أعاد حكم ابتدائي بالإعدام، من المحكمة الجزائية العاصمة في السعودية الرياض المتخصصة في جرائم الإرهاب، على عنصرين من تنظيم القاعدة، توصيف عقدة الآيديولوجيا المتصلة والمطبقة اليوم مع تنظيم داعش في استهداف رجال الأمن، بعد قتلهما اللواء ناصر العثمان بمنطقة القصيم في عام 2007.
المدانان بجريمة قتل اللواء ناصر العثمان، أقرا وفق الجلسات القضائية الطويلة بقتلهما اللواء العثمان، وممارسة أبشع أنواع الجريمة في القتل، أحد أولئك المدانين، هو ابن أخت اللواء، الذي أسهم بشكل كبير في الغدر بـ«خاله» اللواء أثناء وجوده في استراحته الخاصة خارج المدينة، مقرا بأنه ساعد في تنفيذ الجريمة من خلال تهديده والسيطرة عليه بالسلاح، وتكبيل يديه وقدميه، قبل أن يقوم بتصوير عملية القتل.
تلك حكاية من عشرات عمليات الاستهداف ضد رجال الأمن في السعودية، بدأه «القاعدة» عبر منظريه الشرعيين لديه، باستباحة دماء العسكريين، بحكم أنهم «حماة أنظمة الطواغيت»، وهو ما أشارت إليه مناهجهم التكفيرية وشرحها أحد منظريهم، الهالك فارس آل شويل الزهراني، عبر كتابه «الباحث في قتل أفراد وضباط المباحث».
وخلال فترة المواجهة الأمنية الشرسة ضد تنظيم القاعدة، الذي انتهى فعليا من الميدان السعودي، بعد ضربات استباقية ومكافحة أمنية خلال أقل من ثلاثة أعوام، حاول أفراد التنظيم القيام بعمليات ضد مقار ورجال أمن، بناء على فتاوى مارقة عن الدين الإسلامي تجيز قتل أفراد الشرطة وعموم العسكريين، وهو ما يكشف كل الأوجه القبيحة للفكر الإرهابي الذي غذاه تنظيم القاعدة وحافظ عليه تنظيم داعش.
الخطابات التكفيرية أيضا بعد «القاعدة»، يتبعها «داعش»، حيث نقلت المواقع وحسابات تتبع للتنظيم عن المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش، أبو محمد العدناني، جاء فيه: «لا بد لنا أن نصدع بحقيقة مرة، لطالما كتمها العلماء، واكتفى بالتلميح لها الفقهاء، وهي: كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت (..) إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين، هي بعمومها جيوش ردة وكفر. وإن القول بكفر هذه الجيوش، وردتها، وخروجها من الدين، بل ووجوب قتالها، لهوَ القول الذي لا يصح في دين الله خلافه».
وما يربط بين حكم قاتلي اللواء العثمان، ومنفذي إرهاب «داعش» في استهداف أقاربهم من رجال الأمن، هو فتوى نبعت من التربة القاعدية لتجني ثمارها النبتة الداعشية، قبل أن تعيد صياغتها إلى طريقة «الذئاب المنفردة»، لاستهداف رجال الأمن داخل البلاد أو المواطنين، انطلاقا من دعوة التنظيم في خطابات سابقة إلى «قتل الأقارب من رجال أمن الطائفة الشيعية» بناء على فتوى لـ«داعش» عنوانها «قتل الأقارب مقدم على النفير للجهاد» قبل الانضمام إلى صفوف التنظيم في مواقعه في سوريا والعراق.
التنظيمات الإرهابية، تعكس أعمالهم ومحاكمات المتهمين والأفراد التابعين، وضوح عملهم في ثلاثة شعب: الشرعي، والعسكري، والإعلامي، مستمدين من التنظير الذي مارسه وأعده تنظيم القاعدة أساسا في الإجرام، يستند إلى الفتيا في التنظيم ويمد الشعبة الإعلامية بنتاجه من خطب وبيانات مسمومة، يشرعنون وجودهم مع الزاد النظري وتطبيق أخير عبر أفراده.
وأشار اختصاصي في دراسات السلوك التنظيمي إلى أن استهداف رجال الأمن ومواطنين هي سياسة قديمة تتبعها التنظيمات الإرهابية لخلق نجاحات وانتصارات تحاول خلق مجال لهم في الفضاء الإجرامي، وأن تلك الجرائم غدرا بالأقارب توحي بتوظيف التنظيمات للنظريات النفسية والعلمية في تجنيد عناصره. وقال الدكتور خالد البكر، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، إن التنظيمات الإرهابية تحاول صياغة خطابها استنادا إلى وقائع سياسية ومجتمعية، وتتغير وسائل التواصل للتأثير بناء على ذلك، لكن الرابط بينهما هو الاتفاق على «التكفير» للأنظمة حتى يسهل تشكيل وعي مغاير على الواقع منطلقه الفهم العقائدي، ومن ثم يسهل التحكم بهم بالخطاب الدموي الذي يجعل كل أعمالهم في صورة «النصر المقدس»، مضيفا أن التأصيل جمعه تنظيم القاعدة، وطبقه اليوم تنظيم داعش، مستغلا الأخير الفوضوية والموقع الجغرافي له في العراق وسوريا من صياغة الخطاب الغضب على الآخر، ولو كان من الوالدين أو الأقارب.
