امرأة سودانية تجعل من دارها وزارة ثقافة مستقلة

تصنع من التراث الشعبي دعوات حب وسلام

حرم إبراهيم جامع
حرم إبراهيم جامع
TT

امرأة سودانية تجعل من دارها وزارة ثقافة مستقلة

حرم إبراهيم جامع
حرم إبراهيم جامع

ينظر كثيرون إلى السيدة حرم إبراهيم جامع باعتبارها وزارة ثقافة مستقلة، لأنها تبذل جهدًا لافتًا في تقديم تراث ولاية جنوب كردفان السودانية الشعبي، وفولكلور قبائل ومجموعات الولاية الثقافية والإثنية حبًا وكرامة. قد يبدو الأمر ميسورًا من الوهلة الأولى في ولاية غنية بتراثها وثقافاتها، لكنها الحرب التي تشتعل هناك منذ 2011 تجعل من كل ميسور عسيرًا، وفي حالتها فإن الحرب كانت مثبطًا ومهمازًا معًا، جعلت الممكنات صعبة، والمستحيلات ميسورة، بيد أنها كانت دافعًا لسيدتنا لاستغلال الثقافة والموسيقى الشعبية والرقص والتراثيات، كأدوات بل ودعوات تحريض من أجل السلم ونبذ الحرب.
في بيتها عند سفح (حبل المك) – أحد أحياء المدينة وجبالها ويسكنه أهل ملك - مك - المنطقة وعشيرته - بدت ضيفة «الشرق الأوسط» بهية وألقة، وبدت معروضاتها الشعبية دعوات سلام ومحبة حقيقية لأهل البلاد التي أنهكتها الحرب، ومزارًا تباهي به المدينة زوارها، تحدثهم دون أصوات بأن هنا شعب يملك أسباب الحياة، لكن الموت يحيط به إحاطة الجبال الخضراء الألقة بالمدينة.
عشقت حرم جمع التراثيات منذ صغرها، وتقول إنها هواية ورثتها عن والدتها، يكفيها أن ترصع (القرع البري) بالحرز الملون (السكسك)، وأن تضع عليها وشمًا بالنار، لتعطي الناس فنًا جميلاً، وديكورًا أجمل، وأواني شعبية تفتح الشهية لتناول الطعام.
تستخدم حرم القرعيات والأخشاب وسعف النخيل والدليب كمواد أولية لتجميل حياة الناس، هي لم تبتكرها، فأهل المنطقة يستخدمونها للغرض ذاته، للزينة والحياة اليومية، لكنها بثت فيها من روحها، فصنعت من القرعيات أقداحًا يقدم فيها الشراب والطعام، وآلات إيقاعية في الرقصات الشعبية، ومن السعفيات سجادًا بلديًا مطرزًا بالألوان، ومن الأخشاب آنية وبيوتًا وأسرة. بدأت حرم حياتها بهواية جمع وصناعة هذا الجمال لتزين حياتها أولاً، ثم حولتها لحرفة واحتراف، وحولت منزلها الصغير - وهو في حد ذاته تراث حي - لمعرض دائم، لأن المدينة الجميلة منهكة بالحرب، ولا يجد زوارها مكانًا يشمون فيه عبق ثقافة المنطقة وتراثها الثري خارج البيت المعرض.
تقول (وزارتنا) الثقافية المستقلة إنها تشتغل على تراثيات سكان المنطقة، وتهتم بجذورها المشتركة، فهي تهتم ببيت العرب الرحل - قبائل البقارة - ومقتنياتهم، مثلما تهتم ببيوت أهلها من قبائل النوبة ومشغولاتهم الشعبية، بحثًا عما يجعل من تنوع ثقافات أهل المنطقة عامل إثراء وتوحيد، بدلاً من أن يكون عامل فرقة واحتراب.
يتحول سعف الدليب والدوم في يدها لسجاجيد (بروش)، وهذا اسمها المحلي، تضاهي جمالاً السجاد العجمي، وتستخدم للجلوس عليها، ولتزيين البيوت وتسويرها. وتنتقي ألوانها المتناغمة لتجعل من الحوائط والفسحات لوحات تشكيلية ملونة، تقول حرم: «أنسج البروش - السجاجيد - الصغيرة من السعف وأجملها بنبات الأنزورة اللامع بعد ما أطليه بألوان كثيرة، وتستخدم مفارش للنوم أو للصلاة، فيما تستخدم الكبيرة منها ويطلق عليها - الشقق - في تزيين حوائط الأكواخ والقطاطي».
وتضيف: «أشكل القرع - نوع من ثمار القرعيات قشرتها الخارجية قوية تستخدم تقليديًا أواني للشرب وتقديم الطعام - بالرسم عليها بالنار، وأزينها بالخرز - اسمه المحلي السكسك - حسب أحجامه، ليستخدم ككاسات وأقداح صحية وصديقة للبيئة، وزينة تزين المكان، ولأحافظ عليه من التسوس أبخره بدخان نبات الطلح الزكي الرائحة»، كما يتضمن المعرض إضافة للقرعيات مشغولات تراثية فخارية، وزينة المرأة، وأنواع المحاصيل الزراعية النادرة، وأدوات الدفاع عن النفس الشعبية.
تحتفظ حرم بنموذج بالحجم الطبيعي لبيت العرب الرحل، وهو عبارة عن أغصان أشجار محنية على شكل قبة كبيرة، وداخله سرير خشبي مثبت على الأرض، وإلى جانبه بيت النوبة وهو عبارة عن كوخ من الطين والأعشاب، إضافة إلى مخازن الغلال، والمطبخ وغيرها، وتحافظ عليها بهيئتها الطبيعية ليزورها الباحثون عن تراث الشعوب.
ثم تحولت حرم من هاوية إلى محترفة، تقول: «تحولت لعارضة تراثيات بعد توقيع اتفاقية السلام 2005، ومنذ ذلك الوقت شاركت في عدد من المعارض الداخلية والخارجية، لمعرض القضاة العرب بالخرطوم، ومعرض ليالي السودان، معرض السياحة والتسوق الخرطوم».
يحوي معرضها على نماذج المساكن، وطرائق طهي الطعام البلدي، والمشروبات الشعبية مثل: «مشروب الخروب، والكركر، وشراب الدخن، والدوم الكرمدودة»، كما تقدم خلاله الوجبات الشعبية، تقول حرم: «حصلت على جائزة الوجبة الشعبية في معرض الخرطوم الدولي للتسوق بـ(ملاح الجراد)».
خارجيًا شاركت في مهرجان مسقط للتراث، وتستعد للمشاركة في مهرجان الدوحة السياحي الأول 24 مايو (أيار) الحالي، تقول: «معروضاتي ليست للبيع لأنها غالية ونادرة، ولو طلبت ثمنًا لها فسيكون غاليًا، وأشارت إلى قرعية - تسمى بخسة - وقالت إن عمرها قرابة 60 عامًا، ولا تزال تحتفظ بجمالها، بكم سأبيعها لو رغبت».
أحرزت الكثير من الجوائز ونالت عددًا من الكؤوس المحلية، فقد نالت الجائزة الأولى في معرض الإبداع العسكري وكأس المهرجان، وكأس ليالي السودان. تضيف: «أتهيأ الآن لأفوز بكأس مهرجان الدوحة السياحي الأول بدولة قطر»، وتواصل: «ولا أطلب مالاً في مشاركاتي، يكفيني تقديم ثقافة وفولكلور أهلي لمن لا يعرفونها، والبهجة والدهشة التي ترتسم على وجوه الزوار».
ومن بين المشغولات الشعبية الخشبية التي توليها حرم اهتماما خاصًا (المفراكة)، وهي أداة شعبية لتحريك الطعام وتقليبه - وفركه - وكما هو معروف فهي مرتبطة بالنساء في المنطقة يستخدمنها في الرقصات الشعبية واحتفالات النجاح، وأداة يتوكأن عليها للدلالة على أهمية دور المرأة والأم في صناعة الحياة، تقول: «للمفراكة دور مهم في حياة شعوب جبال النوبة ونسائها، وبواسطتها ربت النساء الأجيال، وحافظت على الحياة»، وتضيف: «بمفراكتنا هذه نصنع كل شيء، وها نحن نساء جبال النوبة نهزها دعوة لرجالنا وأبنائنا وندعوهم لنبذ الاحتراب والتخلي عن السلاح الناري، ونناديهم ليعودوا لاستعمال أدوات الدفاع عن النفس الشعبية مثل العصا والسفروك، وغيرها»، ثم تغني بإيقاع الكمبلا - رقصة شعبية - «رمينا السلاح والعصا والزول بأيدينو مشى»، وتعني أن شعب النوبة قرر التجول في بلاده المعطاءة بأيدٍ خالية من السلاح دون أن يخشى سوى الذئب والكواسر».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.