انتهت الجولة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية في لبنان على مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها صناديق الاقتراع في مدينة طرابلس، ففي وقت كانت القوى السياسية التي تكتلت في لائحة واحدة لخوض المعركة البلدية في وجه 3 لوائح أخرى أبرزها اللائحة التي يدعمها وزير العدل المستقيل أشرف ريفي والنائب السابق مصباح الأحدب، تتعاطى مع الأمور كأنها محسومة لصالحها، تلقت صفعة موجعة بعد فشلها مجتمعة بكسب تأييد الشارع الطرابلسي الذي صوت لصالح ريفي مكرسا إياه زعيما أقله على مدينة طرابلس.
وسارعت القوى السياسية وعلى رأسها تيار «المستقبل» المعني الأبرز بالنتائج المحققة، باعتبار أن الوزير ريفي لطالما كان محسوبا عليه وقد قرر أخيرا الانسحاب من الحكومة والابتعاد عنه احتجاجا على المواقف الأخيرة التي اتخذها رئيس التيار سعد الحريري، وأبرزها ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لمحاولة استيعاب الصدمة. وفيما وصف النائب في «المستقبل» أحمد فتفت نتائج الانتخابات في بعض مناطق الشمال بـ«القاسية»، لافتا إلى أن الرسالة الأساسية وجهها أهل طرابلس «لمن كان يعتقد أنه هو زعيم المدينة أي الرئيس نجيب ميقاتي، فتبين ألا شعبية له بالقدر الذي كان يوهم الناس به»، قال النائب في التيار عينه سمير الجسر لـ«الشرق الأوسط»: «ما حصل يستدعي دراسة متأنية.. لعلنا لم نقرأ جيدا رغبات وتوجهات أهالي طرابلس».
وأقر الجسر بأن تيار «المستقبل» معني أكثر من غيره من القوى السياسية الطرابلسية بالنتائج المحققة، معربا عن أسفه لعدم تمثل المسيحيين والعلويين في المجلس البلدي المنتخب. فقد انعكس التنافس الحاد بين اللوائح في طرابلس على المرشحين المسيحيين والعلويين الذين تم تشطيبهم، بعدما كان من المتعارف عليه أن يضم المجلس البلدي في المدينة 6 مسيحيين وواحد أو اثنين من العلويين من أصل 24 عضوا معظمهم من السنة. وقال الجسر: «ما كنا نخشاه حصل، لكن لا إمكانية للطعن بهذه النتائج باعتبار أن القانون لا ينص على توزيع طائفي معين في المجلس البلدي».
بدوره، اعتبر النائب عن طرابلس أحمد كرامي أن عدم تمثل المسيحيين والعلويين في المجلس الجديد «خطأ كبير يُضر بصورة طرابلس التي لطالما كانت واحة من العيش المشترك»، مرجحا أن تكون النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع «رسالة فحواها عدم تقبّل الطرابلسيين للتوافق الذي تم فجأة بين القوى السياسية في المدينة، وللطريقة التي تم فيها». وقال كرامي لـ«الشرق الأوسط»: «فيما نؤكد إيماننا بالتوافق الذي حصل واقتناعنا به، لكننا من جهة أخرى نستوعب تماما ردة فعل الشارع الذي لم يكن لديه الوقت اللازم لتقبل التفاهم، خاصة بين الرئيسين الحريري وميقاتي بعد مرحلة من الخلاف السياسي».
ونجح الوزير المستقيل أشرف ريفي باستثمار التخبط الحاصل في صفوف خصومه، فحصد 18 مقعدا في المجلس البلدي مقابل 6 فقط لتحالف القوى السياسية الطرابلسية وأبرزها تيار «المستقبل» مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزيرين السابقين فيصل كرامي ومحمد الصفدي. واعتبر ريفي في سلسلة مواقف أطلقها يوم أمس بعد إعلان فوز اللائحة التي يدعمها، أن «الطرابلسيين قالوا للرئيس سعد الحريري إنه أخطأ بالذهاب إلى خيارات بعيدة عن الثوابت»، داعيا إياه إلى «العودة إلى ثوابت الشهيد رفيق الحريري». وتحدث ريفي عن الدخول في «مرحلة سياسية جديدة»، لافتا إلى أن لديه «شروطا للتعامل مع (المستقبل) والقوى السياسية الأخرى في طرابلس». وقال: «أمد يدي للحريري وخلافي معه على نقاط سياسية أكبرها ترشيح فرنجية للرئاسة». وأضاف ريفي: «أرادوها تهريبة محاصصة وتحالفا هجينا، فقلنا إننا لن نقبل بأن يسيطر على المجلس البلدي شركاء (حزب الله)، دعمت لائحة قرار طرابلس التي تمثل شبيبة طرابلس، ولم أطلب شيئا لي ولم أطلب اسما لي».
وسارع الحريري فور تبيان نتائج الانتخابات في طرابلس إلى «تهنئة الفائزين بانتخابات الشمال عموما وطرابلس خصوصا»، داعيا الجميع إلى التعاون لمصلحة المدينة، مؤكدا احترام الإرادة الديمقراطية لأبناء طرابلس الذين اختاروا أعضاء مجلسهم البلدي الجديد. وأضاف: «أحث القوى الطرابلسية إلى تجاوز الاصطفافات الانتخابية وتسهيل مهمة المجلس المنتخب في إنماء المدينة وحل مشكلاتها، فطرابلس تستحق منا الجهد والدعم مهما كانت الظروف وسنبقى حاملين همومها وقضاياها في كل وقت».
واعتبرت نهلة الشهال، الباحثة في علم الاجتماع السياسي، أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية في طرابلس «تعبيرا عن إحساس بالضيق من وجود تحالف بين كل الطبقة السياسية التي قررت استبعاد أحد رموز المدينة، فكانت ردة الفعل حيال ما اعتبروه تواطؤا، خاصة أن الأسماء التي رشحتها القوى السياسية معظمها من المجلس القديم الذي جُرِّب وأثبت أنه غير فاعل». وقالت الشهال، ابنة طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»: «يُمكن الحديث أيضا عن ردة فعل طرابلسية عنيفة ضد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي عامل المدينة بمزيج من الاستعلاء والإهمال»، مؤكدة أن «استبعاد المسيحيين والعلويين من التشكيلة الجديدة، لا يعني بأي شكل من الأشكال تطرفا معينا، باعتبار أنهم ذهبوا ضحية التنافس فكانوا فرق عملة لا أكثر ولا أقل».
وفيما أثنى رئيس الحكومة تمام سلام على نجاح اللبنانيين بالقول: «بصوت عال إنهم متمسكون بمساحة التعبير عن الرأي التي يتيحها الدستور وبالحق الذي يمنحهم إياه بتجديد هيئاتهم التمثيلية»، اعتبر أن هذه الخطوة (الانتخابات البلدية) ومعها الانتخابات النيابية «التي يجب التهيؤ لإجرائها في موعدها، كفيلة بإنعاش نظامنا الديمقراطي وإحياء حياتنا السياسية وضخ حيوية مفقودة في دورتنا الاقتصادية، ومخاطبة العالم بصوت واحد في الاستحقاقات الصعبة التي تنتظرنا وهي كثيرة».
أما وزير الداخلية نهاد المشنوق، فشكر في مؤتمر صحافي القوى الأمنية والجيش «على إنجاز الاستحقاق البلدي بشكل حضاري وسلمي من دون الإفراط في استعمال القوة»، معتبرا أن «النتائج أظهرت أن السياسية في لبنان بخير».
ولم تقتصر «المفاجآت البلدية» في الشمال اللبناني على طرابلس؛ إذ اهتز التحالف بين زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مجددا بعد فشلهما في معركتي القبيات في عكار وتنورين؛ حيث خاضا مواجهة حزبية للإطاحة بكل من وزير الاتصالات بطرس حرب والنائب في تيار «المستقبل» هادي حبيش، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنهما.
ريفي يكرِّس نفسه زعيمًا في طرابلس.. والحلف المسيحي يهتز في الشمال
المدينة توجه صفعة لتحالف القوى.. و«المستقبل» يسعى لاستيعاب الصدمة
ريفي يكرِّس نفسه زعيمًا في طرابلس.. والحلف المسيحي يهتز في الشمال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة