ما بدأ بالنسبة للعارضة الإيرانية سابقا، ليلى يافاري كهواية مؤقتة إلى أن تتخرج في الجامعة وتحصل على شهادة الدكتوراه، تحول إلى مهنة، أولا كعارضة أزياء وحاليا كسفيرة ومديرة في موقع «ستايل بوب» الألماني (StyleBop.com).
كانت ليلى تدرس في جامعة بيركلي في قسم الاقتصاد السياسي التنموي والنظريات الثقافية، عندما اكتشفت في عام 2004 ومنحت فرصة المشاركة في عروض أزياء. كأي شابة في مقتبل العمر، كانت تعشق الموضة وتتابعها، لكن من بعيد ولم تكن تتوقع أن تغويها إلى حد احترافها. ورغم أن اسمها ليس له رنة العارضات السوبر، فإنها لو بدأت في الثمانينات أو بداية التسعينات لكانت واحدة منهن، لكن اكتشافها جاء بعد ذلك بكثير، وبعد أن تراجع مفهوم العارضات السوبر لحساب عارضات أوروبا الشرقية. الدليل أنه ما إن تقع عليها العين حتى تقتحم مخيلتك صور سيندي كروفورد، كريستي تورلينغتون، ناعومي كامبل، ليندا إيفانجليستا نظرا لمواصفاتها الجمالية ورشاقتها البعيدة كل البعد عن النحافة الأنوركسية. أما هي فتعد نفسها محظوظة لأن الأمور جرت بطريقة طبيعية جدا، وبشكل لم تكن تتوقعه أو تسعى إليه: «لقد كان هدفي التخرج بشهادة الدكتوراه، لهذا عندما عرضت عليه فرصة المشاركة في عروض أزياء، كانت الفكرة في البداية أن أشارك فيها بشكل مؤقت، وفي أوقات لا تتضارب مع دراستي، بيد أنني لا أنكر أنني بدأت أستمتع بها بالتدريج، خصوصا بعد أن أخذتني في أسفار ممتعة إلى باريس وميلانو وعواصم أوروبية أخرى، بل وحتى جنوب أفريقيا. وبعد أن كنت أقبل السفر للعمل في فترة الإجازات الصيفية فقط، بدأت أجد صعوبة في رفض فرص مهمة كانت تعرض عليَّ خلال العام الدراسي. في كل مرة، كنت أقنع نفسي بأنني، وبمجرد انتهاء عملي وعودتي، سأعوض الوقت الذي قضيته بعيدا عن الجامعة. في المقابل، وجدت نفسي أتغيب أكثر وأكثر، وفي كل مرة كنت أقنع نفسي بأن الفرصة لا تعوض ولا يجب رفضها».
هكذا كانت نقلة ليلى يافاري من المكتبات والأبحاث الجامعية إلى جلسات تصوير لا تنتهي وعروض أزياء تحملها إلى كل بقاع العالم. فقد تحول ما بدأ كهواية مؤقتة إلى مهنة أخذت مع الوقت وجوها مختلفة. ففي عام 2011 تحولت إلى تحرير الأزياء في موقع «ستايل بوب» ولم يمر سوى عام آخر حتى ترقت إلى وظيفة مشترية رئيسة فيه.
وتشرح أنها بعد أن تقاعدت كعارضة وهي في سن الشباب، لم تستطع الانفصال عن هذا العالم تماما، وبقيت فيه كخبيرة أزياء تارة، وكمحررة تركز على ثقافة الموضة وعلاقتها بالمجتمعات تارة أخرى، قبل أن تصبح المشترية الرئيسة والمديرة في موقع «ستايل بوب دوت كوم». الموقع كما تؤكد متخصص في المنتجات المترفة، ويعد أهم موقع تسوق في أوروبا، مضيفة أنها شعرت بحسها بأنها فرصة لا يمكن أن تعوض بمجرد أن عرضت عليها أول مرة في عام 2010. ما زاد من حماسها شخصية الأخوين المؤسسين للموقع، اللذين أعجبت بنظرتهما المستقبلية وطريقة عملهما. تقول: «بهرتني عصاميتهما وقصة بدايتهما من لا شيء. فقد بدآ منذ عشر سنوات تقريبا في شقة صغيرة فوق محلهما الخاص ببيع ملابس التجزئة. كانا يقومان بكل شيء بأنفسهما، من تعليب وتلقي الطلبيات وإرسالها وغير ذلك. الآن يعد الموقع واحدا من أكبر وأهم مواقع التسوق في العالم، يوظف ما لا يقل عن 220 موظفا سيرتفع عددهم إلى 300 موظف أو أكثر مع نهاية هذا العام».
التقت ليلى المؤسسين أول مرة في حفل اجتماعي ببرلين، وكانت الفكرة أولا أن توظف خبرتها التحريرية في مجال الموضة للإشراف على مجلة الموقع لاستقطاب قراء موضة قد يتحولون إلى زبائن. لم يمر سوى عام واحد حتى ترقت إلى سفيرة الموقع بعد أن تولت منصب المشترية الرئيسة فيه. فقد برهنت على إلمام تام بخبايا الموضة، فضلا عن حس فني وشبكة علاقات طويلة مع المصممين. فهي المسؤولة عن اختيار من ينضم منهم إلى الموقع، تلتقطهم بحس وعينين عارفتين. فالمهم بالنسبة لها، أن «يتمتعوا بأسلوب فريد وخاص يخاطب كل الجنسيات والأجناس، وخصوصا أن الموقع مفتوح على كل العالم بما في ذلك كوريا الشمالية وإيران».
تذكر إيران بابتسامة واسعة ونظرة لها مغزى، وكلما تعمق الحديث عن الموضة وعلاقتها بالثقافة، تزيد تلقائيتها وتسهب في الحديث بفخر عن أصولها الإيرانية، مؤكدة أنها وعلى الرغم من تربيتها في كاليفورنيا، تبقى إيرانية 100 في المائة: «فنحن في البيت نتخاطب مع بعض بالفارسية ونسمع موسيقى إيرانية وكل ما يمت لهذه الثقافة من صلة». كانت ليلى شابة عندما زارت مسقط رأسها، طهران، أول مرة، وكان ذلك منذ أكثر من عشر سنوات تقريبا، عندما كانت تحضر شهادة الماجستير عن المسرح الإيراني وعلاقته بمسرح بريخت، ما شجعها على زيارتها في الإجازات الصيفية. تتذكر أن المشهد كان جديدا عليها «فقد أصبت بصدمة ثقافية لأنني لم أكن محضرة نفسيا لما وجدته. فقد كبرت وأنا أسمع قصصا أشبه بالأساطير عن إيران قبل الثورة، إلى حد أنني كونت صورة مختلفة تماما في ذهني عما صادفته». وتضيف ليلى، وهي الأصغر بين ستة أخوة، أن علاقتها بمسقط رأسها مختلفة عن باقي أفراد الأسرة. فعلى العكس منهم، لم تكن فيها أي ذكريات خاصة، ولم تعش فيها أي تجارب أو تربط فيها صداقات طفولة تعزز انتماءها إليها، لهذا أحست بنوع من الغربة عندما زارتها لأول مرة في عام 2001.
هل هذا يعني أنها نادمة لأنها لم تعش طفولتها وحياتها في طهران؟ ترد بالنفي، لكنها تعترف بأن حياتها كانت ستأخذ مسارا مختلفا تماما، على الأقل من ناحية أنها كانت ستدرس مجالا إبداعيا عوض التخصص في مجال علمي، الأمر الذي كان سيلخص المسافات ويختزل الوقت بالنسبة لها: «فالإبداع يجري في دمي الإيراني، بينما فرضت الغربة تخصصي. فقد كان عليَّ وإخوتي دراسة مجال عملي يمكن الاستفادة منه والنجاح فيه». ومع ذلك لا تشعر بذرة ندم، فكل تجربة خاضتها، علمتها شيئا جديدا، ثم إنها في الأخير اتجهت إلى مجال إبداعي هو الموضة، كما تقول: «قطاع مهم، يدر المليارات على الاقتصاد مثله مثل قطاع السيارات، رغم أن الكثير من الناس لا يقدرون أهميته حتى الآن».
