رائحة لبنان في «لبنان» الباريسي

قصة عائلة مهاجرة ونجاح منقطع النظير

ديكورات بسيطة على نمط القرى في لبنان - مائدة غنية - من ألذ أنواع الحلوى في المطبخ اللبناني
ديكورات بسيطة على نمط القرى في لبنان - مائدة غنية - من ألذ أنواع الحلوى في المطبخ اللبناني
TT

رائحة لبنان في «لبنان» الباريسي

ديكورات بسيطة على نمط القرى في لبنان - مائدة غنية - من ألذ أنواع الحلوى في المطبخ اللبناني
ديكورات بسيطة على نمط القرى في لبنان - مائدة غنية - من ألذ أنواع الحلوى في المطبخ اللبناني

تنتشر المطاعم اللبنانية خارج لبنان بشكل لافت وكبير، ولكن تبقى هناك مشكلة تواجه الكثير من تلك المطاعم، ولا يتلمسها إلا اللبناني أو العربي صاحب الذائقة المميزة، ألا وهي تعطش تلك المطاعم إلى المنتج اللبناني الحقيقي الذي يساهم في نجاح نكهة أي طبق يعتمد على الخضراوات؛ لأنه من المعروف عن الخضراوات في أوروبا أنها تبدو جميلة وبراقة، لكنها تفتقد إلى النكهة، وهذا ما يفقد الكثير من الأطباق اللبنانية نكهتها الحقيقية مهما حاول الطاهي أن يفعل أو يبتكر.
ولكن هناك حفنة من المطاعم اللبنانية حول العالم التي استطاعت ونجحت في استقطاب رائحة لبنان ونكهاته الحقيقية ومنتجاته التي غذتها حرارة الشمس والمتوسط، من بينها مطعم «لبنان» Le Loubnane الواقع في الحي اللاتيني في باريس، وهذا المطعم حاصل على شهادة التميز على موقع «تريب أدفايزر» المتخصص بالسفر والمطاعم حول العالم، وهناك إجماع من قبل من زار المطعم على أنه من أفضل المطاعم اللبنانية على الإطلاق.
في زيارة قصيرة إلى باريس مع أصدقاء أجانب أصروا على تذوق الأكل اللبناني، أخذت بنصيحة موقع «تريب أدفايزر»، وعند وصولنا إلى المطعم كان صاحبه كمال ناصيف واقفا على الباب يستقبل الزبائن، فشعرت تلقائيا وكأنني في لبنان، الترحيب واضح، طلب منا الانتظار ووعدنا بطاولة «على ذوقنا»، وهكذا حصل، كانت طاولة جميلة في وسط المطعم الذي يتمتع بديكورات أشبه ببيوت القرى في لبنان، الجدران مغلفة بالحجر الأبيض وطاولات من الخشب البني وبساطة في الأثاث والإكسسوارات ورائحة منبعثة من المطبخ تبشر بالخير.
كمال ناصيف صاحب المطعم، أو سفير المطبخ اللبناني إلى فرنسا كما تطلق عليه الصحافة الفرنسية، لا يزال يعمل بنفسه في المطعم الذي ورثه عن خاله رشيد يوسف مخول الذي بدأ رحلته في باريس عام 1952 مع مطعم «شي رشيد» ليكمل ناصيف المسيرة مع Le Loubnane منذ عام 1984 ليصبح هذا العنوان مرتعا للذواقة والسياسيين العرب والغربيين والسياح والفرنسيين، ولا يزال لغاية هذا اليوم يقوم ناصيف بالإشراف على تحضير الأطباق في المطبخ، وفي تلك الأمسية التي زرنا فيها المطعم أخبرنا ناصيف بأنه سيخضع في اليوم التالي لعملية قلب مفتوح، ولكن مشكلة قلبه لم تحُل دون وقوفه في المطبخ من أجلنا لتحضير أفضل طبق «تبولة» على الإطلاق.
ويشرف على المطعم ابن ناصيف البكر ويدعى ماثيو، وهو محام بالمهنة اختار العمل مع أبيه بعد أن تعرض هذا الأخير إلى نوبة قلبية من فترة.
أطباق «لبنان» هي فعلا تحمل نكهات ورائحة لبنان، وشرح ناصيف السبب؛ كونه يقوم بجلب معظم المنتجات من لبنان، وهذا ما يساعد على ضمان النكهة الحقيقية للأطباق اللبنانية التي تعتمد على الخضراوات بشكل كبير.
المازة في «لبنان» أكثر من رائعة، ومن الضروري تجربة أنواع الكبة المحشوة بالجبن والأطباق اللبنانية الأخرى المبتكرة، وأنصحك بتذوق الحلوى في «لبنان» والبطيخ المقطع على شكل قلوب، وهذا دليل على العناية الفائقة بالتفاصيل.
المطعم موزع على طابقين، في الطابق السفلي تجد غرفة خاصة للطعام يمكن حجزها بالكامل.
اللافت في المطعم هو الجو العائلي والألفة الواضحة بين العاملين، فمعظمهم من العائلة نفسها، أما بالنسبة للزبائن فالغالبية الكبرى منهم من الزبائن الدائمين، وهذا الأمر واضح من طريقة تعاطي الموظفين وكمال ناصيف معهم.
يشار إلى أن مطعم «لبنان» يفتح أبوابه من الثلاثاء إلى الأحد، ويقع في 29. rue Galande
75005 Paris



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».