من القضايا التي تزيد الارتباك الدولي مع الأزمة السورية تمييز بعض الفصائل المعارضة التي ترفع شعارات إسلامية. ففي حين ترى بعض القوى الدولية الكبرى أن تنظيم داعش تنطبق عليه معايير الإرهاب، وإن الشيء نفسه ينطبق على «جبهة النصرة» طالما أنها تبايع تنظيم «القاعدة» وتمثله فكريًا وميدانيًا على الساحة السورية، ترى قوى أخرى، على رأسها روسيا، أن ثمة فصائل وتنظيمات أخرى يجب اعتبارها «إرهابية» مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، منها حركة «أحرار الشام». وفيما يلي بحث موجز عن واقع هذه الحركة تنظيميًا، وأين تصنف نفسها فكريًا وعقائديًا.
تحدث مالك العبدة، الباحث المتعاون في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية في العاصمة السعودية، عن أن قيادة حركة «أحرار الشام» الإسلامية في سوريا تجري تغييرات إدارية دورية بناءً على التحوّلات في الساحة، والأداء الجماعي والفردي، وأحيانًا وفق توازنات داخلية تفرض نفسها بطريقة أو بأخرى، ولفت إلى أن الحركة تحاول إلى أبعد مدى العمل وفق أسس مؤسساتية.
العبدة شرح أن حركة «أحرار الشام» الإسلامية، إحدى الفصائل الثورية المعارضة في سوريا، أجرت أخيرًا بعض التغييرات التي طالت الصف الأول من قيادتها العسكرية والسياسية. إذ أعلنت الحركة في بيانٍ رسمي لها تعيين أبي عبد الله الشامي قائدًا جديدًا للجناح العسكري للحركة خلفًا لأبي صالح طحان، الذي قبلت استقالته من المنصب، مع تكليف الشامي بإعداد خطة عمل مدّتها ستة أشهر، ورفعها إلى قيادة الحركة لاعتمادها وإقرارها. كذلك أصدرت الحركة قرارًا بتعيين منير السيّال قائدًا للجناح السياسي في الحركة، مع تكليفه بإعداد خطة عمل، أيضًا مدّتها ستة أشهر، ورفعها إلى قيادة الحركة لاعتمادها وإقرارها.
العبدة لفت إلى أن حركة «أحرار الشام» تُعرف بأنها تقوم بتغييرات إدارية دورية بناءً على التحوّلات في الساحة، والأداء الجماعي والفردي، وأحيانًا وفق توازنات داخلية تفرض نفسها بطريقة أو بأخرى. وهي تحاول إلى أبعد مدى العمل وفق أسس مؤسساتية، حتى إن قائد الحركة يتمّ تغييره كلّ سنة في أعقاب تقييمه بعد ستة أشهر من تسلّم القيادة. وحسب العبدة هذه «حالة نادرة في الساحة السورية عامةً، والجماعات الإسلامية خاصة، وهو ما يعزّز نظرية أن حركة «أحرار الشام» حركة مختلفة ومتميّزة من غيرها من الجماعات المسلحة السورية في إدارة شؤونها الداخلية، وتعاملها مع الساحة.
من جانب آخر، أوضح العبدة أن تعيين منير السيّال «أبي خالد» قائدًا للجناح السياسي جاء لملء فراغ إداري تولّد عن ترك محمد الشامي - القائد السابق للجناح السياسي - منصبه، وتولّيه إدارة قطاع حلب، الذي كان يمرّ بلحظات حرجة جدًا في الأشهر الأخيرة. وهو التعديل الذي تمّ في أواخر عام 2015م، وبقي المنصب شاغرًا إلى أن ملأ قائد الحركة مهند المصري «أبو يحيى» صوريًا، وليس عمليًا؛ فجاء هذا التعيين لتصحيح ذلك الوضع الإداري. وأشار الباحث السوري إلى آخر منصب شغله السيّال، المولود في درعا عام 1983م، كان عضو مكتب العلاقات الخارجية، وكان قبلها مسؤول الرقابة والمتابعة في المنطقة الشرقية، وهو من الذين انتموا إلى حركة «أحرار الشام» منذ تأسيسها.
ولفت العبدة إلى أن خطوة قبول استقالة أبي صالح طحان، قائد الجناح العسكري، وتعيين أبي عبد الله الشامي مكانه «ربما لها خلفية داخلية أكثر تعقيدًا من حالة تعيين القائد السياسي الجديد، وقد ترتبط بتوازنات محدّدة، مع أن أبا صالح طحان، الذي ينتمي إلى كبرى العوائل في بلدة تفتناز بمحافظة إدلب، هو من تيار قائد الحركة «أبي يحيى». هذا، ورغم محاولات أطراف داخل الحركة وخارجها، منها «جبهة النصرة» استمالة طحان فإنه ظلّ ثابتًا مع القيادة الحالية. وأكد أن بعض المتابعين يشيرون إلى أنه ربما هناك حاجة إلى قيادة لها قدرة إدارة أكبر من الحالية في الجناح العسكري، خصوصًا أن أبا صالح طحان معروف بأنه قائد ميداني شرس ومحنّك، لكنه يفتقر إلى الناحية الإدارية في عمله. ومع توسّع رقعة العمل العسكري للحركة، الذي يغطي اليوم ثماني محافظات سورية، قد يصار إلى إعطاء الأولوية للناحية الإدارية، خصوصًا أن طحان سيبقى رقمًا أساسيًا في المنظومة العسكرية للحركة، وتحديدًا في الشمال السوري، حيث قاد معارك كثيرة ضد نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية.
على صعيد ثانٍ، تطرق العبدة إلى أن هذه التغييرات تعدّ حلقةً جديدةً في سلسلة تغييرات كثيرة بدأت في نهاية العام الماضي بعزل أبي محمد الصادق، الذي كان مسؤولاً عن المكتب الشرعي في حركة «أحرار الشام» الذي كان يُعدّ الشرعي العام للحركة. وأتى قرار عزله مصحوبًا بتعديلات جذرية في الهيكلة التنظيمية الشرعية في الحركة، إذ جرى إلغاء منصب «الشرعي العام)»، الذي يُعدّ منصبًا تقليديًا في الجماعات الراديكالية المقاتلة، لكنه أثبت فشله في الساحة السورية. إذ ثبت أن الساحة السورية أعقد بكثير من مستوى فهم الذين سبق تعيينهم أو تصدّروا المشهد كـ«شرعيين» متفرّدين بالقرار. وأثبتت الأحداث أن الأخطاء كثيرة، سواء في قتال تنظيم «داعش» الإرهابي في البدايات أم في التعامل مع مشروع «المنطقة الآمنة» والعلاقات الدولية أم في الاقتتال الداخلي في الغوطة. وكان لأصحاب منصب «الشرعي العام» دور سلبي كبير فيها، خصوصًا أنهم يميلون عامةً إلى الشدة في الحكم، والفهم القاصر للواقع المعقّد في سوريا في أحكامهم؛ لذلك عمدت حركة «أحرار الشام» بتشكيل مجلس إفتاء فيه طلاب علم ومشايخ من داخل الحركة وخارجها، بيد أن نشاط هذا المجلس محدود إلى الآن.
«أحرار الشام».. تغييرات وتحوّلات «شرعية»
الحركة تحاول العمل وفق أسس مؤسساتية
«أحرار الشام».. تغييرات وتحوّلات «شرعية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة