معلوف يخرج عن المألوف في «المقعد 29»

يغوص في تاريخ الأكاديمية من خلال الأعضاء التسعة عشر الذين سبقوه

غلاف الكتاب - معلوف في الأكاديمية الفرنسية
غلاف الكتاب - معلوف في الأكاديمية الفرنسية
TT

معلوف يخرج عن المألوف في «المقعد 29»

غلاف الكتاب - معلوف في الأكاديمية الفرنسية
غلاف الكتاب - معلوف في الأكاديمية الفرنسية

كبردى لدمشق، ودجلة لبغداد، والنيل للقاهرة، السين لباريس، يشق المدينة إلى شطرين، يجري تحت جسورها العريقة، ويحمل على ضفتيه أجمل وأقدم مبان شهدت تاريخها المتقلب، من مغلوب ومتغلب، وملكيات وجمهوريات وإمبراطوريات، تعاقبت على أحداث هزتها هزا، ومعها عواصم أوروبا شرقا وغربا.
من ملكية إقطاعية آفلة تحت ضربات بورجوازية ثورية صاعدة قلبت مفاهيم العصر رأسا على عقب، إلى إمبراطورية نابوليونية محاربة طغت هزائمها على انتصاراتها، ثم إلى ملكية انبعثت من رمادها لتندثر من جديد تحت ضربات ثورة أخرى إلى غير رجعة، لتحل مكانها إمبراطورية ثانية ثم لتندثر بدورها بهزيمة نكراء، كهزيمة العرب في الخامس من يونيو (حزيران)، ضد ألمانيا البروسية التي احتلت الألزاس واللورين، لتأتي الجمهورية الثالثة (الأطول عمرا في الجمهوريات الخمس) لتشهد بدورها هزيمتين أخريين في الحرب العالمية الأولى والثانية، ودائما أمام ألمانيا، وبين هزيمة وأخرى كانت فرنسا تتمدد على الرقعة الأرضية بسياسة استعمارية تناقض فيها مبادئها التي قامت على الحرية والعدالة والأخوة، وحقوق الإنسان.
أحد هذه المباني الذي يحمل جانبا من تاريخ المدينة: الأكاديمية الفرنسية. (التي شيدها الكاردينال ريشيليو حاكم فرنسا آنذاك في العام 1934 عندما كانت المملكة الفرنسية في أوج عظمتها ويحكمها لويس الثالث عشر، ثم الملك الشمس لويس الرابع عشر).
هذه الأكاديمية التي ولدت من أفكار ثلة من المثقفين كانوا يجتمعون في منزل أحدهم للنقاش في مسائل ثقافية، وتيارات فكرية وعلمية، تحولت إلى أرفع صرح مؤسسة ثقافية تجمع حول مقاعدها الأربعين كتاب، وفلاسفة، ورجال دين، وحتى ماريشالات الجيش الفرنسي الأكثر شهرة. من قواعدها أن عدد أعضائها يبقى ثابتا، ولا يعوض عضو إلا بعد وفاته بالانتخاب، ويكونون بـ«الخالدون» (les immortels)
هذا الصرح الذي يسهر على اللغة الفرنسية، وعلى معجمها، ونحوها، وصرفها، وبلاغتها، يكرم الكتاب الفرنسيين بجائزته الأدبية وقبول ما نبغ منهم أدبا، ويمكن للأعضاء أن يختاروا كاتبا فرانكفونيا ليكون عضوا في الأكاديمية كما حصل مع الكاتبة الجزائرية الكبيرة آسيا جبار التي كانت أول امرأة من أصل جزائري تدخل الأكاديمية التي يطغى عليها الطابع الذكوري. وقد تم انتخاب الكاتب أمين معلوف في عام 2011 ليحتل المقعد رقم 29 ليحل محل العضو التاسع عشر في هذا المقعد عالم الإنثروبولوجيا الشهير ليفي شتراوس. معلوف في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان «مقعد على السين» (الكتاب ترجم بعنوان كرسي على السين Fauteuil sur la seine)) يغوص في تاريخ الأكاديمية، ومن خلال الأعضاء التسعة عشر الذي سبقوه على هذا المقعد «29» قام الكاتب بتعريف هذه الشخصيات، وماذا قدم كل منهم من أعمال في مجاله كالأديب هنري دو مونترلان، أو الفيلسوف إرنست رينان الذي اشتهر بكتاب «حياة المسيح» وقدمه كرجل عادي. أو الطبيب الشهير الذي وضع أسس الطب الحديث كلود برنارد، أو المؤرخ جان فرنسوا ميشو صاحب موسوعة تاريخ الحملات الصليبية. (هو ابن الأثير الفرنسي الذي قدم الحملات الصليبية من وجهة نظر فرنسية) ومن خلال الحديث عن هذه الشخصيات التي طبعت التقدم العلمي والثقافي بخاتمها، تطرق معلوف للفترات التاريخية التي عاشها هؤلاء وعاصروها.
لكن لم يكن من المألوف عن معلوف أن يخرج كثيرا عن الرواية التاريخية، فكتاب «مقعد على السين» جاء جمعا لمعلومات تاريخية عن تاريخ فرنسا، وعن الأكاديمية الفرنسية، وعن أسلافه الذين سبقوه لاحتلال المقعد 29، وهذه المعلومات معروفة بشكل عام، وموثقة في أكثر من موضع، وفي أكثر من محرك على الشبكة العنكبوتية، وتبقى الفكرة الأساسية التي نجح فيها معلوف هي ربط هذه الشخصيات بالمقعد 29، وتتبع مسارها عبر التاريخ الفرنسي منذ نشأة الأكاديمية التي ضمت في فترات مختلفة أشهر الشخصيات وألمعها كفولتير، ومونتيسكيو، وروسو، ولا فونتين، وألكسندر دوما الابن، وفيكتور هوغو، وشاتوبريان. فهل أراد معلوف من خلال كتابه أن ينوه أنه خلف لمن سلف؟ إن أعماله كافية بحد ذاتها لتصبغ عليه هذه الصفة ولا يحتاج للتذكير، فروائعه التي عالج فيها شخصيات من التاريخ العربي الإسلامي (الصليبيون من وجهة نظر عربية، ليون الأفريقي، سمرقند، حدائق النور، رحلة بالداسار، صخرة طانيوس..) وأعمال أخرى تعالج قضايا معاصرة تعاني منها المجتمعات العربية (التائهون، الحب عن بعد، الهويات القاتلة، سلالم الشرق، اختلال العالم).
مقعد على السين، خروج عن الناصية «المعلوفية»، بل إن صدوره أثار ضجة في الأوساط الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تحدث عنه في القناة التلفزيونية الإسرائيلية I24، والتي اعتبر البعض هذه المقابلة تطبيعا ثقافيا مع إسرائيل في وقت يجاهد فيه الفلسطينيون للاعتراف بدولتهم تحت القصف الإسرائيلي، بينما رأى البعض الآخر أنه الثمن للوصول إلى جائزة نوبل بعد نيله لجائزتي غونكور الفرنسية، واستورياس الإسبانية. ويعقب آخرون أن معلوف الذي بات اليوم أحد خالدي الأكاديمية الفرنسية بات، بطبيعة الحال، شخصية عالمية، كشخصيات رواياته التي ترفض الانتساب لهوية واحدة متزمتة (وهذا ما أظهره في كتاب هويات قاتلة)، وبالتالي يحق له أن يتحدث بهويته العالمية، وليست العربية.
عندما التقيته ذات يوم في منزله الباريسي: (قبل أن يعتكف كعادته في منزله في جزيرة ري الفرنسية لكتابة رواية جديدة) سألته: أنت صاحب كتاب هويات قاتلة، وأنت عربي، لبناني، مسيحي، فرنسي، أوروبي، أي الهويات أقرب إلى قلبك؟
نظر إلى مليا، وبعد لحظة تفكير أجاب قائلا: أنا كالأعرابية التي سئلت أي الأولاد أحب إليك فقالت: «الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود».



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.