39 اقتراحا قدمتهم لجنة التحقيق البرلمانية التي أنيطت بها قبل ثمانية أشهر مهمة إعادة النظر في «الوسائل» التي وفرتها الحكومة الفرنسية لمكافحة الإرهاب منذ 15 يناير (كانون الثاني) 2015 أي منذ مقتلة الصحيفة الساخرة شارلي إيبدو والمتجر اليهودي. واللجنة البرلمانية التي ضمت ثلاثين نائبا شكلت بعد العمليات الإرهابية غير المسبوقة التي عرفتها العاصمة الفرنسية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي أوقعت 130 قتيلا و350 جريحا. والفكرة الكامنة وراء تشكيلها كانت النظر في حصول «تقصير» حكومي أو من جانب المنظومة الأمنية المخابراتية مكن الإرهابيين من ارتكاب مجزرة لم تعرف باريس مثلها في زمن السلم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بيد أن اللجنة التي رأسها النائب اليميني جورج فريش ذهبت أبعد من ذلك؛ إذ إن تقريرها الذي نشر أمس نص على توصيات منها: داخليا يتناول عمل الأجهزة الأمنية الفرنسية وإعادة النظر في تركيبتها من أجل مزيد من الفعالية وتحاشي التقصير من جهة والمنافسة من جهة أخرى، كما جاء بتوصيات «خارجية» أبرزها الدعوة إلى العمل لدى التحالف الدولي من أجل التدخل العسكري الأرضي المباشر للقضاء على تنظيم داعش في العراق والتدخل لدى تركيا من أجل أن تقوم بإغلاق حدودها بإحكام مع سوريا.
غير أن نقطة الانطلاق للتقرير اعتباره أن القوى المولجة بمحاربة الإرهاب منذ عملية شارلي إيبدو وقبلها وبعدها «قصرت» في عملها؛ لأن غالبية الذين ارتكبوا المقتلتين كانوا معروفين من قبل الأجهزة الأمنية إما لأنهم أمضوا فترات مختلفة في السجن؛ بسبب جنح عادية «سرقة، عنف» أو لعلاقتهم بتنظيمات ذات طابع إرهابي. وهذا يصح على الإرهابيين سعيد كواشي وأحمدي كوليبالي وسعيد عميمور وكثيرين غيرهم، نجحوا في الإفلات من رقابة المخابرات الداخلية أو أن هذه المخابرات اعتبرتهم في لحظة من اللحظات «غير خطرين». أما النقطة الثانية التي توقف عندها التقرير فتتناول فاعلية فرض حالة الطوارئ التي لجأ إليها الحكومة في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) أي بعد يوم واحد من مجزرة مسرح الباتاكلان ومقاهٍ ومطاعم وسط باريس. وبرأي اللجنة، فإن حالة الطوارئ «لم تكمن فعالة»، وأن أثر نشر آلاف من الجنود في الشوارع كان «محدودا».
حتى اليوم، ما زالت فرنسا تعيش في ظل حالة الطوارئ التي توفر للقوى الأمنية صلاحيات واسعة لتدارك وقوع أعمال إرهابية عبر تمكينها من تفتيش المنازل والمكاتب في أي ساعة من الليل والنهار ووضع من «تشك» فيه تحت الرقابة أو الإقامة الجبرية والتنصت على المكالمات ومنع المظاهرات وكل ما من شأنه الإخلال بالنظام العام. لكن تشكيك التقرير بفاعليتها يثير، بحسب المسؤولين الأمنيين، عددا من التساؤلات؛ إذ إنها مكنت السلطات الفرنسية من توفير الأمن التام لانعقاد قمة الأرض في باريس أواخر العام الماضي، وبعد أقل من شهرين على مقتلة الباتاكلان. كذلك، فإنها ساعدت القوى الأمنية على تأمين بطولة الأمم الأوروبية في كرة القدم التي تجري في عشر مدن فرنسية منذ العاشر من يونيو (حزيران)، وحتى العاشر من الشهر الحالي. ثم لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا لم تعرف أعمالا إرهابية واسعة منذ ثمانية أشهر باستثناء مقتل ضابط شرطة ورفيقته في ظروف لم تنجل تماما حتى الآن. ولاكتمال الصورة يتعين الإشارة إلى أن الحكومة استصدرت قانونين جديدين يتناولان محاربة الإرهاب أحدهما يعطي القوى الأمنية صلاحيات إضافية شبيهة بما توفرها لها حالة الطوارئ. وحتى الآن، لم يعرف بعد ما إذا كانت الحكومة ستعمد إلى تمديد العمل بالطوارئ لفترة ثالثة. لكن رئيسها مانويل فالس أشار أكثر من مرة إلى أنها ستمدد «طالما دعت الحاجة» وطالما بقيت فرنسا «في حالة حرب» ضد «داعش» والإرهاب بشكل عام.
ما توصيات التقرير الواقع في 300 صفحة، الذي عملت عليه اللجنة لمدة ستة أشهر وقامت من أجله باستجواب أربعة وزراء ومسوؤلي أجهزة المخابرات والأمن الفرنسية، فضلا عن الاطلاع على ما يجري خارج الحدود؟ الواقع أن التوصيات «غير الملزمة» للحكومة فيها الغث وفيها السمين. وبالطبع كان بمقدور رئيس اللجنة ومقررها وأعضاؤها أن يركزوا على الأمور الأساسية ولا يغرقوا في التفاصيل ومنها على سبيل المثال الدعوة لزيادة عدد الطلقات التي يستطيع رجال الشرطة والدرك استخدامها لدى القيام بتمارين الرماية أو الإشارة إلى كيفية التعاطي مع الإعلام لدى وقوع عمليات إرهابية. أما على الصعيد الخارجي، فإن اللجنة خرجت عن مهمتها بدعوة التحالف الدولي إلى التدخل العسكري الأرضي في العراق علما بأن أمرا كهذا بالغ التعقيد وفرنسا لا تلعب فيه دورا مؤثرا.
بالمقابل، ثمة توصيات أساسية جديرة بالاهتمام وأولها الحاجة إلى إيجاد صيغة توفر قيام تنسيق حقيقي بين الأجهزة. وجاء في التقرير فقرة نقلا عن مدير العام للأمن الخارجي «المخابرات الخارجية» السفير برنار باجوليه جاء فيه: «إن الهجمات الإرهابي التي وقعت في 13 نوفمبر تشرين الثاني الماضي تشكل فشلا للمخابرات الخارجية؛ لأنه خطط لها خارج حدودنا وأعد لها في بلجيكا، وهي بالتالي فشل لجهازنا. ولكنه أيضا تعكس فشلا لجهاز المخابرات الداخلية؛ لأنها حصلت على الأراضي الفرنسية».
انطلاقا من هذا التشخيص الشائع، فإن اللجنة البرلمانية شددت في توصياتها على الحاجة إلى إنشاء وكالة حكومية عامة تضم كل الأجهزة المختصة بالأمن الداخلي أي الاستخبارات الداخلية وأهمها حاليا في فرنسا اثنتان: مخابرات جهاز الشرطة ومخابرات الدرك. وليس سرا أن التنافس بين الجهازين قديم ومعروف ولم تنجح كل الإصلاحات التي أدخلت على دفعهما للعمل معا أو تبادل المعلومات. لذلك، فإن التقرير يدعو إلى قيام جهاز واحد وقيادة واحدة مع إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة تتضمن كل المعلومات التي تتعلق بالأنشطة الإرهابية.
وأكثر من ذلك، يدعو التقرير إلى إنشاء وكالة حكومية عامة لمحاربة الإرهاب على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية عقب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 تكون مرتبطة مباشرة برئاسة الحكومة وتكون الجهة المشرفة على تنسيق العمل بين كل الأجهزة الفاعلة في مكافحة الإرهاب. فضلا عن ذلك، يتضمن التقرير مقترحات تفصيلية، مثل تسريع التوظيف في الأجهزة الاستخباراتية وتوظيف ألفي رجل شرطة ودرك إضافيين وتشجيع قيام الشركات الأمنية الخاصة وإعادة النظر في التدابير الأمنية المتخذة في المطارات الفرنسية ذات الاستخدام الدولي وتعزيز العمل الاستخباراتي في السجون.
هل ستكفي هذه التدابير والإصلاحات للتخلص نهائيا من الخطر الإرهابي؟ يجمع الخبراء الأمنيون «وكذلك المسؤولون الحكوميون» على أن «درجة الصفر» بخصوص الخطر الإرهابي غير موجودة، وأن التهديد سيبقى لسنوات طويلة. لكن ما يرمي إليه أعضاء اللجنة البرلمانية هو خفض المخاطر الإرهابي عن طريق تدارك النواقص والاستفادة من التجارب في الداخل والخارج. ولا شك أن تقارير أخرى برلمانية وغير برلمانية سترى أيضا النور ما دام هذا الخطر قائما.
تقرير برلماني فرنسي يفند قصور الأجهزة الأمنية في مواجهة العمليات الإرهابية
لجنة التحقيق تقترح إنشاء وكالة حكومية لمحاربة الإرهاب ودمج الأجهزة المتنافسة في هيئة واحدة
تقرير برلماني فرنسي يفند قصور الأجهزة الأمنية في مواجهة العمليات الإرهابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة