متخليا عن عباءة أبيه «شيخ الخطاطين» المصريين مسعد خصير البورسعيدي وإرث عشرات السنوات من لوحات رسمت باتباع فن التخطيط الدقيق، قرر مصطفى خضير البورسعيدي (22 سنة) أن يتميز في «تكنيك» الرسم بالقلم الجاف فرسم ما يزيد عن 40 بورتريه لمشاهير العالم وأناس عاديين، مبرزا براعة في إظهار الملامح وتدرجات ألوان البشرة.
في خلوة تامة يمسك مصطفى بقلم رصاص؛ ليرسم الخطوط الأساسية للوحته ثم يتناول قلمه الجاف لتنطلق أنامله في مساحة اللوحة مجسدة أدق تفاصيل الوجوه بخطوط كونتورية تعطي أبعادا مجسمة لشخوصه تبهر المتلقي فور رؤيتها.
لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية، رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي وتباع لوحاته بآلاف الدولارات وله مدرسة خاصة بتعليم فنون الخط العربي بحي الحسين، إلا أن ابنه وجد في الرسم بالقلم الجاف مسارا ملائما لإخراج إبداعاته على الورق، وعن بداية موهبته يقول لـ«الشرق الأوسط»: «اكتشف والدي موهبة الرسم لدي منذ نعومة أظافري وقدم لي الدعم النفسي والمعنوي وساعدني في التعرف على تكنيكات الرسم وأنواع الخطوط العربية لكنني لم أجد ميلا تجاه الخط العربي ووجدت نفسي أميل أكثر تجاه الرسم، واستخدام الخامات البسيطة وبدأت بالألوان الخشبية والأقلام الرصاص ثم ألوان المياه والزيت، وشاركت في مسابقات كثيرة لكنني كنت أبحث دوما عن تكنيك يمثلني كي أتميز من خلاله، وأثناء بحثي على الإنترنت وجدت تكنيك الرسم بالقلم الجاف فتواصلت مع فنانين من أوروبا وأفريقيا وقررت تعلمه والتميز فيه».
يعد مصطفى نفسه من الفنانين الواقعيين، فهو يحبذ رسم البورتريهات والمناظر الطبيعية التي لها علاقة بالحياة اليومية. ويصف نفسه بالفنان التلقائي فهو ينفر من قيود الأسلوب الأكاديمي في الرسم ويقوم بنشر لوحاته عبر صفحات السوشيال ميديا محاولا جس نبض الجمهور ليقيس كيفية تلقي لوحاته، فأحيانا يجد إعجابا وتشجيعا وأحيانا أخرى يجد نفسه في مهب النقد الهدام باعتبار لوحاته غير أصليه وأنها «فوتوشوب»، مما اضطره لنشر مقاطع فيديو أثناء عملية الرسم ليثبت أنه موهوب. تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة بما يعادل شهرا تقريبا بحسب مصطفى الذي ينشر بجوار كل لوحة عدد الساعات التي استغرقتها، وهو يشير إلى أن الرسم بالجاف يفضل على الورق الناعم الملمس والسميك حتى لا يتسبب الحبر في تعرجها.
وعن الفارق في تكنيك الرسم بين القلم الجاف وغيره من التكنيكات الفنية، يقول: «يتطلب الرسم بالجاف حسا عاليا ومرهفا بالظلال ويحتاج لصبر وحرص وتركيز شديد لأن أي خطأ في اللوحة يفسدها كلها، وهو أصعب بلا شك من التكنيكات الأخرى، لأن القلم الجاف يتطلب حرصا في التحكم في انسيابيته ونظرا لصغر سن القلم فإن مساحة اللوحة تستغرق وقتا أطول للانتهاء منها بينما الفرشاة التي تعتبر أسمك في ضرباتها تستغرق مني وقتا أقل في الانتهاء من اللوحة». ويضيف: «والصعوبة أيضا في أن تعطي كل خامة تظهر في اللوحة ملمسها بنفس القلم، فالخشب مختلف عن الحديد والبلاستيك والقماش وغيرها».
رسم مصطفى ابن حي الحسين القاهري عددا كبيرا من لوحاته لوجوه أفريقية وعن السبب في ذلك، يوضح «البشرة السمراء أصعب في الرسم بالقلم الجاف عن البشرة العادية وهي تعطيني الفرصة كي أثبت قدرتي على اللعب بالظلال وكذلك هو الحال مع وجوه كبار السن المليئة بالتفاصيل والتعبيرات المؤثرة التي تعكس صعوبات الحياة».
يرغب الفنان الشاب في الانتقال إلى رسم موضوعات لها علاقة بالثقافة الشعبية المصرية كي تجمع بين فن البورتريه الذي يعشقه، ورغم تخصصه الدراسي في نظم المعلومات فإنه يرفض الدمج بين تكنولوجيا الرسم والصورة محبذا الرسم اليدوي الذي يعتبره أقوى تعبير عن المشاعر الإنسانية. يعتزم مصطفى عرض لوحاته في معرض فردي خاص به بدايات العام المقبل ليبرز فيه ما حققه من تطور وتمكن من فن الرسم بالقلم الجاف، قائلا: «شاركت العام الماضي بعدد قليل من اللوحات في معرض جماعي فقط كي أثبت أن لوحاتي ليست فوتوشوب كما يدعي البعض، وتوقفت عن المشاركة في المعارض كي أستطيع أن أطور وأحسن من موهبتي في ظل ظهور منافسين، وأن أنجز أكبر عدد من اللوحات لأقدمها في معرض كبير ليكون بمثابة انطلاقتي الفنية الحقيقية».
فنان مصري يطوع القلم الجاف لتجسيد الإبداع على الورق
أنامل البورسعيدي مصطفى خضير تتمرد على إرث «شيخ الخطاطين»
فنان مصري يطوع القلم الجاف لتجسيد الإبداع على الورق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة