لم يتعب جمهور وائل كفوري من الغناء معه على مدى 90 دقيقة، طيلة وقت الحفلة التي أحياها ضمن مهرجانات «أعياد بيروت». فبقي واقفًا متّسمًا بحماس الشباب أحيانًا، وجالسًا هاتفًا باسمه أحيانًا أخرى، يردّد كلمات أغانيه التي حفظها ظهرًا عن قلب.
نحو الساعة العاشرة كانت مقاعد مدرج المسرح في «بيال» قد امتلأت بمحبّي المطرب اللبناني، وبعد أن أخذ أعضاء فرقته الموسيقية أماكنهم على الخشبة، صدح صوت وائل كفوري من الكواليس بموّال «كيفن حبايبنا»، ليطلّ على أثره على الجمهور شاكرًا له حضوره وخاصًا بالذكر أهل الفن والإعلام. وبأغنيته الشهيرة «يا هوا روح وقلّو» استهلّ سهرته الغنائية هذه، فصرخ الجمهور باسمه مكملاً الأداء عنه في وصلة غنائية تحوّل فيها إلى فريق الكورال. فوقف صاحب لقب «ملك الرومانسية» يراقب الجمهور ويمسك بالميكروفون باتجاهه سامحًا له بذلك في التعبير عن فرحة اللقاء به، وليخاطبه بعدها قائلاً: «ما زلنا في البداية وهذه هي التقليعة فقط». وبعد مقطع فولكلوري بامتياز لوّنه بـ«الميجانا والعتابا»، كرّت سبحة الأغاني لتشمل «شو رأيك» و«قولك غلط» و«ناس منتلاقى فيهن»، ولتشتعل الأجواء تصفيقًا وصفيرًا مع أغنيته «لو حبنا غلطة».
وبدت قاعة الحفل التي أمّها حشد من آلاف اللبنانيين والجاليات العربية المختلفة، بحرًا هائجًا بأمواج بشرية متحرّكة، رسمها الحضور بتفاعله المباشر مع المطرب اللبناني دون توقّف طيلة مدة السهرة. ولوحظ تأثّر وائل كفوري أكثر من مرة بحماس الموجودين، إذ انحنى أمامه خجلاً مرات وغطّى وجهه بيديه مرات أخرى، وليخاطبه في لحظات الذروة بالقول: «لبنان.. أحلى عالم». ولم يتوانَ إثر أدائه أغنية «بيحنّ» أن يتوّجه إلى الحضور بالقول: «لقد جعلتموني أغني بفرح وأنا أشكركم على ذلك». وخلال هذه الأغنية بالذات بلغ وائل كفوري حالة طربية لافتة، آخذًا بصوته إلى مستويات غنائية مختلفة متنقلاً فيها ما بين «القرار» (الصوت المرتفع) ودرجات «الجواب» الحادة (الصوت الخافت)، ملوّنًا نبرات حباله الصوتية النقيّة بـ«أوكتافات» عالية استطاع أن يوصلها إلى مرحلة «التينور» المعروف فيها، وكاشفًا بذلك مرة جديدة عن مقدرته الغنائية بحرفية المطرب الأصيل.
وبعد أدائه «لو حبنا غلطة» التي ألحقها بأغنية «صار الحكي»، حصلت حالة من الهستيريا لدى الجمهور تمثّلت بهتافاته وتهليلاته الصارخة، فما كان من وائل كفوري إلا أن أعطاه مساحة لا يستهان بها من الوقت ليغني، مخرجًا كلّ ما في أعماقه من شوق وحنين لنجمه المفضّل. وبعد أن طالب الفرقة العازفة بخفض صوت آلاتها الموسيقية ليتسنى له التمتّع بالأداء العفوي لجمهوره، راح يرسل له قبلاته الحارة عبر الميكروفون، مختتمًا هذا المشهد الديناميكي بالقول: «هيدا فن».
استمرّت أجواء السهرة على هذا المستوى من التناغم ما بين وائل كفوري وجمهوره، إلى حين أدائه موّال «ما كلّ من ذكر الهوا صدق». عندها أخذ الحضور فترة استراحة قصيرة سرح فيها بأصالة اللحظة الطربية التي يعيشها، تاركًا المجال أمام وائل كفوري بأن يشدو بصوته القوي والرنان هذه الأغنية، التي ذكّرتنا بالموشّحات العربية المرتكزة على قواعد وتقنية قلّما نسمعهما في أيامنا الحالية.
الهدوء الذي فرضته هذه الأغنية بفعل وقعها الطربي، ما لبث أن تحوّل إلى تهليل وهتاف إثر تقديم وائل كفوري أغنيته «كيفك يا وجعي»، فقامت الدنيا ولم تقعد بعدها مباشرة عندما بدأت الفرقة الموسيقية عزف لحن «ما وعدتك بنجوم الليل» التي أطلقها في أوائل التسعينات، فهبّ الجمهور ملوّحًا له وهو يقفز حينًا ويصرخ حينًا آخر، ويرافقه غناء ورقصًا.
بعفوية وببساطة تواصل المطرب اللبناني الذي يحيي مهرجانات «أعياد بيروت» للسنة الثانية على التوالي، مع جمهوره طيلة الوقت. فكان يكلّمه بالإيماءات والإشارات تارة ويردّ على طلباته لأداء أغنية ما تارة أخرى، وليستشيره في خياراته الغنائية ضمن برنامج الحفلة، ويطلعه فيها على نيّته في تقديم أغانيه القديمة أولاًَ ومن بعدها الجديدة منها.
وفي ظلّ الحرارة المرتفعة السائدة في القاعة رغم مكيّفات التبريد الموزّعة في أرجائها، وذلك بسبب الحشود التي تملؤها، رفع وائل كفوري أكمام قميصه الحريري، ليرتشف جرعة من المياه الباردة، وليكمل السهرة وهو يمسك بالميكروفون، ودائمًا من بعيد (مسافة نحو 20 سنتيمترًا)، وليؤدّي وصلة غنائية خارجة عن المألوف تمثّلت في اتّباعه أسلوب «الهامينغ»، أي الاكتفاء بالدندنة بحنجرته، فصفّق له الجمهور طويلاً لهذا الأداء الرائع، الذي حافظ فيه على نبرة صوته الرنانة والعالية.
وعلى أنغام أغنية «الغرام المستحيل» من أحدث ألبوماته، اختتم وائل كفوري حفلته الغنائية في مهرجان «أعياد بيروت»، التي تعدّ واحدة من أهم وأجمل الحفلات التي شهدها برنامجها لعام 2016. وغادر الناس مسرح «بيال» وهم يرددون أغنية «صار الحكي» بعد أن أعاد غناءها مرة جديدة في نهاية السهرة.
أبهر وائل كفوري الحضور بأدائه الاستثنائي، فعاش معه لحظات من الحلم والحب والخيال، كانت ترتسم في مخيّلته تلقائيًا خلال كلّ أغنية من الأغاني التي قدّمت في هذا الحفل. روى الجمهور ظمأه لسماع أغاني الطرب الأصيل من قبل نجمه المفضّل، الذي استطاع أن يتحكّم بصوته ويزخرفه بعرب طويلة أحيانًا، وليحيك حولها مرات أخرى مواويل وارتجالات لأداء احترف فيه التنقّل ما بين النغمات والمقامات المنوعة بسهولة ملحوظة، فتوّجته مرة جديدة ملكًا على عرش الغناء العربي.
«أعياد بيروت» تملأ سماءها طربًا
بعد {قرطاج}.. وائل كفوري يتألق في العاصمة اللبنانية
«أعياد بيروت» تملأ سماءها طربًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة