ليست منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحدها التي تعتقد أن السوق ستتوازن في النصف الثاني، وهو ما سيسرع عملية تعافي أسعار النفط، لكن وكالة الطاقة الدولية هي الأخرى تعتقد أن الأسعار في طريقها للتعافي في النصف الثاني مع عودة التوازن.
ورغم كل هذا التفاؤل من فيينا وباريس، فإن تعافي أسعار النفط لا يزال في مهب الريح في النصف الثاني، والسبب في ذلك التطورات التي ظهرت أخيرا في سوق وقود السيارات المعروف (البنزين).
ويرتبط إنتاج البنزين والديزل والمواد البترولية بصورة عامة بإنتاج النفط، فعندما يزيد الطلب على المنتجات، يزيد الطلب على النفط الخام، وعندما ترتفع مخزونات المنتجات أو يقل الطلب عليها، يقل الطلب على النفط، وهذا ما يتوقع الجميع حدوثه في الربع الثالث.
إذ إنه حتى الآن لم يكن الطلب قويًا على المنتجات هذا الصيف، خصوصا على البنزين، لدرجة تجعل المخزونات التجارية منه تقل، لكن المخزونات زادت في الولايات المتحدة، أكبر سوق للبنزين في العالم، مع انتهاء ذروة موسم قيادة السيارات في الصيف هذا الشهر.
وفي الأسبوع الماضي تفاقمت خسائر عقود البنزين الأميركية لتسجل أدنى مستوى لها في 4 أشهر بعدما أظهرت البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية زيادة مفاجئة في إمدادات البنزين رغم نمو الطلب في الصيف.
وصعدت مخزونات البنزين 911 ألف برميل في البيانات الأسبوعية التي تصدر كل يوم أربعاء، في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى استقرارها.
وجاء هذا الصعود في مخزونات البنزين رغم أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أعلنت أن مخزونات النفط الخام انخفضت 2.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 15 من يوليو (تموز) مقارنة مع توقعات المحللين بانخفاض قدره 2.1 مليون برميل.
ومع ارتفاع مخزونات البنزين، زادت المخاوف بأن الطلب في الصيف هذا العام لم يكن قويًا لدرجة تطمئن السوق، خصوصًا أن الربع الثالث يشهد تراجعًا في الطلب على المنتجات؛ وفي الوقت نفسه، فإن الطلب على النفط يشهد تراجعًا، حيث يدخل كثير من المصافي في الصيانة الموسمية استعدادًا لموسم الشتاء.
وفي الولايات المتحدة، أكبر سوق للمواد البترولية في العالم، قالت إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة في تقريرها لشهر يوليو إن إنتاج البنزين الشهر الماضي وصل إلى ثاني أعلى مستوى تم تسجيله في تاريخ البلاد عند 10 ملايين برميل يوميًا، مما ساهم «على الأرجح في وضع ضغوط تنازلية على أسعار البنزين».
ورغم وصول الطلب على البنزين وتصديره إلى مستوى غير مسبوق في يونيو (حزيران) ومايو (أيار) الماضيين، فإن هبوط هوامش تكرير المصافي دليل على أن سوق البنزين مشبعة حاليًا بالمعروض، كما تقول الإدارة، التي أوضحت أن إنتاج البنزين حتى الآن سجل معدلا جديدا للزيادة فوق معدل الخمس السنوات.
وليس الوضع في آسيا أفضل بكثير من الوضع في الولايات المتحدة، ففي القارة الصفراء هناك طفرة كبيرة في إنتاج وتصدير البنزين، والأمر ذاته ينطبق على الشرق الأوسط حيث إن المصافي الجديدة في السعودية عززت من قدراتها التصديرية للمنتجات.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية، التي تتخذ من باريس مقرًا لها، من أن فائض المواد البترولية قد يستمر في الصعود إذا لم يزد الطلب، مما قد يهدد أسعار النفط العالمية.
وتقول الوكالة إن المصافي عالميًا قلصت الكميات التي تكررها في الربع الثاني بنحو 800 ألف برميل يوميًا، فيما من المتوقع أن ترتفع الكميات المكررة بنحو 2.4 مليون برميل يوميًا في الربع الثالث من العام الحالي.
وأعطت الوكالة مثالاً على ذلك في الصين التي شهد فيها الطلب على النفط في شهر مايو هبوطًا على أساس سنوي بنسبة واحد في المائة أو ما يعادل 130 ألف برميل يوميًا، والسبب في ذلك تباطؤ الطلب على البنزين والديزل.
أما «أوبك» في تقريرها الشهري، فقد أكدت أن هوامش التكرير في آسيا ضعفت بنحو دولارين في يونيو مقارنة بمايو بسبب فائض المعروض من المواد البترولية الخفيفة التي يتم إنتاجها من البنزين والكيروسين، وبسبب زيادة الإنتاج في الصين واليابان والهند.
ويقول محلل أسواق النفط في «رويترز» كلايد رسل، في مقال نشر أمس، إن أرباح تكرير المصافي من البنزين هبطت إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات ونصف لتصل إلى أكثر قليلاً من دولارين فوق سعر «نفط برنت».
وهبطت هوامش تكرير البنزين هذا العام، بحسب ما ذكره رسل بنحو 85.3 في المائة، لكنها لا تزال أعلى من الانخفاضات التي شهدتها في عام 2013.
والسبب في هبوط الهوامش، كما يقول رسل، هو ارتفاع صادرات البنزين من الهند والصين في النصف الأول بصورة أغرقت الأسواق في آسيا، خصوصا في سنغافورة؛ إذ ارتفعت صادرات الصين من البنزين وحده بنحو 75 في المائة في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات الجمارك الصينية.
ما لم يؤد توقف المصافي للصيانة إلى استهلاك المواد البترولية في المخزونات، فإن تخمة البنزين ستضغط على هوامش التكرير، مما يجعل أسعار النفط تحت ضغوط تنازلية.
الأمر الآخر الذي تجب مراقبته هو مخزونات النفط التي ما زالت عالية على الرغم من أن المعروض العالمي من النفط بدأ في الاقتراب من الطلب، لكن ما دامت المصافي متوقفة للصيانة والطلب على البنزين والديزل ليس كبيرًا، فإن الطلب على النفط لن يكون كبيرًا لدرجة تؤدي إلى سحوبات عالية من المخزونات.
والنتيجة النهائية هي ما أشار إليه مصرف «مورغان ستانلي» عندما قال في تقريره إن تراجع الطلب على النفط في الربع الثالث قد ينهي استقرار أسعار النفط الذي شهدناه مؤخرًا، وقد يعيدنا إلى حزمة سعرية بين 30 و50 دولارا.
«تعافي أسعار النفط» في مهب الريح مع تطورات سوق البنزين
تراجع الطلب على النفط في الربع الثالث قد ينهي استقرار أسعار النفط الذي شهدناه مؤخرًا
«تعافي أسعار النفط» في مهب الريح مع تطورات سوق البنزين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة