يعيش الدمشقيون رمضانهم السادس في ظل الحرب وغلاء الأسعار. ومع استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية والمعيشية، يؤكد المهتمون والمتابعون أن الدمشقيين ومعظم سكان المدن الأخرى تخلوا عن كثير من عادات رمضان. وتغيب العادات الرمضانية التي طالما تميزت بها مدينة الياسمين، وطالما كانت تطل عليها قصص الحكواتي والمكسرات وجلسات السمر من الفطور إلى السحور.
إلى ذلك، يعود طبيب الأسنان السوري محمد منير أبو شعر، صاحب متحف طب الأسنان الفريد من نوعه بالعاصمة السورية، بذاكرته عقودًا إلى الوراء، حيث عادات الشهر الفضيل في حيّه الدمشقي العريق «الميدان». ويتذكر حكواتي الحي الذي كانت له هيبته واحترامه، وهو يقص على السامعين قصص «الظاهر بيبرس» و«أبو زيد الهلالي»، وذكريات «جرن الكبة» ووالدته التي كانت تحضّرها بالدق بالجرن.
ينتمي طبيب الأسنان هذا (73 عاما) إلى جيل المخضرمين، حيث تخرج قبل نصف قرن من جامعة دمشق، وافتتح عيادته في «الميدان»، كما حوّل قسمًا من عيادته إلى متحف شخصي لطب الأسنان.
ولعشقه للحارة والبيت الشامي القديم، فقد تسلّم موقع نائب رئيس جمعية البيت الدمشقي الأهلية. وعن رمضان في ذاك الحي الدمشقي يقول أبو شعر: «لا زلت أتذكر رمضان في (الميدان) جنوب دمشق، حيث كان الشهر الفضيل يغمره». ويضيف: «وكان هذا حال أرجاء دمشق كلها، إذ كنت أشعر به حيثما سرت، وأراه في المساجد الممتلئة بالمصلين والقارئين والذاكرين». وتعصف به الذكريات لتعيده إلى رمضان أيام زمان، ويقول الطبيب: «أتذكر أن أهالي حيّنا كانوا في رمضان يتحولون إلى أسرة واحدة، كنا نحضر (الحكواتي)، أي القصاص الشعبي، في مقاهي الحي، وكان من أهم السير المحببة إلى نفوسنا سيرة عنترة بن شداد العبسي، والظاهر بيبرس، والزير سالم، وأبو زيد الهلالي». يضيف: «كان الحكواتي خلال قص السيرة يركّز على بث مكارم الأخلاق والشجاعة والتضحية، هذا الحكواتي له في مسلسل الذكريات صفحات لا تُمحى ولا تُنسى، كانت حكاياته الطريفة تجمع شباب الحي وشيوخه، وكان للحكواتي زعامته وهيبته واحترامه بين السامعين».
وعن ذكرياته داخل منزل أسرته يقول: «أتذكر هنا في منزل أهلي (والدتي) التي كانت تدق (الكبة) في الجرن، بكل ما تملك من قوة، ثم تنصرف بعد ذلك إلى تقريصها وحشوها بما أعدته من لحم مفروم وصنوبر ومكسرات، لتكون الكبة جاهزة على مائدة الإفطار». ويستطرد متذكرا: «ولا يزال مترسخا في ذاكرتي كيف كانت والدتي تأخذني مع إخوتي الصغار في الأسبوع الأخير من رمضان إلى سوق الحميدية، لتشتري لنا ثياب العيد، والطريف هنا، أننا نعود للمنزل لنقيس الثياب بشكل مريح، فإذا لم تُعجب والدتي فتعود في اليوم الثاني لتبدلها من البائع الذي يستقبلها بكل احترام ومن دون انزعاج».
ذكريات رمضان في حي «الميدان» الدمشقي.. حكواتي ومقهى شعبي و{جرن كبة}
سبعيني يقص تفاصيل الشهر الفضيل في الشام أيام زمان
ذكريات رمضان في حي «الميدان» الدمشقي.. حكواتي ومقهى شعبي و{جرن كبة}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة