يعتبر مرض الغلوكوما Glaucoma أو المياه الزرقاء، المسؤول الأساسي والأول عن إصابة الأطفال بالعمى. والمقصود بحالة الغلوكوما هو ارتفاع ضغط العين الذي يؤدي إلى تلف في العصب البصري، يؤدي في حالة عدم علاجه بالشكل الملائم إلى فقدان الرؤية تماما. ويحدث معظم أنواع الغلوكوما لأسباب غير معروفة Primary glaucoma، بينما تحدث بعض الأنواع نتيجة لوجود أمراض أخرى Secondary glaucoma مثل الأورام أو مرض البول السكري أو المياه البيضاء في العين أو التهابات العين، ولكن في الأغلب يحدث هذا النوع في البالغين.
أحدث الدراسات التي تناولت الغلوكوما ونشرت في شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي في مجلة الفحوص الإكلينيكية The Journal of Clinical Investigation، التي قام بها علماء أميركيون، أشارت إلى اكتشاف الجين المسؤول عن الإصابة بالغلوكوما في الأطفال. وهذه النتائج أكدت نتائج دراسة سابقة تم إجراؤها منذ عامين على فئران التجارب. وبهذا الكشف يمكن مستقبلا أن يتم علاج الغلوكوما بشكل كامل.
* غلوكوما الأطفال
من المعروف أن ارتفاع الضغط في العين يكون نتيجة لتراكم السوائل في تجويف في مقدمة العين يسمى الغرفة الأمامية anterior chamber، وهذه السوائل تكون شفافة وتقوم بتغذية أجزاء العين المختلفة، وتحدث بها عملية دخول وخروج لتلك السوائل ويحدث فيها ما يشبه الصرف أو النزح drain لكمية السوائل الزائدة. وعندما يحدث خلل في هذه الآلية لا يتم صرف السوائل أو يتم الصرف ببطء؛ مما يسمح بتراكمها وزيادة الضغط فيها.
وفى الأغلب تحدث الغلوكوما لكبار السن، لكن يمكن حدوثها في أي عمر حتى لدى الأطفال. وبطبيعة الحال، فإن الأعراض وعلامات المرض تختلف في الأطفال عنها في البالغين. ويتم تقسيم الغلوكوما في الأطفال حسب ظهورها إذا كانت عند الولادة تعتبر خلقية ونسبة حدوثها تعتبر نادرة، حيث تبلغ نسبة الإصابة واحدا لكل 10 آلاف طفل. وفي حالة حدوثها بين عمر شهر وحتى عمر عامين تعتبر غلوكوما طفولية Infantile glaucoma، وعند ظهورها في عمر بعد ثلاثة أعوام يطلق عليها غلوكوما الصغار juvenile glaucoma.
وعلى الرغم من أن المرض يصيب كلتا العينين، فإنه في بعض الأحيان يمكن أن تكون الأعراض أكثر وضوحا في عين عن الأخرى. ويمكن أن يحدث بالشكل الحاد، حيث يحدث ألم بشكل مفاجئ بالعين وفقدان للرؤية. ونظرا لسرعة حدوث الأعراض فإن المريض يلجأ إلى الطبيب بشكل سريع، ويتم العلاج وتحسن الحالة. أما في حالة الارتفاع المزمن فلا يكون الألم بهذا الوضوح، ولا ضعف الإبصار. وهذا النوع إذا لم يتم علاجه يمكن أن يؤدي إلى فقدان تام للرؤية لاحقا. وبالنسبة لأعراض الإصابة في الأطفال يمكن أن تحدث حساسية شديدة من الضوء أو عتامة في القرنية (تعتبر أشهر أعراض في الأطفال وأكثر علامة يمكن ملاحظتها) وعدم وضوح للرؤية أو دموع غزيرة من العين. ويمكن حدوث بعض الأعراض التي لا علاقة لها بشكل مباشر بالعين وغير محددة، مثل فقدان الشهية أو القيء، ويكون الطفل دائم البكاء وبعض الأطفال يعانون ألما شديدا في العين، وفي بعض الأحيان تمر هذه الأعراض من دون ملاحظة، ويحدث فقدان للرؤية بشكل مباشر.
* طفرة جينية
وقد توصلت الدراسة الجديدة إلى وجود طفرة جينية تسبب نوعا من أنواع الغلوكوما تسمى الغلوكوما الأولية الخلقية primary congenital glaucoma، التي تؤثر في قطاع كبير من الأطفال. وبمعالجة هذه الطفرة الجينية يمكن أن توفر فرصا كبيرة للشفاء. والجين المكتشف TEK يدخل في تكوين وعاء دموي في العين مسؤول عن تصريف أو نزح السائل الموجود في الغرفة الأمامية في تجويف العين. وفي الغلوكوما يكون هذا الوعاء به عيوب أو غير موجود على الإطلاق، وهو الأمر الذي يساهم في تراكم السوائل، وبالتالي ارتفاع ضغط العين الذي يؤدي إلى الضغط على العصب البصري، وإتلافه وفقدان الأبصار.
ومعنى ذلك أن عدم وجود هذا الجين أو حدوث طفرة به تؤدي إلى تغيير صفاته تجعله غير قادر على تكوين الوعاء الدموي وحدوث الغلوكوما. وفي التجربة التي أجريت على فئران التجارب حذف الباحثون هذا الجين عن طريق الهندسة الوراثية، وبالتالي أصيبت الفئران بالغلوكوما.
وقد وجد الباحثون من علماء الرمد وعلماء الهندسة الوراثية الكثير من الطفرات التي حدثت للجين وأثرت في وظيفته الأساسية في الأطفال الذين يعانون الغلوكوما، وهو ما يتفق مع نتائج التجربة السابقة التي تم إجراؤها على الفئران. ويبدو أن بناء الأوعية الدموية في العين في الفئران والإنسان متماثل.
وأوضح الباحثون أنه على الرغم من وجود جينات عدة قد تكون متسبببة في حدوث الغلوكوما؛ فإن الكيفية التي تحدثها وأثرها في المرض ما زالت غير معروفة، بينما في هذا الجين TEK تم التوصل إلى الطريقة التي يحدث بها المرض وهو حدوث الخلل الجيني. وعن طريق إصلاح هذا الخطأ يمكن علاج الغلوكوما حتى الأنواع المستعصية منها بشكل نهائي. وبالفعل يتم العمل على تطوير عقار جديد عبارة عن قطرات للعين يتم استخدامها لإصلاح الخلل في الجين والخلل في الأوعية الدموية، وبالتالي الشفاء من الغلوكوما، وبالطبع يحتاج الأمر إلى المزيد من الدراسات لتعميم الدواء.
* استشاري طب الأطفال