مرحبًا بكم في منطقة ماراثفادا الواقعة بولاية ماهاراشترا، غرب البلاد، حيث بلغت درجة الحرارة 45! بالنسبة لسونيتا التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها، يبدأ اليوم في السادسة صباحًا عندما تخرج هي وشقيقاها الأصغر، 7 و8 سنوات، لمرافقة والدتهما إلى بئر بعيدة.
بعد ذلك، ينتظرون حلول وقت العودة، الذي قد يأتي في غضون ساعة أو ربما أطول، ويعيدون الرحلة أربع أو خمس مرات في الصباح، ثم يكررون الجولة ذاتها مساءً بعد الرابعة عصرًا.
وتعد سونيتا واحدة من أطفال كثيرين بدأوا يتولون مسؤولية جلب المياه لأسرهم، مما يضطرهم لقطع عدة كيلومترات يوميًا على نحو متكرر، بحثًا عن الماء داخل مناطق هندية ضربها الجفاف.
ومع خوض الهند معركة شرسة في مواجهة أقسى موجة جفاف تضربها منذ نيل الاستقلال منذ عقود عام 1947، شكلت ندرة المياه الدافع وراء حالات انتحار وموجات هجرة وتوترات اجتماعية وإلغاء أعداد لا حصر لها من الزيجات والعمليات الجراحية بالمستشفيات ووفيات بين الأطفال.
في الواقع، لا يحالف الحظ جميع الصغار الذين يتحملون مسؤولية جلب المياه لأسرهم، مع ارتفاع معدلات الوفيات في صفوفهم جراء ارتفاع درجات الحرارة أو الجفاف أو حتى السقوط داخل آبار المياه.
من بين الضحايا يوغيتا ديساي، 12 عامًا، التي توفيت أخيرا جراء إصابتها بـ«ضربة شمس» أثناء جلبها المياه في خامس جولة تقوم بها. أما راجشري كامبل، 10 سنوات، وكومال جاغتاب، 9 سنوات، فقد لقيا حتفهما بعد سقوطهما داخل إحدى الآبار أثناء جلب مياه منها. وقد ارتطمت رأسيهما بقاع البئر نظرًا لانخفاض منسوب المياه به.
الملاحظ أن نقص المياه ترك آثاره على حياة أكثر من ربع سكان الهند، حيث تسبب في جفاف مخزونات المياه وهلاك المحاصيل والماشية. واضطرت السلطات لتكليف قوات من الشرطة بحراسة آبار المياه لضمان عدم سرقة المياه ولتحديد حصص محددة منها لكل فرد وضمان الالتزام بالامتناع عن زراعة محاصيل بعينها تستهلك كميات ضخمة من المياه، مثل قصب السكر.
* ما سر أزمة المياه في الهند؟
* تسبب نقص في الأمطار على مدار عامين متتاليين في نقص خطير بالمياه داخل كثير من الولايات. جدير بالذكر أن الهند تحصل على 75 في المائة من أمطارها السنوية خلال موسم الرياح الموسمية الممتد من يونيو (حزيران) حتى سبتمبر (أيلول). ويعتمد ري ما يقرب من 60 في المائة من الأراضي الزراعية بالبلاد على الأمطار. وعليه، فإن نقص الأمطار قد يخلف نتائج كارثية بالنظر إلى أن قرابة نصف سكان البلاد البالغ إجمالي عددهم 1.3 مليار نسمة يعملون بمجال الزراعة، التي تشكل نحو 18 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد البالغ تريليوني دولار.
علاوة على ذلك، فإن الزراعة المكثفة لمحاصيل تتطلب كميات ضخمة من المياه، مثل الأرز وقصب السكر تسببت في تفاقم أزمة ندرة المياه. وتشير الأرقام إلى أن ما يصل إلى 70 في المائة من المياه التي تنقلها البنية التحتية للري المحدودة داخل الهند، يتجه نحو حقول قصب السكر ببعض الولايات. وعليه، فإنه ليس من قبيل المصادفة أن نجد الولايات المنتجة للسكر مثل ماهاراشترا وأوتار براديش كانت من بين الأكثر تضررًا جراء أزمة المياه.
* حوادث الانتحار
* بسبب فقدان المحصول وخوفًا من تداعيات القروض المصرفية التي حصلوا عليها، قرر أربعة من أفراد أسرة المزارع دينيش دنيانسنغ الانتحار. وبالفعل تجرعوا جميعًا السم، ليلقى ثلاثة منهم مصرعهم، بينما لا يزال واحد يصارع الموت في المستشفى.
وكان من شأن موجة الجفاف الشديدة، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة على نحو قياسي مع اتباع أساليب زراعية رديئة، تراجع الإنتاج الزراعي على نحو بالغ، ما دفع بالمزارعين إلى هاوية الفقر.
حتى مارس (آذار) 2016، أقدم ما يصل إلى 316 مزارعًا على الانتحار بسبب انهيار المحصول جراء أزمة المياه. من بين الضحايا المزارع شيفانابا، 45 عامًا، الذي قتل نفسه بعد ضياع محصوله وتراكم ديون على كاهله بقيمة 6000 دولار. وأشارت صحيفة «تايمز أوف إنديا» إلى أنه عندما عثرت عليه زوجته مقتولاً، سكبت كيروسين على نفسها وطفلتيها، 8 و6 سنوات، وأضرمت النيران ليلقوا جميعًا مصرعهم.
من جانبه، نفى الخبير الهندي البارز بقضايا المياه راجيندرا سنغ أن يكون الجفاف ناجمًا عن أسباب تتعلق بالطبيعة، مؤكدًا أن هذه الأزمة «من صنع الإنسان وتتحمل سياستنا التنموية القدر الأكبر من اللوم عنها»، جدير بالذكر أن سنغ حصل العام الماضي على جائزة ستوكهولم للمياه، التي تكافئ جائزة نوبل بمجال إدارة المياه.
على الجانب الآخر، وقف المزارع زام الله، 65 عامًا، تحت أشعة الشمس المحرقة داخل حقله الخراب، وقال: «التساؤل الوحيد الذي يتردد في ذهني: هل سيكون المطر جيدًا هذا العام؟»، كانت أربعة أعوام من الجفاف قد اضطرت أسرته للحصول على قرضين وبيع ثلث ما يملكونه من أرض، واضطرته للقيام بأعمال يدوية بسيطة لكسب القوت.
* حراسة مسلحة
* سافرت «الشرق الأوسط» إلى أكثر الجيوب تأثرًا بالجفاف داخل منطقة ماهوبا في بندلكهاند بوسط الهند، حيث جرى نشر عناصر شرطية مسلحة حول آبار المياه والقنوات، وذلك بعد أن تفشت حوادث سرقة المياه واندلعت مشاحنات غاضبة بين المواطنين حول المياه.
كان المزارع هيرا لال ياداف بين الكثيرين الذين ألقي القبض عليهم بتهمة سرقة المياه. كان هيرا قد سرق عدة لترات من المياه من خط إمداد المياه وخزنها في حفرة لري محصوله، الذي خشي أن يهلك مثلما حدث العام الماضي. عن هذا، قال سيروهي، الذي استعانت به بلدية المنطقة لحراسة سد مياه: «الماء أصبح أثمن من الذهب بهذه المنطقة».
وأضاف: «إننا نتولى حراسة السد على مدار اليوم لأن المزارعين من ولاية أوتار براديش المجاورة يسرقون المياه لإنقاذ محاصيلهم»، واستطرد أن «مياه النهر لن تدوم طويلاً ولن نجد مياهًا كافية للشرب».
وعلق ضابط شرطة محلي رفض كشف هويته، على الوضع بقوله: «لم يكن قط بهذا السوء، فهذه المرة الأولى التي يتحول الشجار حول المياه إلى معارك. إنها المرة الأولى التي أستعين فيها برجالي ليس لردع الجرائم، وإنما لحماية المياه».
وقالت مونا، مقيمة بقرية أششارا، واحدة من القرى التي ضربها الجفاف، بينما كانت ترقد أمامها بقرة ميتة على قطعة قاحلة من الأرض: «عندما يواجه الناس نقصًا شديدًا بمياه الشرب، فمن يملك توفير المياه للحيوانات؟ إننا نشعر بالعجز، وأصبح لكل قطرة مياه قيمتها الكبيرة».
من ناحية أخرى، ورغم أنه من المتوقع أن يحمل موسم الرياح الموسمية المقبل بعض الإغاثة، فإن التحدي على المدى البعيد يبقى قائمًا بسبب التنافس على المياه الجوفية الشحيحة والإمدادات السطحية فيما بين المزارعين والمصانع والمدن.
حتى مياه الشرب أصبحت تواجه مشكلة، واستعانت الحكومة بشاحنات لنقل الديزل في توفير إمدادات مياه شرب لبعض المناطق، بعد تنظيفها.
من بين المناطق الأخرى الأكثر تضررًا من الجفاف، التي زارتها «الشرق الأوسط»، لاتور. واشتكى أحد سكان المنطقة ويدعى غوغون: «كنا من قبل نحفر لأعماق تصل إلى 15 مترًا بأيدينا ونجد مياهًا جوفية بكميات وفيرة. أما الآن، فإننا نحفر لأبعد من 700 متر دونما جدوى».
وقد شرعت السلطات البلدية هنا في توزيع المياه في صورة حصص وتوقفت عن توفيرها عبر الصنابير. ويجري توزيع 300 لتر على كل أسرة مجانًا أسبوعيًا، بينما تبلغ حاجة الفرد من المياه في المتوسط 85 لترًا يوميًا.
وبقلب مدينة لاتور يصطف الناس، معظمهم من السيدات والأطفال لمدة تصل لساعتين يوميًا للحصول على بعض من مياه الشرب من إحدى الآبار. وتكفل أوتامراو موري، ضابط شرطة متقاعد، بمهمة ضمان حصول على فرد على قدر متساو من المياه.
المحزن أنه عبر المناطق المتضررة، تعرضت المئات من خطط الزواج والعمليات الجراحية بالمستشفيات للإرجاء لعجز المزارعين عن توفير التكاليف بعد عامين من القحط.
من جهتها، تنوي الحكومة الهندية برئاسة مودي إحياء خطة يعود تاريخها إلى 30 عامًا لربط أنهار الهيمالايا وشبه القارة الهندية لتوجيه المياه نحو المناطق التي تعاني عجزًا بالمياه.