الحديث هنا عن «امرأة بالغة الصعوبة تقود بريطانيا» بوصفها الزعيم الجديد لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء.. إنها تيريزا ماي.
ويبدو أن مصطلح «نادي الأولاد» قد صيغ للرجال الذين قادوا بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، دون أن يتوقعوا النتائج أو يفكروا في التبعات أو في رسم خطة لذلك. فسيرهم الذاتية مرصعة بكافة أختام الامتياز؛ إذ تشمل التخرج من جامعات مرموقة مثل جامعة إيتون، وجامعة أكسفورد، ونادي بولنغدون الذي تقتصر عضويته على الصفوة من الطلاب والمعروف عنهم ميولهم السياسية اليمينية وكذلك الانحلال. وقد ضم النادي في عضويته شخصيات، مثل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، ومحافظ لندن السابق بوريس جونسون، والمستشار السابق لوزارة الخزانة.
وحدث في السابق أن قال أحد خريجي كلية إيتون لصحيفة شعبية أن المرات التي كان يسمح للنساء فيها بحضور مناسبات داخل ذلك النادي كانت لتناول الشراب فقط، لا لحضور عشاء رسمي، وكانت النساء تعامل «كمُهر»، لا كخيول أصيلة، وأضاف موضحا: «كنا نطلب منهم الوقوف على أربع، كما تفعل الخيل، والصهيل والإمساك بقرون الصيد القديمة وسياط الجلد».
غير أن من يستحق الجلد الآن هم الأولاد من أعضاء نادي بولنغدون، حيث تسببت رهاناتهم السياسية ومبارزاتهم الشفهية في التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتسببوا كذلك في الأزمات المالية وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما قسم البلاد وهدد بانسحاب طويل من أوروبا.
الآن جاءت النساء لا للزحف أو الصهيل، بل لإنهاء حالة الفوضى. وكان هذا ما عبر عنه وزير الأعمال البريطاني في تصريحه لمحطة «بي بي سي» الإخبارية عندما قال: «يكفينا ما رأيناه من عبث هؤلاء الأولاد».
وفازت ماي بالقيادة بعد انسحاب منافستها الرئيسية وزيرة الطاقة أندريا ليدسوم من السباق. وسوف تناقش رئيسة الوزراء الجديدة، وهي أول سيدة تتقلد هذا المنصب بعد استقالة مارغريت ثاتشر عام 1990، الإجراءات الدستورية عقب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك خلال لقائها مع أول وزيرات سيدات في اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية.
في هذا السياق قالت: آنا جينكين، عضو مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، إنه لأمر سار أن تتنافس سيدتان على الرئاسة، مضيفة أن هناك شعورا بالقبول، وأن رئيسة الوزراء الجديدة «قبلت تولي القيادة بقليل من هرمون الخوف التوستسترون».
غير أن الأقاويل تباينت إلى حد ما بعد مقابلة رئيسة الوزراء الجديدة السيدة ليدسوم مع صحيفة «ذا تايمز أوف لندن» التي أوحت فيها بأنها ستكون «قائدا أفضل من غيرها لأن كون المرأة أما يمثل رهانا كبيرا لمستقبل البلاد». وكانت ماي قد ذكرت في مقالة صحافية في السابق أنها «لم ترزق بأطفال».
وقد تسببت تصريحات رئيسة الوزراء الجديدة في صدمة لملايين النساء اللاتي ضربن بكفوفهن على جباههن، مما دفعها للاعتذار، ورغم ذلك تعالى الصراخ نتيجة لكلماتها. وبعدها بلحظات انتشرت التغريدات على موقع «تويتر» بعضها ساخر، حيث تساءلت إحداهن: «أستطيع أن أجعل ابني يتصرف بأدب من دون الصراخ في وجهه، فهل أستطيع أن أكون رئيسة وزراء؟»
في الحقيقة، علينا التساهل في السماح للمرأة بالإنجاب والعمل كنائبات في البرلمان، فالنساء اللاتي يتبوأن المناصب العليا في السلطة غالبا ما يكون لهن أبناء أقل، وقد يقررن عدم الإنجاب نهائيا. ففي عام 2012 أظهرت دراسة عن أعضاء البرلمان البريطاني أن نسبة النساء من دون أبناء تفوق نسبة الرجال (45 في المائة للنساء و28 في المائة للرجال)، أي أن النساء اللاتي يتقلدن تلك المناصب وينجبن غالبا ما يكون عدد أبنائهن أقل من نظرائهن الرجال (بنسبة 1.2 للسيدات و1.9 للرجال).
وعلى اعتبار أن الكثير من النساء يناضلن لتحقيق التوازن بين مسؤوليات البيت والعمل أو المنصب العام، أليس من الظلم أن نطلب منهن أداء عمل البيت في السياسة أيضا؟ هل كل ما علينا هو الانتقال بها من مرحلة الزحف على الأرض إلى تنظيف الأرض؟
* خدمة «نيويورك تايمز»