«داعش» في الأعوام الأخيرة، ظهر بعناوين سوداء في استهداف دور العبادة ورجال الأمن، وهو ما يعكس المنهج والفكر الذي تسير عليه التيارات المتطرفة، بانتهازيتها وإخلالها بأحكام الدين الإسلامي، وإشاعتها للقتل بأساليب متنوعة، ولو كان مع أقرب الأقربين، متناسين الدم الجامع ورابطين الدم المسموم بدمائهم، وعلى ذلك تصل إلى وضع سكين الألم في خاصرة المجتمع السعودي ببشاعة لن تتجاوزها الأزمنة. «داعش» على مسار المنهج ذاته، تدعو عبر متحدثيها إلى البراءة من أفراد الأسرة والأقارب، ومن ثم الخلاص منهم، ولعل التسجيل الذي نشره التنظيم في العام الماضي، بمرجعية «المكتب الإعلامي لولاية بركة» قال المتحدث الإرهابي مناديا: «إلى الإخوة في جزيرة العرب ممن حبسهم العذر، تبرؤوا من أقرب الناس إليكم، فذلك هو المعروف والأقربون أولى به، تبرأ من والدك وأخيك وعمك، فأعظم المعروف الولاء والبراء، وإن كان أحدهم يعمل في السلك العسكري فتبرأ منه أولا واقتله ثانيا، وحرض من تعرف على البراء والقتل»، وهو منهج يحقق العزلة المجتمعية، ويهيئ لأبعد من ذلك.
الرياض، كانت مسرحا لواحدة من الحوادث البشعة في الغدر بالأقارب، العام الماضي، حين أقدم أحد الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم داعش، ويدعى، عبد الله الرشيد، ولم يتجاوز عمره العشرين عاما، على قتل خاله الذي يعمل ضابطا بوزارة الداخلية، قبل أن يتجه إلى محاولة استهداف سجن الحاير بالرياض في يوليو (تموز) من العام الماضي، قبل أن يفجر نفسه أثناء إيقافه من قبل نقطة تفتيش أمنية على الطريق، مما دعاه إلى تفجير السيارة، نتج عنه مقتل الانتحاري وإصابة اثنين من رجال الأمن.
تبعها حادثة غدر ومبايعة علنية لتنظيم داعش، في حادثة وقعت بمحافظة الشملي بمنطقة حائل (شمال السعودية)، التي وقعت في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ووافق أول أيام عيد الأضحى، حيث أظهر مقطع مرئي إقدام سعد راضي العنزي وبمساندة شقيقه عبد العزيز، من قتل ابن عمهما مدوس العنزي، الذي يعمل في أحد القطاعات العسكرية، استجابة لما تحدث به سعد في التسجيل أنه جاء امتثالا لأوامر أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، وسبق ذلك القتل وإعلان مبايعة البغدادي، تورطهما في جريمتين، تمثلت الأولى في قتل اثنين من المواطنين عند مخفر شرطة تابع لشرطة محافظة الشملي، أما الثانية تمت بقتلهما أحد رجال الأمن الذين يعمل بإدارة مرور المحافظة بسلاح ناري.
وبعد يومين من نشر الشقيقين العنزي لمقطع قتل ابن عمهما، تمكنت الأجهزة الأمنية السعودية من القبض عليهما بعد رصد وجودهما في منطقة جبلية، قرب قرية بمحافظة الشملي، وبمحاصرتهما ودعوتهما لتسليم نفسيهما بادرا بإطلاق النار بكثافة تجاه رجال الأمن، مما نتج عنه مقتل المطلوب عبد العزيز العنزي (المصور)، وإصابة شقيقه سعد العنزي (القاتل) والقبض عليه.
وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، أظهر تسجيل مرئي، غدر خمسة من الإرهابيين بقريبهم، بدر الرشيدي الذي يبلغ من العمر 32 عاما، ويعمل برتبة وكيل رقيب بقوات الطوارئ الخاصة بمنطقة القصيم (شمال الرياض)، بعد أن تمكَّن الإرهابيون بقيادة ابن خالة المغدور، ويدعى وائل مسلم الرشيدي الذي يعمل طبيبا بأحد المستشفيات الأهلية بمدينة الرياض، من استدراجه وتقييده برفقة زملائه الإرهابيين في إحدى السيارتين اللتين كانوا يستقلونها.
تلك الحوادث في استهداف رجال الأمن وغيرها، ذات المنهج الواحد تكشف الأيام اتجاهها إلى المنهج السياسي بمحاولة إحداث الفتنة في البلاد، ساعين إلى خلق الاضطرابات، وتسليط الضوء الإعلامي على إجرامهم وأنهم باقون، لكن اليد الأمنية في السعودية كانت قوية في دحرهم، بعد أن تسببوا في إرهاب متعدد الأوجه والاضطرابات.
«داعش» استمد إغراقه الفكري من «القاعدة»
فضاء الإرهاب يقدم استهداف رجال الأمن على النفير
«داعش» استمد إغراقه الفكري من «القاعدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة