الأسماك الكهربائية تساعد في تطوير روبوتات عالية المناورة في أعماق البحار

لها نظام دفع فريد يتيح لها الانتقال من السباحة إلى الأمام نحو الخلف في خمس ثوان

الأسماك الكهربائية تساعد في تطوير روبوتات عالية المناورة في أعماق البحار
TT

الأسماك الكهربائية تساعد في تطوير روبوتات عالية المناورة في أعماق البحار

الأسماك الكهربائية تساعد في تطوير روبوتات عالية المناورة في أعماق البحار

تستطيع السمكة الكهربائية الضعيفة، التي سميت بهذا الاسم لأنها تولد مجالا كهربيا ضعيفا، القيام ببعض الأشياء الرائعة للغاية، إذ يمكنها وباستخدام أجهزة الاستشعار الموجودة على جميع أنحاء جسدها على سبيل المثال، اكتشاف الفريسة أو الأسماك المفترسة التي تعترض المجال الكهربائي المحيط بها.
سمكة كهربائية
وهذا ما يمكن هذه السمكة من الصيد في الظلام، إضافة إلى تجنبها للتعرض للاصطياد من أسماك البيرانا - أو «الضاري» وهي من أنواع الأسماك التي تعيش في المياه العذبة في أنهار أميركا الجنوبية، وتمتاز بأسنانها الحادة وشهيتها للحوم - وكذلك الأسماك الموجهة بصريا التي تقاسمها محيطها الحيوي.
كما أن لدى هذه السمكة نظام دفع فريدا يمكنها من السباحة إلى الخلف. والحقيقة أن السمكة قادرة على التحول من السباحة بالسرعة القصوى إلى الأمام إلى السباحة بشكل عكسي خلال خمس ثوان فقط.
وعلى غرار الكثير من الأشياء في الطبيعة، ساعدت السمكة الكهربائية الضعيفة، التي تم العثور عليها في أميركا الجنوبية وأفريقيا، العلماء الذين يحاولون الإجابة عن أسئلة جوهرية في هذه الحالة بشأن القدرات الحسية والحركية، بهدف الإلمام بشكل أفضل بعلوم المخ والعقل، وفي النهاية تطوير تقنيات جديدة مشتقة من علم الأحياء.
فهم المحيط والقدرات
يقول الدكتور مالكوم ماكايفر، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية والميكانيكية في جامعة نورثويسترن: «القضية الرئيسة هنا هي أننا نحاول فهم الكيفية التي تتمكن بها السمكة من استشعار العالم ممتزجة بالقدرة على الحركة. أي: ما العلاقة بين الفضاء الذي يمكنك استشعاره كشخص مثلا وقدراتك الميكانيكية؟».
وباستخدام السمكة كنظام نموذج، يحاول ماكايفر فك العلاقة بين «الكم الحسي» المتمثل في الفضاء الذي تستشعر فيه السمكة الأشياء في مجالها، و«الكم الحركي»، أي الفضاء الذي تتحرك فيه. وسماه مجال دراسة «ميكانيكا المعلومات».
ولتفسير هذه العلاقة أشار الباحث إلى سيناريوهين متعارضين للغاية الأول ربما يواجهه الشخص خلال قيادته السيارة: ففي اليوم المشمس الصافي يقود غالبية الأفراد السيارة بترو لأن ظروف القيادة لا تحتاج من الكثيرين منهم القيام بردود فعل سريعة إزاء الظروف أو بيئة القيادة. ولكن عند مواجهة الضباب الكثيف عادة ما يتحول الأفراد إلى حالة رد الفعل، فهم يبطئون من السرعة، على سبيل المثال، ويصبحون أكثر حذرا تجاه الأخطار المتوقعة على الطريق.

«هليكوبترات» بحرية
وقد طور ماكايفر وزملاؤه بالفعل إنسانا آليا يمكنه أن ينقل ويحس بالبيئات المظلمة والمضطربة تحت الماء ويتوقع أن يستخدم تجاريا، بما في ذلك البحرية الأميركية، خلال السنوات القليلة المقبلة.
وقال مشيرا إلى تسرب شركة «بريتش بتروليم» النفطي عام 2010 في خليج المكسيك في حديث نقله موقع «فيز. أورغ» العلمي أن «الروبوتات التي استخدمت تحت الماء أثناء مشكلة حفار (ديب ووتر هورايزون) لم تتمكن من العمل بشكل جيد نتيجة لافتقارها إلى المناورة وتكنولوجيا الاستشعار التي كان بمقدورها المساعدة في إدارة البئر في البيئات غير المستقرة. وكان العاملون يحاولون العمل وسط تجمعات النفط الضخمة الممتزجة بالماء، وهو ما تستطيع الرؤية من خلاله. لكن التقنية المقترحة الجديدة تمتلك القدرة على تغيير كل هذا».
ويحاول ماكايفر العمل على صناعة نسخة ميكانيكية من نظام الدفع الفريد للسمكة.
ويقول: «تقوم غالبية الأسماك بتحريك زعانفها، وتحريك الجزء الخلفي من جسمها في المياه، التي تدفعها إلى الأمام. لكن أسماكنا لا تسبح بهذه الطريقة فهي تحافظ على جسدها مستقيما ولديها زعنفة بطول جسمها وعلى طول بطنها. والقيام بتحريك تلك الزعنفة، يبدو على الأغلب أشبه بستارة في الريح. وباستخدام تلك الزعنفة تتمكن السيارة من التحرك بصورة بهلوانية دقيقة».
لا تستطيع هذه السمكة السباحة إلى الخلف وفقط، لكنها قادرة على التحرك أيضا في كل الاتجاهات، بما في ذلك التحرك بشكل جانبي وفي كل الزوايا. وهي بذلك تشبه الطائرة الهليكوبتر في المياه. وإذا تمكنا من صنع ذلك فسوف نحظى بمروحية مائية.
يجري العمل في الوقت الراهن على ذلك في الوقت الراهن. ويقول: «ما زلنا نعمل على الدفع عالي المناورة، لكننا على وشك التوصل إلى ذلك».
ساعد ماكايفر أيضا في تطوير «سكيل» «Scale»، وهو عمل فني لـ«سمكة كهربية مغنية»، ظهر في معارض في هولندا والصين، وذلك سوية مع الفنانة التشكيلية مارلينا نوفاك والمؤلف جاي آلان يم، والفنانين الآخرين وهم من نورثويسترن. ويضم العمل اثني عشر نوعا مختلفا من الأسماك الكهربائية من حوض نهر الأمازون تؤلف جوقة تقدم مجالات كهربية لمصادر نغمات لتجربة سمع بصرية تحت الماء.
ويقول ماكايفر إن «كل سمكة كهربية تطلق مجالا كهربيا، وإذا وضعتها على مكبر صوت، فهو شيء يمكنك سماعه. لا تقوم الأسماك بتوليد صوت، لكنك إن وضعت مكبر الصوت في الماء وتم تضخيمه، يمكنك أن تسمع المكافئ المائي لمجالها الكهربائي. على شكل جوقة من السمك الكهربائي».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً