«عربة الحواديت» تجوب القرى المصرية لتشجيع الأطفال على القراءة

معلم مصري يوزع 11 ألف كتاب في 54 قرية

المعلم هيثم عبد ربه يحكي القصص لأطفال القرى المصرية و أطفال يحملون ما حصلوا عليه من كتب وقصص («الشرق الأوسط»)
المعلم هيثم عبد ربه يحكي القصص لأطفال القرى المصرية و أطفال يحملون ما حصلوا عليه من كتب وقصص («الشرق الأوسط»)
TT

«عربة الحواديت» تجوب القرى المصرية لتشجيع الأطفال على القراءة

المعلم هيثم عبد ربه يحكي القصص لأطفال القرى المصرية و أطفال يحملون ما حصلوا عليه من كتب وقصص («الشرق الأوسط»)
المعلم هيثم عبد ربه يحكي القصص لأطفال القرى المصرية و أطفال يحملون ما حصلوا عليه من كتب وقصص («الشرق الأوسط»)

بشعار «لن أوزع التمر أو العرقسوس والتمر هندي» يجمع المعلم المصري هيثم عبد ربه كل ما يستطيع من كتب وقصص ويوزعها على أطفال قرى محافظة الشرقية ذات الطبيعة الزراعية وإحدى مدن دلتا مصر، يجوب القرى التي تعيش في عزلة ثقافية تامة بسيارته الخاصة التي أطلق عليها «عربة الحواديت»، ليبدأ في إعطاء الأطفال ما في جعبته من قصص ومجلات، يلتف حوله عشرات الأطفال المتعطشين للقراءة والاطلاع حفاة القدمين، رغبة في الحصول على قصة تؤنسهم في ظل الفقر الثقافي، والغياب التام من الدولة.
وتحت ظلال الأشجار في القرى المنسية، يجلس هيثم ليوزع الكتب والمجلات وأقلام التلوين وكراسات الرسم، فهو يقوم أيضًا بدور «الحكّاء المتجول» يروي القصص على الأطفال، متحديًا نظرات الأهالي الذين كانوا يكيلون له الانتقادات، منتقدين قيامه بتوزيع الكتب بدلا من توزيع الطعام والشراب على الأطفال، إلا أنه صمد وانضم إليه عدد من طلابه لدعمه في توزيع الكتب في القرى المحيطة بقريته، ونجحت مبادرته «عربة الحواديت»، وأتمت عامها الأول.
يعيش هيثم عبد ربه في قرية دوامة، بمركز فاقوس، بمحافظة الشرقية وهي تبعد عن القاهرة نحو ثلاث ساعات، يقول عبد ربه لـ«الشرق الأوسط»: «نجحنا في توزيع أكثر من 11 ألف كتاب في 54 قرية، وما يدفعني لاستكمال ومواصلة دوري هو السعادة التي أجدها في عيون الأطفال بحصولهم على القصص حتى الأطفال الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بدأوا في تعلمها لكي يتمكنوا من قراءة القصص». ورغم الطقس الحار في نهار رمضان هذا العام إلا أنه وزع 900 كتاب خلال الأيام الأولى من شهر رمضان.
بدأت الفكرة لدى هيثم الذي يعمل حاليًا معلما للغة الإنجليزية حينما التقى ذات يوم بطفلة سألته بدهشة كبيرة عما يحمله بين يديه وكانت إجابته «مجلة»، فلم تعي الطفلة ما معنى «المجلة»، وهو الأمر الذي دفعه بقوة لمحاولة محو الأمية الثقافية في قريته، وفي ظل معرفته بما يعانيه الطلاب من عدم وجود مكتبات مدرسية ولا مراكز ثقافية، يؤكد عبد ربه: «أقرب مركز ثقافي يبعد مسافة ساعة ونص بالسيارة، فكيف يصل إليه أطفال لا يملكون وسيلة للتنقل، ويعملون مع آبائهم في الحقول طوال النهار ويعودون إلى بيوتهم في غاية الإنهاك؟». لذا قرر أن يبدأ مشروعه في أول أيام رمضان 2015، يروي عبد ربه: «في البداية هاجمني عدد من الأهالي الذين طلبوا مني توزيع اللحوم والمأكولات والمشروبات بدلا من الكتب، وحاولت أن أرسخ لديهم أن القراءة غذاء الروح وهي أهم لأطفالهم، وبالتدريج بدأ الأهل يجدون أطفالهم في غاية السعادة بل ويرون لهم القصص، وأصبحوا أكثر حرصا على التعلم واستذكار دروسهم»، ومع الوقت شعر صاحب «عربة الحواديت» بضرورة ممارسة الحكي للأطفال الذين يعانون من غياب المرافق الأساسية، حتى إن متعة مشاهدة الأفلام الكارتونية لا يملكونها، فقرر أن ينتقي الحكايات التي تغذي مخيلتهم وتدفعهم للقراءة، منها: «كليلة ودمنة»، «ألف ليلة وليلة»، «سندباد»، وحكايات المكتبة الخضراء التي تروي قصصا من الأدب العالمي بأسلوب مبسط.
إلى جانب عمله كمعلم ورسالته في تثقيف أبناء قريته، كتب عبد ربه عدة قصص للأطفال، وكتب في أدب الطفل صدرت له وحاز بها على جوائز أدبية، ويقول عبد ربه بحماس شديد: «أحاول أن أرفع عن هؤلاء الأطفال المعاناة من الشعور بأنهم خارج الدنيا، فهم بالمقارنة بينهم وبين أقرانهم في المدن لا يعرفون أي شيء، وهو ما عانيت منه حينما ذهبت للمدرسة الثانوية ووجدت الطلاب يعرفون (شكسبير) و(ابسن)، والأدب الغربي، والسينما، وأنا لا أعلم عنهم شيئا. لن تتخيلي أن هناك أطفالا تحولوا من عدم معرفة بالقراءة والكتابة إلى أطفال يكتبون قصصًا قصيرة من خيالهم، وهناك أطفال يجسدون الشخصيات التي يستمعون لقصصها بمجسمات من الطين، هؤلاء يدفعونني لاستكمال المشروع». وبأسي شديد يقول: «منذ فترة ذهبت لقرية (بحر البقر) التي تعرضت لمذبحة كبرى على أيدي العدو الإسرائيلي، ووجدتها في حالة مزرية، فهي كما هي منذ 40 عامًا لم تمتد إليها يد التطوير أو التنمية».
الدور الفعال الذي تقوم به «عربة الحواديت» هي أنها تحث الأطفال على تبادل الكتب التي قاموا بقراءتها مع أقرانهم، حتى إن الأطفال أصبحوا يهرولون وراءها بمجرد رؤيتهم لها حفاة الأقدام، أو بملابس المنزل، ويدفعون عبد ربه للتوقف للحصول على ما لديه من كتب، حتى إن عدم وجود كتب العربة أصبح يثير حزنهم لدرجة البكاء.
لم يكتف عبد ربه بدوره في قريته والقرى المحيطة به، بل بدأ في التوجه لمدن صعيد مصر التي تعاني أيضا من الفقر الثقافي، وبدأ مؤخرا بزيارة لمحافظة المنيا، ويحدوه الأمل في أن يجوب جميع محافظات مصر.
وتأتي مبادرة عبد ربه في ظل تدهور تام للعملية التعليمية في مصر، وهو يرى أن دور الاهتمام بتوظيف المعلمين المتخصصين خريجي كلية التربية أمر مهم للحفاظ على العملية التعليمية، مشيرًا إلى أن أحد أسباب تدهور التعليم هو تعيين معلمين في تخصصات غير تخصصاتهم، بل وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مهنة المعلم.
يحاول عبد ربه الترويج لمبادرته بهدف الحصول على دعم متمثل في مزيد من الكتب وقصص الأطفال، ودشن صفحة على موقع «فيسبوك» لهذا الغرض، وهي حاليا تضم ما يزيد على 3 آلاف عضو، يقول: «ما يعينني على مواصلة رسالتي هي الكتب، فإذا نفدت مني لن أستطيع استكمال ما بدأته»، ويشير: «لولا الكتب التي يرسلها لي عمر أحمد صاحب مكتبة (عمر بوك ستور) بوسط القاهرة، والتي تبلغ نحو 400 كتاب كل شهر، ومساهمته في عمل تخفيض خاص لمن يريد المساهمة بالمشروع تصل إلى 80 في المائة، لما استطعنا المواصلة، كما يشارك معنا أيضا الناشر بهاء الحسيني، رغم أنه مقيم في أميركا فإنه يرسل لنا عن طريق دار نشر «بوكهاوس» مجموعة قيمة من الكتب التي تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد، وأيضًا بعض المبادرات الفردية كالتي يقوم بها الأستاذ صابر إدريس زوج الصحافية المصرية مني الشيمي الذي يرسل لنا بعض الكتب رغم اغترابه في ألمانيا».
«سقف طموحاتنا لا ينتهي».. هكذا لخص هيثم عبد ربه، رغم ما لقيناه من عدم تعاون من الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة التي من المفترض أنها الجهة المعنية بالتثقيف والتنوير، يقول: «التقينا وزير الثقافة المصري بعد توسط من الكاتبة الصحافية أماني ضرغام، إلا أن تلك المقابلة لم تسفر عن جديد، فقد قال لنا إن الوزارة لن تتمكن من إعطائنا الكتب ما دمنا لسنا جهة رسمية أو كيانا قانونيا، وطالبنا بتأسيس جمعية خيرية». يقول عبد ربه: «للأسف مفهوم الجمعية الخيرية في مصر أو في القرى تحديدا يعني الإعانات المادية والأكل والشراب، وخرجنا من المقابلة بإحباط شديد، رغم أن أحد الموظفين في الوزارة ساهم بـ30 كتابا، وساهم معنا صندوق التنمية الثقافية التابع للدولة بنحو 250 كتابا، والهيئة العامة لقصور الثقافة بنحو 80 كتابا، لكن هذا العدد لا يمكن أن يكفي مئات القرى المهمشة».
يطمح المعلم هيثم عبد ربه في الحصول على الكتب بشكل دائم، لكنه مع ذلك يسعى لتأسيس مركز ثقافي شامل، يضم مسرحا ومرسما وناديا أدبيا وقاعة موسيقى، كما يسعى لتقديم برنامج تلفزيوني يساهم في استعادة الحكي الذي غاب عن الأطفال وتركهم لتلقي ثقافة مغايرة عن ثقافتهم عبر مسلسلات الكارتون المدبلجة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.