في يوم اثنين من العام 2011.. شهر رمضان المبارك (1432هـ) يوشك على نهايته، وبدأت قوافل الراصدين بالعين تتجه إلى محافظة حوطة سدير (شمال الرياض) ومعهم على الجانب البعيد في منطقة مكة المكرمة، وتحديدا محافظة الطائف، راصدو التقنية التابعين لـ«الجمعية الفلكية بجدة»، وكلاهما للهدف ذاته، وهو إمكانية رصد هلال عيد الفطر المبارك.
في ذلك المشهد، أنهى بيان الديوان الملكي السعودي، حالة جدل، وأثبت أن شهر رمضان المبارك أنهى قافلته بـ29 يوما، بعد ثبوت رؤية الهلال من محافظة حوطة سدير بشهادات الرائين وتوثيق ذلك عبر المحكمة العليا، بعد أن تفوقت فيه العين المجردة على المراصد الفلكية، التي عجزت الأخيرة عن رصد الهلال من مواقعها المرابطة على جبال الطائف.
الجدل اشتعل من الفلكيين ليلة العيد، حيث أكدوا استحالة رؤية المراصد الفلكية للهلال «القضية»، متسائلين عن قدرة العين المجردة على ملاحظة ذلك، وهي التي أعلنت عن دخول العيد وتوقف رمضان عند عتبة التاسع والعشرين، ووجد ذلك تبريرات عدة نظرا لرؤية الهلال في منطقة تغرب تسبق غروب ثكنات المراصد الفلكية آنذاك، فيما كانت أطياف الشارع السعودي عبر قنوات الإعلام الاجتماعي، وحتى صلاة العيد تتساءل: «هل هو أول يوم للعيد؟ أم أنه متمم للثلاثين من شهر رمضان؟»
آنذاك كان «الهلال» المبشّر، عصيا على أولي الأعين المجردة وغيرها من المستعينين بقوة التقنيات رؤيته وفق آراء ذوي الفلك، حيث أوضحوا أن كل وسائلهم خلال رحلة ترائيهم للهلال من مناطق عدة في السعودية؛ لم تشفع للوصول إلى رؤية له، خصوصا أن السماء كانت مهيأة للرؤية من دون معكرات لصفوه.
الإعلان الرسمي الملكي السعودي جاء متوافقًا في ذلك العام، مع صيغة تقويم «أم القرى»، الذي تعتمده السعودية وقطاعاتها في تحديد ظروف الزمن والوقت. وهو الأمر الذي رآه كثير من الفلكيين الموجودين، منذ وقت مبكر من مساء ليلة الوداع الأخيرة لرمضان السعودي، كان لصيقًا للتقويم، في وقت تعتمد «الشريعة الإسلامية» الهلال توقيتا لدخول الأشهر والأيام، التي تتجلى أهميته أكثر خلال مواسم دخول العيدين الإسلاميين ورمضان وموسم الحج.
تاريخ جديد ذلك الأمر، تعدى اليوم ذلك الخلاف، فالمحكمة العليا في السعودية دعت قبل يومين عموم المسلمين في المملكة إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك، داعية من يرصده سواء «بالعين المجردة أو بواسطة المناظير» إبلاغ أقرب محكمة إليه وتسجيل شهادته لديها، أو الاتصال بأقرب مركز لمساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة، وفق ما جاء في البيان الرسمي.
ودائما ما كانت رسائل البشرى تنطلق من ضواحي حوطة سدير وجارتها محافظة شقراء، وتمتازان بالمساحة الشاسعة للرؤية ومرتفعات تشتت أنوار الجوار لتتسنى للرائين المشاهدة بوضوح بعد دقائق من مغيب الشمس، وهي المدة المعتادة لإمكانية الرصد، وكان بعض - ولا يزال - من أهالي المحافظة ذوي قدرة على الرصد بالعين المجردة، قبل أن يكون البارزون منهم في مهام العمل في «المرصد الفلكي بجامعة المجمعة» توظيفا لقدراتهم ضمن لجنة شاملة تُعنى برصد الأهلة.
في موسم الهجرة نحو التقنيات الحديثة، لا تزال بعض الدول الإسلامية عاجزة عن اعتماد شرعي لتلك المراصد، في حيرة بين العلم والتقليدية، باحثين عن رأي شرعي رسمي وإن كانوا في غالبهم ينضوون تحت الإعلان السعودي، وتتأجل إعلاناتهم حتى إعلان الديوان الملكي، وليشتت كل أشكال الجدل في تعيين الهلال ليلغي كل التساؤلات بشأن قضية تجهل فيها تلك المجتمعات مرجعية المسؤولية مع تصاعد التنبؤات بأحداث مناخية وفلكية في شتى دول العالم، وتظل بعض المراصد الفلكية بها في دور نشر الوعي الفلكي دون اعتماده مرجعية لدخول المناسبات الإسلامية.
قضية «الهلال» الذي يعدّ العلامة الشرعية لاعتماد دخول الشهر في الأحداث الإسلامية، وترائيه على الخصوص في السعودية، ينعكس بالاقتداء بها على دول عدة في محيطها الخليجي والعربي كذلك، رغم انفصال مرجعياتها الشرعية تبعا للمذهب داخل كل دولة على حدة، وتظل الرؤية السعودية للأهلة هي الأساس في تحديد غالبية الفعاليات الدينية، خصوصا في موسم الحج.
رصد الأهلة في السعودية.. حكاية ضبط الزمن والجدل بين العين والتقنية
الرؤية المجردة في السنوات الماضية توافقت مع المراصد التقنية
رصد الأهلة في السعودية.. حكاية ضبط الزمن والجدل بين العين والتقنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة