من قلب بيروت وبالتحديد في شارع الجميزة العريق، انطلق معرض «لبنان المبدع»، لدعم صغار المنتجين الصناعيين والمجتمعات المضيفة للاجئين السوريين. هذا المعرض الذي هو بمثابة مبادرة تصب في تشجيع الصناعة اللبنانية، سيفتح أبوابه طيلة أيام السنة تحت عنوان «لا بوتيك»، وهو من تنظيم الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ويسهم في تمويله كل من الاتحاد الأوروبي ودولة إيطاليا، كما تشرف عليه وزارة الصناعة في لبنان.
يتضمن المعرض ثلاثة أقسام: تعاونية أطايب الريف (من مختلف المناطق اللبنانية)، تصاميم مجوهرات (تجمع برج حمود للذهب)، وصناعة الأثاث (تجمع طرابلس للخشبيات).
ففي القسم الأول الذي يحتل المساحة الأكبر من هذا المعرض المفتوح، نجد منتجات لبنانية منوعة من: مونة، ومربيات، وزيت زيتون، وأجبان، وألبان، وزعتر، وعصائر طبيعية، وحلويات، وغيرها. أما في القسم الثاني منه الذي يعرض تصاميم مجوهرات لمحلات صاغة معروفة بأعمالها اليدوية الدقيقة وتركيب الأحجار النادرة، فتجد الخواتم والأساور والسلاسل الذهبية وأقراط الأذن التي صنعها جيل الشباب من أرباب هذه الصناعة في منطقة برج حمود. وفي القسم الأخير منه ستلفتك تصاميم خشبية لكراسي وطاولات صنعت من الحطب ومن أخشاب أخرى، بعد أن تم حفرها وزخرفتها وهندستها بأياد صناعية طرابلسية من الجيل الثالث. فلطالما عرفت عاصمة الشمال بصناعتها هذه. ويأتي هذا المعرض ليعيد إليها أيام العز، بعدما تم تحديث هذه الصناعة بموديلات وقطع أثاث خارجة عن المألوف، تنافس بجماليتها ودقة صنعها تلك المستوردة من أوروبا ومن إيطاليا بالتحديد.
ندى بركات ضو، المنسقة العامة لهذا المشروع، أكدت في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن هدف هذه المبادرة هو تحفيز صغار الصناعيين اللبنانيين وتشجيعهم على ممارسة مهنتهم على أمل انتشارها بصورة أكبر، خصوصا أن بعضهم يعمل على نطاق ضيق وداخل البلدة التي يعيش فيها التي تشهد تدفق أعداد من اللاجئين السوريين. وقالت: «كان علينا أن نفكر في هذه المجتمعات الصناعية الضيقة المجال، التي أخذت على عاتقها استضافة أعداد من اللاجئين السوريين في مناطقها. فجاءت هذه المبادرة لتفتح مجالات وفرص عمل جديدة لها تخولها استضافة هؤلاء دون الوقوع في مطبات اقتصادية هي بغنى عنها».
وأضافت: «استغرق التحضير لهذا المعرض أكثر من سنة، وتشارك في قسم المأكولات منه أربعون جمعية نسائية تابعة لتعاونية (أطايب الريف)، موزعة على قرى وبلدات لبنانية من البقاع والجنوب والشمال وغيرها». وأوضحت قائلة: «ومن برج حمود اخترنا خمسين مصمم مجوهرات ليتوالوا على هذا المعرض طيلة أيام السنة، الذي افتتحنا الموسم الحالي منه مع ياسايان للمجوهرات. كما اخترنا خمسين حرفيا من تجمع طرابلس لصناعة الخشب».
ويعد التكتل الصناعي الثاني (تجمع طرابلس لصناعة الخشب) الذي اختاره الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع واحدا من أهم أصحاب اليد العاملة في هذا المجال في لبنان. وفي هذا القسم من المعرض نجد شركة «أوكاجيوني»، التي قامت بديكورات المعرض عامة من تصميم الإيطالي العالمي جوليو فيننسيا.
وجرت عملية اختيار هذه التجمعات بناء على دراسات وأبحاث، قامت بها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية أسهمت فيها وزارة الصناعة. وعن هذا القسم شرحت ندى ضو قائلة: «إننا نعمل منذ سنوات مع عدد من صغار الصناعيين والحرفيين في لبنان، وهؤلاء معروفون بصناعتهم الحرفية والتراثية التقليدية، فاقترحنا عليهم تطعيم منتجاتهم بتصاميم حديثة تواكب العصر وتعيد صناعاتهم إلى الواجهة. وانطلاقا من هذه الفكرة جاء تنظيم هذا المعرض (إبداع لبنان)، وليكون الأول من نوعه سواء من ناحية تنظيمه وتمويله، أو من ناحية فكرته التي تشرف عليها جمعية الصناعيين». وتدعم منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية هذا الحدث من خلال استقدام هبات من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا، أما فريق العمل الممثل للمنظمة، فيتألف من سبعة أشخاص، فيما يقتصر الفريق الممثل لوزارة الصناعة على ثلاثة، ولتكتمل الصورة مع فريق «تعاونية أطايب الريف» المسؤولة عنه مي طرابلسي.
محمد دبسي، أحد العاملين مع فريق المعرض، أشار إلى أن هذا المشروع يشكل جزءا من خطة أساسية موضوعة في هذا المضمار من قبل الأمم المتحدة، وتشمل سبع دول عربية (المغرب، والجزائر، ومصر، وتونس، وفلسطين، والأردن، ولبنان)، بحيث تم اختيار تجمعين صناعيين في كل منها. وفي لبنان تم اختيار التجمعين المذكورين، وكنا أول من افتتح «بوتيكًا» لعرض منتجاتهما، وهي الخطوة التي ستتبعها باقي البلدان المذكورة في المستقبل القريب. وسيتجول هذا المعرض بتجمعيه في بلدان أوروبية وعربية، حاملا هويتنا اللبنانية الخاصة، على أن تكون الحداثة والتطوير عنوانهما لدخول أسواق جديدة.
فاهيه أوكاجيان، أحد الصناعيين المشاركين في المعرض، أشار إلى أن كل شهرين سيعرض أحد المحترفين في صناعة الخشب منتجاته فيه، وأن أهمية المعرض تكمن في الآفاق التي سيفتحها أمامهم، التي تصب في مجال الانتشار بصورة أكبر من ناحية، وعلى توثيق العلاقة بين المجتمع اللبناني وصناعاته. وأوضح: «عملنا يهدف إلى تحديث صناعاتنا التراثية هذه، ولا سيما في مجال تصاميم الهندسة الداخلية. وهذا الكرسي الذي ترينه هنا مثلا والمصنوع من خشب (الماسيف) الملون يعد نموذجا حيا لخطة التحديث التي نتبعها في هذه الصناعة اليوم. وبذلك صرنا ننافس ماركات عالمية معروفة بجودتها وتصاميمها المواكبة للعصر. فهناك جيل شباب جديد يمارس هذه المهنة يدويا دون الاستعانة بماكينات النجارة إلا في المراحل الأولية للتصميم، وهو يجتهد لوضع صناعته هذه من جديد على خريطة الصناعة العالمية، وأنا واحد منهم، فلقد قررت العودة من باريس للمساهمة في استعادة طرابلس مكانتها الرائدة في صناعة الخشب بروح ومفهوم جديدين».
ومن تجمع سوق الذهب التقينا بالشاب خاشاك، الذي أكد لنا أن هذا المعرض لا بد أن يحرك العجلة الاقتصادية في لبنان عامة وفي منطقة برج حمود خاصة، التي عرفت وعلى مدى أجيال في هذه الصناعة. وقال: «هناك خمسون فنانا من مصممي مجوهرات يشاركون في هذا المعرض، وبينهم (بيغور غروب)، و(باغدير)، و(أسايان)، و(فيكين شوفانيان)، وجميعهم مصممون محترفون صقلوا مشوارهم بالدراسة المتخصصة والأبحاث الدقيقة، ليطلوا منها على كل جديد في هذا المضمار الفني».
وتشير مي طرابلسي، المسؤولة عن تعاونية «أطايب الريف» في المعرض، إلى أن أربعين جمعية نسائية تشارك في هذا الحدث. فتتوزع هذه الجمعيات على مختلف البلدات اللبنانية من الشمال إلى الجنوب مثل: دير الأحمر، والفرزل، وجديتا، وقانا، وباتر، وكفر حلبا، وعكار، وغيرها. وقالت: «هدفنا هو خلق فرص عمل للسيدات بالمناطق الريفية صاحبات مهارات معينة، وبذلك سيتزودن بدخل إضافي يخولهن مساعدة عائلاتهن وتحسين مستواهن المعيشي». غالبية تلك النساء هن سيدات في متوسط العمر، وبينهن صبايا منعتهن ظروفهن الاقتصادية من إكمال دراستهن، فلجأن إلى الأعمال اليدوية وتحضير المونة ليتحولن إلى نساء منتجات.
قامت التعاونية بتدريب نحو 1600 امرأة بينهن مزارعات، ولتتشكل معهن تعاونية ذات هيكلية رسمية، يتضمن كل قسم منها 12 سيدة يسهمن في تحريك العجلة الاقتصادية انطلاقا من أماكن إقامتهن.
ومن بين حلوى «السمسمية» المصنوعة من يدي نساء بلدة (قوزح) الجنوبية، و«الحموصة» (قمح محمص) العكارية، مرورا بأجبان إيطالية الجنسية ولبنانية الهوية كالموزاريلا والريكوتا، ووصولا إلى اللبنة المكبوسة بالزيت (مكعزلة)، تتجول في هذا المعرض الذي يزود زائرة بالنفحة اللبنانية الريفية. «كل شيء عندنا هنا صحي وسليم ومصنوع من مكونات طبيعية»، تقول زينب، إحدى النساء العاملات في تعاونية «أطايب الريف»، وذلك أثناء تقديمها معمول الجوز وقراميش الزعتر البلدي لضيوف المعرض. أما زيت الزيتون فله قصته التي روتها لنا ندى بركات ضو: «هذا المنتج مشهور في بلدنا وللمساهمة في انتشاره في أسواق عربية وغربية، قمنا بتصميم زجاجات خاصة عصرية له حملت الأناقة. فوضعنا في بعضها حبيبات من الذهب لتصبح هدية قيمة، تقدم داخل صندوق خشبي يحفظها لمدة طويلة».
افتتاح معرض «لبنان المبدع» لدعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين
بتمويل من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وبرعاية الأمم المتحدة للتنمية
افتتاح معرض «لبنان المبدع» لدعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة