ازدان قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية بلوحات ذات إيقاعات خطية تجريدية ولونية تعكس جماليات الحرف العربي وتستنطق إيحاءاته البصرية والتشكيلية، وذلك مع انطلاق فعاليات «ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي» مساء الأحد وسط حضور رسمي وجماهيري كبير، وبمشاركة 115 فنانا من 15 دولة عربية وأجنبية. ويناقش الملتقى على مدار 4 أيام ومن خلال 8 ندوات القضايا المتعلقة بأصول فن الخط العربي والتحديات التي تواجهه بمشاركة 30 باحثا من مختلف الدول العربية.
وفي افتتاح الملتقى، قال وزير الثقافة المصري حلمي النمنم لـ«الشرق الأوسط» إن «الحرف العربي لا يزال مصدر إلهام للفنانين حول العالم، هذا الملتقى يؤكد أن هذا الفن العربي الرفيع الذي يميز الحضارة العربية، يزداد ثراء عبر تفاعل الأفكار والرؤى مما يمكننا من تطويره وتجديده مع التمسك بما هو عظيم ومضيء في تراثنا العربي».
وقالت نيفين الكيلاني رئيسة صندوق التنمية الثقافية إن «الإقبال على الملتقى الثاني إنما يؤكد أن مصر عادت لمكانتها في اهتمامها بفن الخط العربي، وقد نجح الملتقى في استعادة التواصل مع مبدعي فنون الخط العربي في مختلف البلدان العربية والإسلامية، وهو ما كنا نسعى إليه لمليء الفضاءات الإبداعية في محيطنا العربي والإقليمي بفعاليات تسمو بحضارتنا العريقة والمتجددة». وأكد قومسيير الملتقى الفنان محمد بغدادي أن «الملتقى يضع نصب ناظريه تنمية الذائقة الفنية لدى المتلقي، وربط الأجيال الجديدة بتراثها الفني تاريخيا وإبداعيا من خلال المعرض العام والندوة العلمية وورش العمل إلى جانب إثراء المكتبة العربية وتنمية الوعي النقدي بالدراسات والأبحاث النظرية المتصلة بفنون الخط العربي». وقدم بغدادي ضمن أدبيات الملتقى دراسة بعنوان «موسيقى الخط العربي عند أبي حيان التوحيدي»، إذ تعد رسالة التوحيدي من أوائل المراجع التي وضعت قواعد للخط وعددت أنواعه التي انبثقت عنها الخطوط الحالية، والتي يذكر فيها أنواع الأقلام وطرق بريها.
أثناء التجول بالمعرض ومن بين أكثر من 700 لوحة تثير لوحة الفنانة الإماراتية فاطمة البقالي، التأمل والإعجاب بمزجها بين الخط العربي والخط اللاتيني في لوحة «المعرفة قوة» تنقل عبرها رسالة مباشرة للمتلقي العربي والأجنبي، وعن مشاركتها المتميزة بالمعرض قالت لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت هذه المقولة للفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون لكي أبرز عبرها جماليات الحرف العربي في مقارنة مع الحرف اللاتيني لكي يرى المتلقي سواء كان عربيا أم أجنبيا مدى روعة وطواعية الحرف العربي». وأضافت: «هدفي أن أسعى للعالمية وإبراز قيمة فن الخط العربي عبر معارض تجوب العالم من شرقه لغربه».
في لوحتها الثانية «البسملة» جمعت البقالي ما بين الديواني والخط الديواني الجلي. والتأمل في لوحاتها يكشف أنها لا تعتني بانسيابية خطوطها ونسبها فحسب، بل تهتم بشراء الورق الخاص بكل لوحة وفقا لما تراه يناسب رؤيتها. فقد كان من اللافت رسمها لوحة «المعرفة قوة» على ورق مطعم برسوم فن الإبرو التركي (الرسم على الماء) وبسؤالها عن إتقانها لهذا الفن الرفيع، قالت: «أنا لا أتقنه لكنني أشتري هذا الورق المصنوع من الألياف الطبيعية والمجهز خصيصا من تركيا حيث يقوم فنانو الإبرو بإعداده وصقله ومعالجته، أما (لوحة البسملة) فهي مرسومة على ورق مقهر من الورود وتمت معالجتها كي تمكن الخطاط من الحفاظ على انسيابية قلمه».
وأثناء حديثها المفعم بالعشق عن الخط العربي تحدثت عن دراستها للخط العربي بتركيا وحصولها على الإجازة في خطوط النسخ والثلث والديواني من كبار الخطاطين. تقول: «أعتبر نفسي أنتمي للمدرسة العثمانية في الخط العربي فهي الأساس والأصل بلا منازع، لذا أحرص على تعلم أصول هذا الفن من خلال دورات صيفية مكثفة، وأحاول أن أثبت من خلال مشاركتي في المعارض العربية أن المرأة العربية تستطيع المنافسة في هذا الفن الذي لطالما حظي بسطوة الرجال عليه، وأود أن أوجه رسالة للرجال العرب أن المرأة من الممكن أن تكون فنانة مبدعة ومحترمة تعبر عن موهبتها وتنافس بها بشكل مشرف».
وفي أحد أركان معرض لوحات الملتقى تلفت الأنظار ثلاث لوحات تموج بالحروف والألوان ولها نسب وأبعاد مغايرة عن المعتاد، إنه الخط المغاربي التراثي، وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها جماليات هذا الخط معروضة في مصر والذي أعاد له الحياة الخطاط التونسي عمر الجمني، في لوحتين بهما سورة «الصف» وسورة «الحاقة»، وقصيدة لأبي القاسم الشابي يهيم بين سطورها المتلقي، وبالحديث معه عن بنيه الحروف الشكلية في لوحاته، قال: «في محاولاتي للمزج ما بين الكلاسيكية والحداثة وجدت الخط المغاربي بخصوصيته المستقلة عن الخط العربي المشرقي، فهو يجسد المدرسة الحروفية في الخط العربية بما تحمله من جماليات في رسم الحرف وزخرفته». وأضاف: «حاولت في هذه اللوحات الثلاث أن أبرز روح الحروف بشكل بصري يجذب المتلقي واخترت الكلمات التي تعبر عن المعنى الإجمالي للآيات القرآنية أو الآيات التي سميت بسببها السور القرآنية لأبرزها وسط الحروف بنسب مختلفة مع تطعيمها وزخرفتها بألوان تعكس الحالة الروحانية لتلك الكلمات». وبحس مرهف يشير إلى لوحة «أبي القاسم الشابي» قائلا: «كتبت القصيدة بخطوط مائلة لتنساب مع لحن القصيدة فأكتب القصيدة وكأني أقوم بتلحينها بالنغم».
أما الخطاط المصري الشاب محمد أبو الإسعاد فقدم لوحة تجمع ما بين الفن التشكيلي وتحديدا المدرسة التعبيرية وما بين جماليات الخط العربي محاولا التمرد على قواعد الحروفية في محاولة لإبهار المتلقي بالخروج عن المألوف من الأشكال الهندسية والأبعاد المعتادة في لوحات الخطوط، وحرص في لوحته «رب احفظهما كما ربياني صغيرا» أن يبرز الحروف كأبوين يحتضنان طفلهما. وقال: «بعد مشاركتي في أحد المعارض وحضر فنان تشكيلي فرنسي وقال لي إنه اعتقد أن جميع لوحات الخط العربي بالمعرض لفنان واحد فقط، فقررت أن أخرج عن إطار الأشكال التقليدية لن أغلب المتلقين يجذبهم الشكل الهندسي المحيط بالخطوط ولا يلتفتون إلى جمال الخط العربي».
فن الخط العربي في ملتقى القاهرة الدولي
يضم 700 لوحة ممهورة بأنامل أشهر الخطاطين في العالم العربي
فن الخط العربي في ملتقى القاهرة الدولي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة