أعلن النظام السوري عن تطبيق نظام للتهدئة بمناسبة عيد الفطر يشمل المدن السورية كافة، بدءًا من الساعة الواحدة من ظهر أمس الأربعاء، ويستمر إلى منتصف التاسع من شهر يوليو (تموز) الحالي، أي يوم السبت المقبل، لكنه سرعان ما خرق هذه الهدنة، بعد ساعة واحدة على سريانها بقصف مدفعي طال مناطق سيطرة المعارضة شرق حلب، كما استبق ذلك بقصف جوي ومدفعي على المدينة أثناء أداء صلاة عيد الفطر، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وجرح العشرات بينهم أطفال. كما حاولت قوات النظام التقدم في الغوطة الشرقية، وإحداث اختراق لبلدة ميدعا في ريف دمشق، وسط قصف جوي ومدفعي عنيف على المنطقة.
من جهته، قال الجيش السوري الحر، أمس، إنه سيلتزم بوقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة.
ونقلت «رويترز» بيانا نشر على حساب أحد قادة المعارضة السورية البارزين على «تويتر»: «نعلن نحن الفصائل الثورية المسلحة في سوريا أننا نرحب بأي جهد لوقف إطلاق النار أيام عيد الفطر السعيد ونعلن أننا سنلتزم به طالما التزم به الطرف الآخر».
وأكد مصدر عسكري في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، مستعدون للالتزام بهذه الهدنة بمقدار التزام قوات النظام بها». وقال: «المعارضة صاحبة مصلحة في التهدئة خلال أيام عيد الفطر المبارك لينعم السوريون بالحدّ الأدنى من فرحة هذا العيد رغم مآسيهم». وأضاف: «موقفنا واضح، إذا أوقفت قوات النظام قصفها الجوي والمدفعي، فنحن ملتزمون بهذا الأمر، إلا في حال الدفاع عن النفس، والردّ على مصادر النيران».
ورحب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، بإعلان الجيش السوري «نظام تهدئة» لمدة 72 ساعة في الأراضي السورية كافة، لكنه قال إنه يعمل مع روسيا وغيرها لتحويله إلى هدنة دائمة.
وأضاف للصحافيين، خلال زيارة إلى جورجيا الجمهورية السوفياتية السابقة: «نرحب بشدة بإعلان فترة من الهدوء في الاحتفال بالعيد». وتابع: «نأمل كثيرا في أن يتم احترامها من قبل جميع الأطراف وأن تصمد» مشيرا إلى أن التهدئة «تخضع للنقاش داخل المجموعة الدولية لدعم سوريا» التي تضم 22 بلدا.
وقال كيري: «باشرنا الآن مناقشات مستمرة مع مختلف الأطراف وضمنها روسيا بشأن إمكانية تمديد ذلك»، معربا عن الأمل في أن تكون الهدنة «مؤشرا» إلى فرص مقبلة. وتابع متسائلا: «هل 72 ساعة كافية؟ الجواب بسيط وهو لا. وهل 72 ساعة مرحب بها أكثر من لا شيء؟ الجواب هو نعم».
وفي القراءة السياسية السورية لهذا التطوّر، عزا عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد رمضان، إعلان الهدنة إلى «وجود ضغط روسي على النظام بعد حدوث تحول ما في موقف موسكو مؤخرًا، وعدم وجود تغطية جوية روسية للمعارك التي خاضها النظام والحرس الثوري والميليشيات الإيرانية في ريف حلب الجنوبي والساحل السوري».
وبعيدًا عن حسابات الربح والخسارة في الميدان، ذكّر رمضان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «المعارك التي حصلت في حلب ألحقت خسائر كبيرة بالجانب الإيراني و(حزب الله)، ولم تؤد إلى نتائج تصبّ في صالحه، إنما خسروا مواقع جديدة»، لافتًا إلى أن «النظام يحتاج الآن إلى إعادة ترتيب لصفوف وحداته القتالية التي باتت في وضع سيء للغاية».
أما المستشار القانوني للجيش السوري الحرّ أسامة أبو زيد، فأوضح أن إعلان الهدنة لم يكن قرارًا لنظام بشار الأسد، إنما جاء وليد اتفاق روسي أميركي تم التوصل إليه في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء - الأربعاء، يشمل كل سوريا وطيلة أيام العيد. ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام «يحاول أن يستثمر هذا الاتفاق سياسيا، وأن يظهر التزامًا إنسانيًا مزعومًا، لكن الواقع على الأرض يخالف ذلك، بدليل أنه لم يتوقف عن قصف حلب بالمدفعية والصواريخ، كما قصف مدينة دوما في الغوطة الشرقية بصاروخ أرض أرض».
وكشف أبو زيد عن أن «الخلاف الأميركي - الروسي وصل خلال اليومين الماضيين حدّ التوتر، وبدا ذلك واضحًا من تصريحات نائبة مستشارة الأمن القومي الأميركي، عندما أعلنت أن الخيار العسكري في سوريا لا يزال قائمًا، وذلك على خلفية استهداف الطيران الروسي في منطقة البادية، موقعًا عسكريًا لجيش سوريا الجديد الذي دربته واشنطن». وأعاد أحمد رمضان التذكير بـ«عدم التزام نظام بشار الأسد بأي هدنة». وأعطى مثلاً على ذلك «قصف النظام مدينة حلب بعد ساعتين من توقيت سريان وقف إطلاق النار، وكذلك قصفه المصلين أثناء صلاة العيد». لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أن «الأولوية باتت مختلفة لدى الجانب الروسي في تغطية المعارك، عن أولوية النظام والإيرانيين، وهذا مرتبط بإعادة تمحور إقليمي ودولي يتعلّق بالملف السوري».
وفي تعبيره للتحوّل الملموس في النظرة إلى الحرب السورية، أشار المستشار القانوني للجيش الحرّ إلى أن «التقارب التركي الروسي، أدى إلى تعقّل في موقف موسكو، لا سيما بعدما أيقنت الأخيرة أن الضغط العسكري لم يوصل إلى أي نتيجة، رغم الإمكانات التي دفعت بها روسيا في الحرب، ورغم توافد آلاف المقاتلين من المرتزقة للقتال إلى جانب النظام من ميليشيات (حزب الله) والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها». وأبدى أبو زيد اعتقاده أن «دول القرار وصلت إلى قناعة مفادها أن الحلّ العسكري لن يبقي بشار الأسد في السلطة، ويجب البحث عن حلّ سياسي مختلف، يفرض العودة إلى المفاوضات، انطلاقًا من مخرجات بيان جنيف - 1. والوصول إلى انتقال سياسي في سوريا».
ميدانيًا، صعّد النظام قصفه مناطق المعارضة في الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء، وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن «قوات النظام قصفت عند صلاة عيد الفطر مناطق في حي المشهد بمدينة حلب، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين بجراح بينهم ناشط إعلامي، وبعض الجرحى في حالات خطرة»، مؤكدًا أن «الطائرات الحربية قصفت حي بني زيد وطريق الكاستيلو ومنطقة الملاح وبلدة كفر حمرة، بالتزامن مع اشتباكات في محور الملاح بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى»، وقال إن «طائرات حربية نفذت صباحًا (أمس) عدة غارات على بلدة العيس وتلتها في ريف حلب الجنوبي، كما تعرضت بلدات خلصة وزيتان ومعراتة وخان طونان والقراصي لقصف من قبل قوات النظام».
وقال «جيش الإسلام» المعارض في بيان إنه «رغم التهدئة المزعومة هناك محاولة اقتحام شنّتها ميليشيات الأسد على ميدعا ومعارك عنيفة يخوضها المجاهدون للتصدّي لها». ويسيطر «جيش الإسلام» على بلدة ميدعا. و«جيش الإسلام» جزء من الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل شريحة واسعة من فصائل المعارضة السورية في المفاوضات الدولية. وكان تنظيم داعش تبنّى التفجير الذي ضرب مدينة الحسكة، مساء الثلاثاء، وقال إن «انتحاريا للتنظيم يرتدي سترة ناسفة قتل 35 عنصرًا من الوحدات الكردية عند دوار الصالحية بمدينة الحسكة».
وقتل 16 شخصا، بينهم ثلاثة أطفال، وأصيب أربعون آخرون بجروح، جراء تفجير انتحاري استهدف، مساء الثلاثاء، حي الصالحية، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي كان أفاد أن الانتحاري كان يقود دراجة نارية حين أقدم على تفجير نفسه.
وشهدت مدينة الحسكة جوا من التوتر في اليومين الأخيرين جراء اشتباكات بين قوات النظام وقوات الأسايش، وفق مراسل الصحافة الفرنسية.
النظام يعلن هدنة لوقف النار ويسارع إلى خرقها بقصف حلب والغوطة الشرقية
المعارضة تعزوها إلى ضغط روسي.. وكيري يعمل مع موسكو لتحويلها إلى دائمة
النظام يعلن هدنة لوقف النار ويسارع إلى خرقها بقصف حلب والغوطة الشرقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة