أصدر القضاء السعودي، أمس، حكمًا ابتدائيًا بالإجماع بالقتل والاعدام، لسعوديين، غدرا باللواء ناصر العثمان، أحد منسوبي المديرية العامة للمباحث، وذلك بقتله وفصل رأسه عن جسده، في استراحته خلال عام 2007، بعد تكبيل يديه وقدميه، لا سيما وأن أحد منفذي الجريمة التي تعد من أبشع الجرائم الإرهابية، هو من أقارب المغدور، فيما شرع الثالث الذي حكم عليه بالسجن 30 سنة، ومنعه من السفر، في قتل قائد الطوارئ الخاصة في منطقة القصيم، وسعيه لتشكيل خلية إرهابية بالسعودية، بالتنسيق مع أبو مصعب الزرقاوي، قائد التنظيم بالعراق.
وأثبتت الأدلة لدى المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، أن المدان الأول اشترك مع زميله المكنى «أبو يوسف» في جريمة قتل المغدور اللواء ناصر بن محمد العثمان، وذلك برصده حتى تحين الفرصة لتنفيذ هذه الجريمة، وتمكنا منه وهو في غفلة من أمره في استراحته في محافظة بريدة، في منطقة القصيم (شمال العاصمة السعودية 450 كيلو)، في 2007، والسيطرة عليه تحت تهديد السلاح وتكبيل يديه وقدميه، ثم نحره وفصل رأسه عن جسده، بناء على معتقدهم بأن المجني عليه كافر مرتد في نظرهم لعمله بجهاز المباحث العامة.
وتشير الإثباتات إلى أن المدان الأول انتهج الفكر التكفيري، وانتقد الشيخ ابن باز (رحمه الله) مفتي عام السعودية سابقا، وكان يرى عدم الصلاة خلف الشيخ عبد الرحمن السديس، أحد أئمة الحرم المكي، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث إنه أدى الصلاة خلفه بنية المنفرد، كما اعتاد أن يفعل ذلك أصحاب الفكر الضال.
وقام المدان الأول بتمويل الإرهاب، بتسليمه مبلغ 130 ألف ریال (6.34 ألف دولار)، للمدان الثاني (أبو يوسف)، من أجل إرسالها لتنظيم القاعدة بالعراق، حيث قاموا بتحويل الأموال من عملة الریال إلى اليورو، حتى يسهل حملها.
وقام المدان الأول بضليل جهات التحقيق، بإخفائه الدور في إيصال بعض المطلوبين أمنيا إلى منطقة تبوك (شمال غربي السعودية)، للخروج إلى العراق للمشاركة في القتال الدائر هناك، خصوصا أن المدان ادعى الجنون أثناء التحقيق معه مدة طويلة بناء على ما يعتقده من منهج تكفيري، يستبيح معه المحرمات، ومنها الكذب على من يعتقد كفرهم، حتى لو أدى ذلك إلى تركه الواجبات الشرعية من الطهارة والصلاة من أجل تضليل جهات التحقيق.
وأقر المدان بمشاركته في قتل أحد أقاربه من جهة والدته، حيث يعرفه جيدا، والمواقع الذي يعتاد الوجود فيها، وبعملية القتل، حيث ذهب ومعه زميله (أبو يوسف)، ودخلا على اللواء ناصر العثمان (رحمه الله)، في استراحته الخاصة، وقاما بتكبيل يديه وقدميه، وأن زميله (أبو يوسف)، هو من نفذ عملية النحر، وفصل الرأس عن الجسد، فيما كان دور المدان الأول هو توثيق العملية، تمهيدا لنشرها عبر شبكة الإنترنت، كما اعتادت التنظيمات الإرهابية في نشر أعمالهم الوحشية.
وأثبتت الأدلة لدى المحكمة الجزائية المتخصصة، بأن المدان الثاني الذي يكنى بـ(أبو يوسف)، وهو سعودي الجنسية، سبق وأن التقى مع أبو مصعب الزرقاوي، قائد التنظيم بالعراق، ونسق معه لخروج الشبان السعوديين إلى هناك، لانضمامهم إلى القتال الدائر، والسعي إلى تشكيل خلية إرهابية جديدة داخل السعودية، وجمع كميات كبيرة من الأسلحة وإخفائها في منزله، من بينها بندقية قناصة نوع «دراغنوف»، (شاخوفه)، بعيدة المدى، حيث خطط المدان الثالث في القضية لاستخدام هذا السلاح من أجل قتل قائد قوة الطوارئ الخاصة في القصيم.
وحسب الاعترافات خلال التحقيقات مع عناصر الخلية، والذي جرى مصادقتها شرعا، اشترك المدان الثاني مع الأول مع عملية نحر اللواء ناصر العثمان في استراحته، لا سيما أنه خطط للقيام بعمليات إرهابية داخل البلاد، وجمع الأموال، وجند المدان الأول والثالث من أجل ذلك، وارتبط بقيادات التنظيم في العراق، منهم أبو مصعب الزرقاوي، وأبو عبد الله الشافعي، وأبو طلحة العراقي.
وأثناء رجوع المكنى «أبو يوسف»، قام بتقديم الدعم المالي للتنظيمات الإرهابية في العراق، ثم قرر السفر إلى العراق مرة أخرى، إلا أنه لم يستطع الدخول إلى هناك، وقرر حينها السفر إلى السعودية، وتدرب في أحد المعسكرات هناك على الأسلحة الرشاشة، والمسدس والـ«آر بي جي» والـ«بيكا» والقنابل اليدوية، وقام من مكانه بالتنسيق لسفر عدد كبير من الأشخاص إلى مواطن القتال. القضاء السعودي يبدأ محاكمة متطرفين نحروا ضابطا وشرعوا في تأسيس خلية إرهابية
وبعد عودته مرة أخرى، قام بتسجيل وصية لأحد الأشخاص قبل سفره إلى العراق للمشاركة في القتال، من أجل بثها بعد مقتله عبر شبكات الإنترنت، كما تدرب خلال وجوده في السعودية على كيفية صناعة الأكواع والقنابل اليدوية، وصناعة السموم، وحيازته ورقة تحتوي على أسماء ورموز وأوصاف لأشخاص مجهزين للقيام بعمليات إرهابية.
وأقر المدان الثالث، وهو سعودي الجنسية، الذي حكم عليه بالسجن 30 سنة، ومنعه من السفر بمدد مماثلة لسجنه، تبدأ بعد انتهاء محكوميته، بانتمائه لتنظيم القاعدة، من خلال اجتماعه مع مطلوبين أمنيين في منزل أحدهم بقصد مناقشة إعداد كوادر عسكرية سورية سواء يتم تدريبها داخل السعودية أو خارجها، للاستفادة منها وقت الحاجة، والشروع في اغتيال قائد قوات الطوارئ الخاصة في منطقة القصيم، بالاشتراك مع المدان الثاني، وخلعه البيعة التي في عنقه لولي الأمر، ومبايعته القتيل أسامة بن لادن، زعيم التنظيم الأم في أفغانستان (آنذاك) على السمع والطاعة خلال وجوده في أفغانستان في 2001، كما تستر على ما عرضه عليه أحد المتهمين (موقوف حاليا لدى الجهات المختصة) من رغبته ضمه للخلايا الإرهابية تحت قيادة القتيل عبد العزيز المقرن، قائد التنظيم بالسعودية، وعدم إبلاغه الجهات الأمنية عن ذلك.
واعترف المدان الثالث، باشتراكه في عرض رسالتين صوتيتين؛ الأولى لأبو مصعب الزرقاوي، والأخرى لقيادي في التنظيم، في جهاز صغير شبيه بالقلم وله سماعات صغيرة خارجية، يحمل في الجيب، على مجموعة من الأشخاص في بريدة، وذلك بقصد كسب تأييدهم لجمع الأموال، حيث أحضر هذا التسجيل من العراق، وثبت أيضا إيصاله رسالة شفهية مهربة من داخل سجون القصيم من أحد الموقوفين وموجهة إلى متهم آخر موقوف، ومضمونها أن العلاقة التي تربطهم هي علاقة دعوة وفتاوى فقط، ورسالة خطية من شخص موقوف داخل السجن نفسه، سلمها له أحد الأشخاص بهدف إرسالها إلى أحد المطلوبين، ومضمونها أن يكون حذرا في تحركاته وأن يسلم المعني مبلغ خمسمائة ألف ريال (133.3 ألف دولار).
* لماذا تأخر انتهاء التحقيق مع عناصر الخلية الإرهابية!
استمرت التحقيقات الأمنية في الخلية مدة تجاوزت ثمانية أعوام، بينما أصدر الحكم الابتدائي من المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، خلال فترة خمسة أشهر، بسبب ادعاء أحد المنفذين لعملية الغدر، باللواء ناصر العثمان، من منسوبي المباحث العامة بالقصيم، الجنون لفترة تجاوزت أعوامًا كثيرة، بغية الهروب من التحقيق في القضية، لا سيما وأنه قريب للعثمان من طرف والدة المدان، فيما استخدم المنفذ الثاني للحادثة، ما يسمى «الأمنيات»، لمواجهة التحقيقات معه عند القبض عليه. وادعى المدان الأول في القضية الجنون على نفسه، وتم عرضه على الطبيب المختص، إلا أنه لم يثبت ذلك، وتطورت حالته، وأصبح يتغوط على نفسه لا إراديا، لمدة أعوام داخل السجن، الأمر الذي أدى بإدارة السجن لنقله إلى المستشفى ومتابعة حالته، وأصبحت القضية معلقة نظرا لحالة السجين الصحية حينها، إلا أن التحقيقات الأمنية وتعددها، وفهم تلاعب المتهمين، تمكنت من كشف المدان.
واعترف المدان الأول بعد سنوات، أن ادعاءه للجنون كان بقصد الهروب من الحقيقة، والعملية الإرهابية الغادرة، الذي أثبتت عليه، لا سيما أنه استمر لمدة سنوات لا يستطيع الطهارة أو أداء الصلاة، بسبب ما يعمله في نفسه، إلا أنه لم يتمكن من الفرار من أجهزة التحقيق.
وكان المدان الأول، مرشحا لوظيفة ملازم قضائي، إلا أن الفكر الإرهابي استطاع السيطرة عليه، واعتنق الفكر الضال، وأصبح يؤمن بمعتقدات فاسدة، لا صحة لها في الدين الإسلامي.
فيما انتهج المدان الثاني المكنى (أبو يوسف)، الأمنيات والمتبع عند أعضاء التنظيمات الإرهابية، حيث ثبتت حيازته مذكرة تتضمن كيفية انتهاج أسلوب الأمنيات لمواجهة التحقيقات عند القبض عليه.
وبعد سنوات من تمكن جهات التحقيق الأمنية، من استيفاء الأدلة والإثباتات، وتصديقها شرعا، على الرغم من التلاعب الذي قام بها عناصر الخلية من الهروب من الحادثة البشعة، تم إيحال ملف القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، حيث تم إعداد لائحة دعوى قضائية، وتم مثول أعضاء الخلية، وتلاوة الدعوى، ثم الاستماع إلى إجاباتهم، وكذلك رد الادعاء العام خلال جلسات مختلفة للتداول في القضية، واستمرت نحو خمسة أشهر فقط.