ثم تعود لتقول إن حالة عدم الانتماء التي شعرت بها في طهران جعلتها تنظر إلى الأمور بعيون موضوعية أكثر منها عاطفية، وهو ما يعد أمرا إيجابيا: «فأنا محظوظة أكثر من غيري لأنه بإمكاني زيارة مسقط رأسي والتعرف على البلد الذي شب فيه والداي وشكَّل شخصيتهما، وكبرت على قصصه وثقافته ولو من بعيد. فعندما غادرنا إيران لم نكن نتوقع أن يسمح لنا بالعودة أبدا، لكن لحسن الحظ أن السلطات خففت من القيود بعد أن شعرت بأن فتح الأبواب لعودة رجال الأعمال وبعض الأطر مثل الأطباء أمر إيجابي، وهكذا اتصلوا بوالدي لطمأنته بأنه من الأشخاص المرحب بعودتهم».
زيارتها لإيران أول مرة كانت لتحضير شهادة الماجستير، ولأن إيران معروفة بالشعر والفنون، فإن الموضة لم تثر اهتمامها، وخصوصا أن غياب الألوان فيها لم يحفزها على الغوص فيها. وتشير إلى أنها الآن وبحكم عملها في مجال الموضة تسأل كثيرا عما إذا كانت تحاول أن تستعمل نفوذها لاكتشاف مصمم إيراني موهوب، وهو ما تقول إنه صعب في الوقت الحالي بحكم أن «إيران، مثل كوريا الشمالية منغلقة على نفسها ومنعزلة عن العالم منذ سنوات، لهذا من الصعب القول إنها تتوفر على صناعة موضة بالمعنى الصحيح. أتمنى أن تتطور للأحسن عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية مثل ما حصل في تركيا». وتستطرد مصححة ومدافعة عن نفسها في الوقت ذاته: «هناك إبداع، لا تفهميني خطأ، فالإيرانيون يتقنون صناعة السينما ومتألقون في الشعر والأدب وغيرها من الفنون، لكن الموضة ليست واحدة من تلك الفنون في الوقت الحالي، ولا يمكن القول إنها جزء من القوة الإبداعية في البلد. بل هي الحلقة الاضعف ففي أحسن الحالات، لا تزال تعتمد على تقليد التصاميم الغربية القديمة، من مجلات عمرها أكثر من عشر سنوات، وبالتالي لم تتطور ولا تواكب العصر. ما لاحظته أنها تتوفر على الكثير من الخياطات الماهرات، وبأن الذوق العام متأثر إلى حد كبير بالأسلوب الآسيوي من ناحية التطريز وما شابه ذلك».
* بحكم وظيفتها كمديرة قسم المشتريات في موقع «ستايل بوب» (stylebop.com) فإن ليلى يافاري مطالبة بمتابعة كل أسابيع الموضة لتتابع تطوراتها وتوجهاتها.. وفي الوقت ذاته لاكتشاف أسماء جديدة يمكن أن تضيفها إلى لائحة المصممين الموجودين حاليا في الموقع.. شهر كامل من العروض بدأ في نيويورك وانتقل إلى لندن ثم ميلانو وأخيرا وليس آخرا باريس لخصته في الملاحظات التالية:
* أسبوع لندن يدهشني دائما وهو المفضل لديَّ من بين كل أسابيع الموضة لأنه يضج بالابتكار والمواهب عدا أن العاصمة نفسها تتميز بحيوية معدية.
* التصاميم المستوحاة من التفصيل الرجالي إلى جانب الرومانسية الغامضة والبوب آرت كلها توجهات مهمة لخريف 2014 وشتاء 2015.
* الأزياء الخاصة بالنزهات ذات الطابع الرياضي المريح كانت هي الأخرى مهمة وتتنافس إلى حد ما مع التصاميم المطبوعة بالورود أو المطرزة.
* إذا كانت هناك قطعة أساسية لا بد من اختيارها بدقة للفت الأنظار في الموسمين المقبل فهي معطف بنوعية جيدة وتصميم عصري.
* المصمم الذي أثار انتباهي أكثر من غيره هو الكرواتي الأصل دامير دوما.. أعتقد أنه من الأسماء التي يجب الانتباه إليها لأنه سيكون له مستقبل باهر لما يتمتع به من أسلوب نظيف وقصات واضحة وعصرية رغم أن أساسها كلاسيكي.
* أعتقد أن البنطلونات المشبوكة مع قميص لتشكل قطعة واحدة تناسب المرأة في الشرق الأوسط فهي عصرية ومواكبة للموضة وفي الوقت ذاته محتشمة وهذا يعني أنها من التصاميم التي تتجاوز الصرعات والاتجاهات الموسمية وحتى البيئة وتخاطب كل الأنيقات.