل مصمم استعمل لغة خاصة ومختلفة فيما يتعلق بالدرجات التي استعملها، وبينما اختارها بعضهم صارخة تزأر، مثل أليساندرو ميشال، فضل بعضهم الآخر أن تأتي على شكل سيمفونيات هادئة تخاطب شرائح أكبر، مثل كريستوفر بايلي مصمم دار «بيربري»، الذي استوحى الكثير منها من الفنان ديفيد هوكني.
من هذا المنطلق، رأينا في المواسم القليلة الماضية، ألوانا مثل المرجاني، الأزرق السماوي، الوردي والأخضر وما شابهها، تزداد قوة على منصات عروض الأزياء الرجالية، في كل عواصم الموضة ومن دون استثناء. وكأنهم يستبقون دمج أسابيع الموضة النسائية والرجالية مع بعض ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، شطح بعضهم بخياله بعيدا وقدمها محيرة لأيهما تتوجه. والقلة الذين نجحوا في تحقيق المعادلة الصعبة، إما لجأوا إلى التصاميم القوية، بمعنى المحددة عند الأكتاف، للتمويه على نعومة الألوان أو اختاروا درجات مناسبة.
في عرض ماركة «ساكاي» لربيع وصيف 2017 في باريس، مثلا، تعرف منذ الإطلالة الأولى بأن الوردي، بكل درجاته، سيخترق خزانة الرجل العصري، بالنظر إلى شعبية الماركة في الأوساط الشبابية. لكن «ساكاي» ليست الوحيدة، فالكثير من المصممين استهوتهم ألوان الورود والشعاب المرجانية فغرفوا منها، بدءا من «بوتيغا فينيتا»، «زينيا»، «برلوتي» إلى «تايغر أوف سويدن» مرورا بـ«غوتشي» طبعًا. والحقيقة أننا لن نعرف نجاح هذه الموضة تجاريا إلا في الموسم المقبل، حين تُطرح في الأسواق. حينها فقط سنعرف ما إذا كانت مجرد نزوة أو رغبة لإحداث الصدمة فوق منصات العرض، أو محاولة صادقة لخض التابوهات والمتعارف عليه لمخاطبة رجل عصري. فقد جرت العادة، أن جنون عروض الأزياء لا يعكس دائما رغبات الزبون العادي وبالتالي لا يُحقق مبيعات تُذكر، الأمر الذي يفسر لماذا يُخفف المصممون من المبالغات وشطحاتهم عندما تصل هذه الأزياء إلى المحلات. لكن لا يختلف اثنان حول أن المصممين يأملون أن يساعدهم زبون شاب واثق ومتمرد في الوقت ذاته، على تحقيق التغيير بإقباله عليها كما هي، خصوصا أن هذا الزبون برهن لهم إلى الآن على أنه قادر على تغيير الموازين، وأن يلعب دورا مؤثرا في قطاع يتنامى بسرعة بفضل تعطشه لمعانقة الموضة.
أبحاث السوق تؤكد أن القطاع الرجالي ارتفع فعلا بنسبة 22 في المائة خلال الخمس سنوات الأخيرة، ويتوقع أن يحقق في بريطانيا وحدها مبيعات تقدر بأكثر من 14 مليار جنيه إسترليني هذا العام، حسب ما أعلنته منظمة الموضة البريطانية.
لكن مهما حاول المصممون التبرير، يبقى الوردي لون الأنوثة رغم كل العمليات المغرية والمبتكرة لتسويقه. فمنذ الولادة، يتم التفريق بين الأنثى والذكر بالألوان: الوردي للإناث والأزرق للذكور. في الكبر، وباسم التغيير والتطور يمكن التغاضي عن الأمر بشرط أن يكون إما بدرجات هادئة جدا، بنكهة الكريمة، أو مُطعما برائحة البنفسج، بينما تبقى درجات الورد أو سكر نبات محفوفة بالمخاطر. فهي لا تناسب الكل، كما أنها مثقلة بالإيحاءات التي من الصعب التخلص منها مهما كان تفصيل البدلة رجوليا وقويا، وبالتالي يجب أن تقتصر هذه الدرجات على الإكسسوارات مثل ربطة العنق أو منديل الجيب، وأحيانا على القميص بالنسبة لشاب واثق من نفسه.
ومع ذلك فإن اللون الوردي سيف ذو حدين، بالنسبة للرجل العربي: حد أنيق ومنعش وحد قاطع لا يتماشى مع ثقافته العربية وبيئته التقليدية. الأول يتحقق عندما يأتي بدرجات هادئة جدا مشربة بلون الكريمة، أي أنه يكون هادئا ومناسبا للطقس الحار. والثاني بجرأة الورد والفوشيا، وهو ما لا يناسب صورة الرجولة بالنسبة له في الكثير من الأحيان.
> إذا كانت صورة بدلة متكاملة بلون الفوشيا أو الوردي الفاتح تثير في نفسك الرعب وتسبب لك زغللة في العين، وهو أمر مفهوم لأنها فعلًا صورة محفوفة بالمخاطر والإيحاءات المختلفة، فإن قميصًا بأي من درجات الوردي يمكن أن يكون الحل المثالي لمواكبة الموضة، لا سيما أن كل واحد يمكنه أن يجد درجة تناسب بشرته وتتناغم معها بشكل رائع. ذوو البشرة السمراء مثلا تناسبهم درجاته الهادئة والخفيفة، بينما تناسب الدرجات الغامقة ذوي البشرة البيضاء. لكن لا بد من التنويه هنا أنه كلما كان غامقا اكتسب لمسة أنثوية أقوى، وهذا يعني أن هذا اللون يناسب ذوي البشرة السمراء والداكنة أكثر.
> يمكن تنسيق قميص وردي مع بدلة باللون الأسود، لمنحها جرعة حيوية، وإن كانت بدلة بلون أزرق داكن أو رمادي أفضل، كون الوردي يتناغم معهما، على شرط أن يكون تصميمها شبابيا ومفصلا على الجسم.
> يمكنك أيضًا أن تكتفي منه، أي الوردي، بقطعة واحدة، مثل بنطلون أو سترة «بلايز» تنسق كل واحد منهما بألوان أخرى، عوض بدلة كاملة.
> إذا أردت أن تضيف إلى قميصك الوردي جرعة ذكورية، يمكن أن تلبسه مع حمالات بنطلون أو مع صديري بلون غامق.