عودة الحرب الكلامية بين خامنئي وروحاني و«الخارجية» تنفي الانقسامات

قيادي في الحرس الثوري طالب الرئيس الإيراني بالتوقف عن تأييد الاتفاق النووي

عودة الحرب الكلامية بين خامنئي وروحاني و«الخارجية» تنفي الانقسامات
TT

عودة الحرب الكلامية بين خامنئي وروحاني و«الخارجية» تنفي الانقسامات

عودة الحرب الكلامية بين خامنئي وروحاني و«الخارجية» تنفي الانقسامات

بينما وصف خامنئي المفاوضات مع أميركا بـ«السم القاتل» و«تجربة لا جدوى»، في المقابل قال روحاني إن حصيلة المفاوضات النووية كانت سبب «العزة» لطهران، ويأتي هذا في حين استنكرت الخارجية الإيرانية تصريحات رئيس وكالة المخابرات الأميركية بشأن وجود انقسام كبير في رأس السلطة الإيرانية.
وجاء خطاب خامنئي، أول من أمس، بعد ساعات من دفاع روحاني من الاتفاق النووي، وانتقد مفاوضات إيرانية أميركية خارج الاتفاق النووي وتحديدا حول القضايا الإقليمية، مؤكدا أن حلول المشكلات والتحديات بين البلدين ليست في المفاوضات، وهو ما اعتبره محللون تأكيدا واضحا لمفاوضات تجريها الحكومة الإيرانية مع الجانب الأميركي.
بذلك عادت أجواء المشاداة الكلامية بين المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني مرة أخرى حول الاتفاق النووي بعدما شهدت تراجعا خلال الشهرين الماضيين. ودافع روحاني بقوة عن إبرام الاتفاق قائلا إنه في «زمن العقوبات كانت أيدينا ممدودة باتجاه الجميع، ولم تكن لدينا عزة، وهي أول شيء نتج عن الاتفاق».
في المقابل قال خامنئي إنه منذ سنوات يكرر موضوع «عدم الثقة» بالأميركيين، «لكن قبول ذلك يعصب على البعض»، وهي إشارة واضحة إلى روحاني وفريق حكومته، وذكر أن «الاتفاق النووي بعد مضي ستة أشهر على تنفيذه لم يترك تأثيرا ملموسا في حياة الإيرانيين».
يشار إلى أن مشهد الهجوم من خامنئي والدفاع من روحاني على أرض الاتفاق النووي بات مألوفا خلال الأشهر الستة الأولى من تنفيذ الاتفاق الموقع يوليو (تموز) 2015 بين إيران والدول الست الكبرى في فيينا. قبل أسبوعين، قال كبير المفاوضين النوويين عباس عراقجي إن إيران خرجت من بعض الخطوط الحمر في المفاوضات، بعدما حصل وزير الخارجية محمد جواد ظريف على موافقة مسبقة من خامنئي.
ولتأكيد «صحة» مواقفه قال خامنئي إن «حتى المسؤولين الدبلوماسيين ومن حضروا المفاوضات قبلوا بهذه الحقيقة أن أميركا تخرق وعودها وما وراء نبرتها الناعمة تعمل على تخريب العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع الدول الأخرى».
وينتقد خامنئي الاتفاق النووي؛ بسبب التأخير في رفع كل العقوبات الدولية عن إيران في حين ينص الاتفاق على أن يشمل العقوبات المعتقلة بالملف النووي الإيراني دون غيرها، وتتهم طهران الإدارة الأميركية بالتخلي عن في إقامة علاقات اقتصادية مع الشركات والبنوك الدولية في حين يرى المراقبون أن التأخير سببه فقدان الثقة بالسلطة الإيرانية والانقسامات السياسية الكبيرة في الداخل الإيراني.
في غضون ذلك نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أمس، وجود أي مفاوضات بين إيران وأميركا خارج الملف النووي، مشددا على أن أي مفاوضات أخرى بين الطرفين «لم تكن مطروحة».
ورد قاسمي على تصريحات رئيس وكالة المخابرات الأميركية جان برنان حول تبعات الاتفاق النووي على السياسية الداخلية الإيرانية، قائلا إنه «ليس في موقف يؤهله لأن يبدي رأيه حول القضايا الداخلية الإيرانية».
تعليقا على قاله برنان حول خلافات جذرية في السلطة الإيراني قال بهرامي إن «الانسجام والوحدة والتضامن» بين الشعب والحكومة الإيرانية يجعلها في «موقع مثالي إقليميا وعالميا»، معتبرا ما قاله المسؤول الأميركي حربا نفسية تهدف إلى التفرقة والانقسام في المجتمع الإيراني، وهو ما ترفضه طهران وفق ما نقلت عنه وكالة «مهر» الحكومية.
واستطرد قاسمي أن الشعب الإيراني «بعيدا عن الانقسامات المفبركة في المؤسسات المخابراتية الغربية يدافع عن قيمه ومبادئه وأمنه القومي». وبشأن حديث برنان عن مفاوضات واسعة تجري بين إيران وأميركا حول القضايا الإقليمية نفى بهرامي وجود المفاوضات قائلا إن «المفاوضات خارج إطار النووي لم ولن تكن مطروحة».
وكان برنان قد أشار قبل أيام إلى انقسامات كبيرة في هرم السلطة الإيرانية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المتوقعة في أبريل (نيسان) المقبل، وأوضح أن «في الداخل السياسي الإيراني حاليا خلافات بين المتشددين والمعتدلين. نحن نتابع بدقة خلافاتهم قبل الانتخابات الرئاسية. باعتقادنا روحاني أثبت أنه يريد إدخال إيران في المجتمع الدولي».
من جانبه، اعتبر مستشار ممثل خامنئي في الحرس الثوري يد الله جواني تصريحات روحاني الأخيرة حول الاتفاق «إساءة»، قائلا إنه يجب أن تنتهي هذا النوع من التصريحات بعدما قاله خامنئي حول عدم انتفاع إيران من الاتفاق النووي والتفاوض مع الأميركيين. وانتقد جواني بعض من «لديهم نظرة إيجابية إلى أميركا ويتصورون أنه يمكن التفاوض مع واشنطن والاتفاق معها». وفقا للقيادي في الحرس الثوري فإن «النظرة الإيجابية» كانت سببا في «تجربة المفاوضات والتوصل للاتفاق النووي»، معتبرا كلام خامنئي الأخير «نهاية هذه المواقف» في الداخل.
في هذا الصدد، اعتبر ما يردده روحاني عن نجاح الاتفاق النووي «إنجازات وهمية» للدفاع عن موقفه من الاتفاق. وعد ربط روحاني «العزة» الإيرانية بالاتفاق النووي «إساءة» للإيرانيين و«استخفاف» بـ«أصل الثورة» الإيرانية.
هذا ومنذ أسبوعين لم يتوقف الجدل على الصعيدين الخارجي والداخلي حول حصيلة السنة الأولى من إعلان الاتفاق النووي. خلال هذه الفترة تسربت وثائق جديدة وأشعلت أزمة بين إيران والوكالة الدولية. ووجهت طهران الاتهامات لأطراف مختلفة من الدول الست الكبرى والوكالة الدولية بتسريب وثائق سرية عن برنامجها النووي.
في 21 من يوليو انتقد ممثل خامنئي في مجلس تشخيص مصلحة النظام والمسؤول السابق عن الملف النووي الإيراني سعيد جليلي الاتفاق النووي، معتبرا إياها أداة لترويض إيران والضغط عليها، كما دعا إلى دراسة المواقف من المفاوضات النووي ليتبين أي موقف كان صائبا بعد مرور عام على الاتفاق.
وقال جليلي، الذي يتردد اسمه في قوائم المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة في نبرة لا تخلو من التهكم ضد روحاني: «إن في البداية قالوا يجب العمل بطريقة تدور معها عجلة المصانع واليوم يقولون: إننا أبرمنا الاتفاق كي لا تدور عجلة الدبابات ولا تشن حربا ضدنا»، وفي إشارة إلى وقف تخصيب اليورانيوم تابع: «في حين كان ينبغي أن تتضح علاقة عجلة المصانع بدوران أجهزة تخصيب اليورانيوم».



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».