المشهد

مهرجانات وأزمات

المشهد
TT

المشهد

المشهد

*‫ لم تكن كذبة أبريل تلك التي انطلقت قبل أيام قليلة لتعلن أن الدورة السابعة من مهرجان الخليج السينمائي سوف تتأجل لأسباب «خارجة عن الإرادة»، كما قال البيان الذي جرى إرساله إلى الصحافيين والمتابعين. كان التأجيل حقيقيا وإن لم يجر تعيين موعد آخر. هل سيتأخر موعد الدورة إلى وقت لاحق من هذا الشهر؟ الشهر المقبل بعد «كان»؟ في عز الصيف؟ أو قبل أسابيع قليلة من مهرجان دبي؟
*‫ ‬الاختيارات الصالحة لموعد إقامة مهرجان ما في المنطقة الخليجية عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الطقس والسياحة وأسعار التذاكر والفنادق وخلو الساحة من مناسبات أخرى. هذا ما جعل لقاء الأسبوع الثاني من شهر أبريل (نيسان) من كل عام مواتيا جدا للجميع.
*‫ ‬من المحتمل أن يؤدي ذلك التأجيل إلى الإلغاء هذا العام. المسألة مادية كما يشير ما تيسر وروده من معلومات وكما وشى به تغيير موقع إقامته قبل ذلك. لكن هذا الاحتمال يبقى محدودا الآن، فلا أحد يريد له التوقف. إنه النافذة التي يطل منها المخرجون الخليجيون إلى أعمال بعضهم البعض متنافسين على استحواذ الجوائز الكبيرة في نهايتها. يطلون على تجاربهم ويتبادلون الآراء وينتظرون النتائج ثم دائما ما كان البعض منهم يتخذ من نجاحه أو من فشله، إذا ما وقع، حافزا لعمل جديد يعود به في الدورة المقبلة أو التي تليها.
*‫ السينما الإماراتية هي إحدى المجموعات الرئيسة المكونة لمهرجان الخليج السينمائي. هي الأنشط عددا بين كل ما تتقدم به السينمات المجاورة، ولديها الآن عدد من المواهب الممكن الاتكال عليها مثل نجوم الغانم وخالد المحمود ونواف الجناحي من بين آخرين. بعض هذه المواهب انتقل من الفيلم القصير إلى الطويل وبعضها الآخر يسعى لهذه النقلة. لكن مهرجان الخليج في دبي ليس المهرجان الوحيد الذي رأينا فيه نشوء تلك البراعم الفتية من المواهب، بل شارك ذلك التأسيس مهرجان «أفلام من الإمارات» الذي يقيمه مهرجان أبوظبي السينمائي كأحد برامجه الرئيسة.
* ‬ولا يمكن أن تؤدي النظرة المستقلة لهذين المهرجانين إلا إلى تقدير هذه الرحلة الطويلة التي خاضتها السينما في دولة الإمارات من عام 2000 إلى اليوم تقديرا كبيرا. مثل مدينتي أبوظبي ودبي، انتقل المهرجانان من حال إلى حال. ترعرعا وما زالا يفاجئان المتابع بتلك المواهب الإماراتية كما سواها من مواهب أبناء المنطقة. لذلك من الشائك أن يتاح لمهرجان الخليج، وهو الأكبر في نوعه بين كل المهرجانات المعنية بسينما الخليج، أن يتوقف أو أن يتعرض لخضة مالية تدفعه للتأجيل (الذي هو نصف توقيف) إذا ما كان ما سمعناه من الأزمة المادية هو السبب.
*‫ ‬وعلى عكس الضجة التي أحدثها هذا التأجيل (وهي إيجابية لناحية ما أثارته من أسف ومطالبات واهتمامات) جرى إلغاء مهرجان كان يقام في مدينة الدوحة كمهرجان خاص بالسينما الوثائقية العربية. وكان موعد إقامته سابقا لموعد إقامة «الخليج» بأسبوعين.. لكن أحدا لم يكترث. فذلك المهرجان بعد سنوات على إقامته بقي غير محسوس ولا هو تقدم مرتقيا. وكان مهرجان «أجيال» القطري أيضا ألغي منذ خمسة أشهر ولم يثر ذلك اهتمام أحد.
* ‬والضائقة المالية عصفت بمهرجان «مسقط» في دورته الثامنة هذا العام، لكنه أقيم بما يشبه الاحتفال الصغير. ربما إقامته على هذا النحو المتواضع كانت أفضل من إلغائه، لكن صداه بقي خافتا في كل الأحوال.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.