بعد غياب استمر قرابة ثلاثة عقود، تخطط السينما الروسية للعودة إلى الشاشات العربية، لكن بصورة حديثة، تعكس من جانب أول التحولات التي طرأت على صناعة السينما في روسيا بعد الحقبة السوفياتية، . ومن جانب آخر تعكس التجربة الجديدة المستوى الذي وصلت إليه صناعة السينما في روسيا خلال السنوات الأخيرة.
وفي محاولة جريئة لاختراق صالات السينما العربية، التي اعتادت على المادة الهوليوودية بصورة رئيسية، أعلنت شركة «سينترال بارنتيورشيب» الروسية للإنتاج السينمائي والتوزيع، التابعة لمؤسسة «غاز بروم ميديا» عن التوصل لاتفاق مع شركة «Empire International» اللبنانية حول عرض الفيلم الروسي «الطاقم» أو «طاقم الطائرة» في صالات السينما العربية خلال شهر يونيو (حزيران) الحالي.
ويحتل فيلم «الطاقم» المرتبة الأولى بين الأفلام الروسية في شباك التذكر، حيث حقق مبيعات خلال عام بلغت 22.5 مليون دولار، بينما يتوقع أن يحقق في شباك التذاكر في دول الشرق الأوسط مبيعات بقدر 1.5 إلى 2 مليون دولار أميركي.
وسيُعرض الفيلم على شاشات السينما في كل من لبنان والإمارات، والأردن، والكويت والبحرين وعمان وقطر ومصر.
ويبدو أن هذه الخطوة ليست سوى البداية، حيث أكدت شركة «سينترال بارنتيورشيب» الروسية للإنتاج السينمائي أنها تنوي تقديم أفلام روسية أخرى لعرضها على الشاشات العربية عبر الشركاء اللبنانيين، بمساعدة من شركة «Buta Films» الروسية، التي لعبت دور الوسيط بين الجانبين الروسي واللبناني في هذا الاتفاق، وتخطط لإطلاق مهرجان السينما الروسية في لبنان خلال العام الحالي.
«الطاقم» أو «إيكيباج»، الفيلم الروسي الأول الذي سيتم عرضه على الشاشات العربية بعد طول انقطاع، هو فيلم حديث تم إنتاجه في روسيا عام 2016، من إخراج نيكولاي ليبيديف، سيناريو تيخون كورنييف ونيكولاي كوليكوف.
وتتوزع أحداث الفيلم ما بين الدراما والتشويق، انطلاقًا من الحبكة الرئيسية التي ترسم العلاقة بين قائد الطاقم الطيار الماهر صاحب الخبرة ليونيد زينتشينكو والذي يجسد شخصيته في فيلم الطاقم الممثل فلاديمير ماشكوف، والطيار الثاني - المتدرب أليكسي غوشين المعتز بنفسه المتمرد بطبيعته، ويجسد شخصيته الممثل الروسي دانييل كوزلوفسكي.
إذ يلمس قائد الطاقم في شخصية الطيار الثاني، رغم تمرده، طيارًا ماهرًا بحاجة إلى الخبرة وبعض العمل لصقل طباعه بما يتناسب مع عمل الطيار. وفي خلفية الحبكة الرئيسية تظهر المشكلات التي تمر بها أسرة قائد الطاقم، وبموازاتها حبكة أخرى حول قصة حب بين الطيار المتدرب غوشين وزميلته، الطيار الثاني، الشقراء الجميلة ألكسندرا كوزمينا، وتلعب شخصيتها الممثلة ومقدمة البرامج الليتوانية آغني غروديتا. في هذه الأثناء تشعر المضيفة فيكتوريا التي جسدت شخصيتها الممثلة الروسية كاترينا شبيتسا بانجذاب نحو الطيار الثاني المتدرب غوشين. حول ما يدور من أحداث بين هذه الشخصيات تقوم الحبكة الدرامية من الفيلم.
أما التشويق والإثارة فيبدآن حين تقرر إدارة الشركة معاقبة الطاقم بسبب سلوك سيء من جانب الطيار الثاني المتدرب غوشين، وتقرر إبعاد الطاقم عن الرحلات المدنية الدولية وتكلفهم بالسفر للعمل في فرع الشركة في جنوب شرقي آسيا، المنطقة التي يثور فيها بركان، مما يستدعي الحاجة لطائرة نقل لإنقاذ مدنيين ومصابين عالقين في الجزيرة التي تكاد الحمم البركانية أن تدمرها. هنا تبدأ حبكة التشويق التي تعرض بأسلوب فني جميل مليء بالانفعالات كيف سيتعامل الطاقم مع الموقف وهل سيتمكنون من مغادرة الجزيرة وكيف سيفعلون ذلك، والأهم هو تأثير مشاركتهم ذلك الموقف على العلاقات فيما بينهم والمشكلات الاجتماعية التي يمر بها كل منهم.
اللافت في فيلم «الطاقم» أنه ليس الأول الذي يتم إنتاجه في روسيا بهذا الاسم، وهناك فيلم يحمل نفس الاسم عرضته الشاشات السوفياتية عام 1979، احتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر عام 1980، وهو من إنتاج مؤسسة «موس فيلم» السوفياتية، ولاحقًا الروسية العملاقة في مجال الإنتاج الفني والسينمائي التي يرأسها المخرج الروسي الشهير كارين شاهنازاروف. ومع أن منتجي فيلم «الطاقم» الحالي يؤكدون أن الأحداث في فيلمهم تختلف عن الأحداث والحبكات الرئيسية في الفيلم السوفياتي الذي يحمل نفس الاسم، ويشيرون إلى أنهم حصلوا على الحقوق الفنية من «موس فيلم» لاستخدام الاسم، إلا أن من يشاهد كلا الفيلمين، «الطاقم» إنتاج 2016، و«الطاقم» إنتاج 1979 سيجد تشابهًا كبيرًا بينهما في الخطوط الرئيسية. فكلاهما يقوم على حبكتين، تمزجان ما بين الدراما التي تعرض جانب العلاقات الاجتماعية بين أفراد الطاقم والمشكلات التي يمر بها كل منهم في واقعة الاجتماعي، والتشويق الذي يعرض كيف يتمكن هذه الطاقم من إنقاذ الطائرة والركاب على متنها رغم الظروف المعقدة المحيطة بهم.
في فيلم «الطاقم» السوفياتي يتم تكليف طاقم الطائرة بمهمة إجلاء عمال من جزيرة نفطية في روسيا تعرضت لهزة أرضية، أما فيلم «الطاقم» الجديد فالمهمة إنقاذ مدنيين في جزيرة ثار فيها بركان. وفي الحبكة الاجتماعية - الدرامية تنشأ في «الطاقم» السوفياتي علاقات حب ايضًا بين شخصيات رئيسية، تماما مثلما هي الحال في «الطاقم» الجديد. ولعل هذا التشابه يعود إلى سعي كلا الفيلمين تحقيق الشهرة، لكن لأسباب وأهداف مختلفة بينهما. فيما يخص فيلم الطاقم الذي أنتجته السينما السوفياتية كان الهدف منه تحقيق شهرة وحضور محليين بقدر الشهرة التي حققها في ذلك الحين فلم «المطار» للكاتب البريطاني الكندي أرتور هيل، الذي حاز على شهرة عالمية منذ أن بدأ عرضه عام 1970، بكل أجزائه: «المطار 1975» و«المطار 70» و«المطار 79».
حينها، كان يسود حظر في روسيا على مشاهدة الأفلام الغربية، ومن هنا أتت الحاجة لفيلم مشابه لملء الفراغ في الإنتاج السينمائي وتقديم لوحة للمشاهد السوفياتي لا تقل جمالية وتشويقًا عن اللوحة الغربية. أما فيلم «الطاقم» الروسي الجديد فيبدو واضحًا أنه سعى أيضًا إلى الشهرة، لكن لإثبات الجدارة مهنيًا أمام المنافسين في هذا المجال، ولتحقيق أكبر قدر من الربح المادي. ولذلك اعتمد على التشويق والإثارة بغية تحقيق إقبال واسع في دور العرض المحلية والعالمية، مستفيدًا من النجاح الذي حققه سلفه «الطاقم السوفياتي» إن كان لجهة المبيعات عبر شباك التذاكر، أو الحبكة الفنية التي تبقي على ذلك الفيلم القديم من أفضل ما أنتجته السينما الروسية في الحقبة السوفياتية.
قريبًا.. «الطاقم» الروسي يقتحم دور العرض العربية
السينما الروسية تعود بحلة جديدة بعد غياب ثلاثة عقود
قريبًا.. «الطاقم» الروسي يقتحم دور العرض العربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة